الدعاء هو جوهر العبادة، ووسيلة المسلم للتقرب من خالقه عز وجل، خاصة في الليالي المباركة كليالي رمضان، ومن الأصوات التي ارتبطت في أذهان المسلمين بالخشوع في صلاة التراويح صوت فضيلة الشيخ عبد الرحمن السديس، إمام الحرم المكي الشريف، يسعى الكثيرون للاقتداء بالأدعية الجامعة التي يدعو بها، والتي تمس القلوب وتعين على استحضار عظمة الله، في هذا المقال، نستعرض نماذج من هذه الأدعية مع التأصيل الشرعي، وتوضيح المصادر الموثوقة، وبيان الأحكام الفقهية المتعلقة بها، بما يضمن للمسلم عبادة مبنية على العلم والدليل.
أدعية مأثورة من القرآن والسنة في قنوت التراويح
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهي الأدعية الأكثر بركة وكمالاً، وكثيرًا ما يفتتح الأئمة، ومنهم الشيخ السديس، أدعيتهم بأدعية ثابتة من السنة النبوية الشريفة، ومنها:
- دعاء الاستفتاح في الصلاة (ويناسب البدء به في القنوت):
 “اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالثَّلْجِ وَالْمَاءِ وَالْبَرَدِ”. المصدر: متفق عليه (صحيح البخاري وصحيح مسلم). 
- سيد الاستغفار:
 “اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ”. المصدر: صحيح البخاري. 
- دعاء جامع للوقاية من الشرور:
 “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ جَهْدِ الْبَلاءِ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءِ الْقَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ”. المصدر: متفق عليه (صحيح البخاري وصحيح مسلم). 
نماذج من الأدعية العامة الجامعة التي يدعو بها الشيخ السديس
إلى جانب الأدعية المأثورة، يستخدم الأئمة صيغ دعاء عامة تجمع خيري الدنيا والآخرة، وهي جائزة شرعًا ما لم تتضمن محظورًا، هذه الصيغ ليست نصًا ثابتًا، بل هي اجتهادات في الدعاء تتغير بحسب المقام والحال، والنماذج التالية هي أمثلة على هذا النوع من الأدعية التي اشتهر بها صوت الشيخ السديس:
- الثناء على الله: “اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا يَلِيقُ بِجَلالِ وَجْهِكَ وَعَظِيمِ سُلْطَانِكَ، نَسْتَعِينُ بِكَ وَنَسْتَهْدِيكَ، وَنُؤْمِنُ بِكَ وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْكَ، وَنُثْنِي عَلَيْكَ الْخَيْرَ كُلَّهُ، نَشْكُرُكَ وَلا نَكْفُرُكَ”.
- دعاء للمسلمين: “اللَّهُمَّ اجْعَلْ أَيَّامَ رَمَضَانَ أَيَّامَ عِزَّةٍ وَتَقْوَى وَتَمْكِينٍ لِلْمُسْلِمِينَ، وَوَحِّدْ صُفُوفَهُمْ وَاجْمَعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الْحَقِّ، وَاحْمِ الأُمَّةَ الإِسْلامِيَّةَ مِنْ شُرُورِ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، بِرَحْمَتِكَ يَا جَبَّارَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ”.
- دعاء للأموات: “اللَّهُمَّ ارْحَمْ مَنْ كَانُوا بَيْنَنَا وَصَارُوا تَحْتَ التُّرَابِ، اغْفِرْ لَهُمْ وَوَسِّعْ قُبُورَهُمْ وَامْلَأْهَا نُورًا وَرَحْمَةً، وَنَقِّهِمْ مِنْ خَطَايَاهُمْ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ”.
- الصلاة على النبي: “اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ”.
تنبيه هام حول نسبة الأدعية
تنبيه هام: من المهم التوضيح أن هذه الأدعية ليست “دعاء الشيخ السديس” بمعنى أنه هو من أنشأها، بل هي مجموعة من الأدعية المأثورة من السنة النبوية، مضافًا إليها صيغ دعاء عامة جامعة يختارها فضيلته وغيره من الأئمة، الدعاء عبادة، والأصل فيها الاتباع، والخير كله في الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة.
التوقيت المناسب للدعاء في صلاة التراويح
أفضل أوقات الدعاء في صلاة التراويح يكون في قنوت الوتر بعد الرفع من الركوع الأخير، وهو ما عليه عمل كثير من المسلمين في الحرمين الشريفين وغيرهما، ومع ذلك، يجوز للمسلم أن يدعو في مواطن أخرى من الصلاة:
- أثناء السجود: فإنه من أرجى مواطن إجابة الدعاء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
 “أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ”. (المصدر: صحيح مسلم). 
- بعد التشهد الأخير وقبل السلام: وهو أيضًا موطن إجابة وردت به السنة.
- بعد الانتهاء من الصلاة: يمكن للمصلي أن يدعو بما شاء بعد السلام من صلاة التراويح أو الوتر.
الحكم الشرعي في الدعاء من كتاب أو ورقة في الصلاة
الأصل في الدعاء أن يكون عن ظهر قلب، لما في ذلك من زيادة الخشوع وحضور القلب، أما القراءة من كتاب أو ورقة أثناء الصلاة، فقد اختلف فيها الفقهاء:
- الرأي المانع أو الكاره: يرى بعض الفقهاء أن حمل الكتاب وتقليب صفحاته يُعد من الحركات الكثيرة التي قد تبطل الصلاة، كما أنها قد تذهب بالخشوع الذي هو روح العبادة.
- الرأي المجيز للحاجة: أجاز بعض أهل العلم ذلك للحاجة، كمن لا يحفظ الأدعية ويريد أن يدعو بأدعية جامعة، بشرط أن يقلل من الحركات قدر الإمكان، وهذا الرأي أيسر على عامة الناس، خاصة في الأدعية الطويلة كدعاء ختم القرآن.
والأفضل للمصلي أن يسعى لحفظ ما تيسر من الأدعية المأثورة، أو أن يدعو بما يفتح الله عليه من كلمات بسيطة وصادقة تعبر عن حاجته، فالله سبحانه وتعالى يعلم ما في القلوب ويستجيب الدعاء الصادق.
الرأي الشرعي في دعاء ختم القرآن خلال صلاة التراويح
دعاء ختم القرآن في الصلاة مسألة فقهية معروفة، وللمذاهب الأربعة فيها تفصيل:
- المالكية: يرون أن دعاء ختم القرآن في الصلاة غير مشروع، لعدم وروده عن النبي صلى الله عليه وسلم.
- الحنفية: يرون أنه مكروه داخل الصلاة، ويُفضل تركه.
- الحنابلة: يرون أنه مستحب، وهو المعتمد في المذهب، ويكون بعد قراءة سورة الناس وقبل الركوع، وهو ما عليه العمل في الحرمين الشريفين.
- الشافعية: يجيزونه بعد الصلاة أو خارجها، أما في الصلاة فيجيزه بعضهم للمنفرد دون الإمام في صلاة جهرية.
المصادر والمراجع
- صحيح البخاري، كتاب الدعوات، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية.
- مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله.
أسئلة شائعة (FAQs)
س1: هل يوجد نص ثابت لدعاء الشيخ السديس في التراويح؟
ج1: لا يوجد نص واحد ثابت، فضيلة الشيخ يختار من الأدعية المأثورة من القرآن والسنة، ويضيف إليها أدعية عامة جامعة تناسب المقام، والنصوص تتغير من ليلة لأخرى.
س2: ما هو أفضل دعاء يمكنني قوله في قنوت الوتر؟
ج2: أفضل الدعاء هو ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثل دعاء القنوت الذي علّمه للحسن بن علي رضي الله عنهما:
“اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ…”
، بالإضافة إلى الأدعية الصحيحة الأخرى المذكورة في المقال.
س3: هل دعاء الإمام في التراويح بصوت مرتفع وتأمين المأمومين عليه من السنة؟
ج3: نعم، هذا الفعل له أصل في فعل السلف الصالح، فقد كانوا يجتمعون على الدعاء ويؤمّن بعضهم على دعاء بعض، وهو من صور التعاون على البر والتقوى في العبادة.
 
		
