إن ذكر الله تعالى ودعاءه من أعظم العبادات التي يتقرب بها المسلم إلى ربه، خاصة بعد أداء الصلوات المكتوبة، وقد وردت في السنة النبوية الشريفة أذكار وأدعية مأثورة كان النبي صلى الله عليه وسلم يداوم عليها دبر كل صلاة، وهي تمثل الهدي الأكمل للمسلم الذي يرجو تحصين نفسه ونيل الأجر والثواب.
الأدعية والأذكار الصحيحة بعد صلاة الظهر (وبعد سائر الصلوات المكتوبة)
الأذكار الواردة بعد الصلاة ليست خاصة بصلاة الظهر، بل هي عامة تقال بعد جميع الصلوات المكتوبة، من السنة للمصلي أن يبدأ بالاستغفار ثلاثاً ثم يشرع في الأذكار التالية الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم:
1، الاستغفار وطلب السلام من الله
عن ثوبان رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثًا وقال:
“اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ”.
المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 591.
2، التهليل والتحميد لله
عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة:
“لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ”.
المصدر: متفق عليه (صحيح البخاري، حديث رقم 844؛ وصحيح مسلم، حديث رقم 593).
3، التسبيح والتحميد والتكبير
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
“مَنْ سَبَّحَ اللهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَحَمِدَ اللهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَكَبَّرَ اللهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، فَتِلْكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، وَقَالَ تَمَامَ الْمِائَةِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، غُفِرَتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ”.
المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 597.
4، الاستعاذة من أربع
عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ دبر الصلاة بهؤلاء الكلمات:
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ”.
المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 2822.
صيغ شائعة للدعاء (مع التنبيه على عدم ثبوتها بهذا التخصيص)
تنتشر بين الناس بعض الأدعية التي يدعون بها بعد صلاة الظهر أو غيرها لطلب الرزق أو قضاء الحاجات، ورغم أن معانيها قد تكون صحيحة بشكل عام، إلا أنه لم يثبت تخصيصها بصلاة الظهر أو ورودها بهذه الصيغ عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أمثلة ذلك:
- “اللّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ”، (هذا الدعاء ثابت في حديث حسن، ولكن كدعاء عام لقضاء الدين وليس مخصصاً بعد الصلاة).
- “اللَّهُمَّ أتوسل إليك أن تجعل خاتمة حياتي أفضل أوقاتي، وتختم لي بأحسن أعمالي، وتجعل أجمل أيام حياتي هو يوم لقائك يا كريم”، (دعاء حسن المعنى).
- “اللَّهُمَّ أتضرع إليك أن تغفر لي كل ذنوبي وتستر عيوبي وتغمرني برحمتك وتثبتني على طاعتك”، (دعاء حسن المعنى).
- “اللَّهُمَّ أمدّني بعونك في ذكرك وشكرك وأداء عباداتك بطريقة تليق برضاك عني ووفقني لما تحب وترضى”، (دعاء حسن المعنى).
تنبيه هام: هذه الصيغ وغيرها مما يتداوله بعض الناس، لم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم كتخصيص بعد صلاة الظهر، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية ومباركة وشاملة لخيري الدنيا والآخرة، ويجوز للمسلم أن يدعو بما يشاء من الأدعية الطيبة التي لا تحتوي على إثم أو قطيعة رحم، ولكن دون أن ينسبها للسنة أو يخصص لها وقتاً أو فضلاً لم يرد به دليل.
حكم تخصيص دعاء معين لصلاة الظهر
لم يرد في السنة النبوية المطهرة دعاء خاص بصلاة الظهر وحدها، بل الأذكار والأدعية المأثورة هي عامة تقال دبر جميع الصلوات المكتوبة، إن تخصيص دعاء معين بوقت معين أو مكان معين دون دليل شرعي يُعتبر من الأمور المحدثة التي ينبغي على المسلم تجنبها، والأولى هو الالتزام بالهدي النبوي الثابت، ثم الدعاء بما يفتح الله به على عبده من خيري الدنيا والآخرة دون تخصيص.
فضل صلاة الظهر ومكانتها
صلاة الظهر هي أول صلاة صلاها جبريل عليه السلام بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهي إحدى الصلوات الخمس التي فرضها الله على عباده، تتميز بأنها صلاة سرية تتكون من أربع ركعات فرض، ويسبقها ويليها سنن رواتب مؤكدة، أداؤها في وقتها، خاصة في شدة الحر، دليل على صدق إيمان العبد وصبره على طاعة ربه.
إن إقامة الصلاة وترك مشاغل الدنيا من أجلها هو من صفات المؤمنين الصادقين الذين أثنى الله عليهم في كتابه الكريم:
“رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ” [النور: 37].
كما يُستحب الإكثار من الدعاء بين الأذان والإقامة، فهو من مواطن إجابة الدعاء كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فضل الدعاء بعد الصلوات المكتوبة
يُعد الدعاء دبر الصلوات المكتوبة من الأوقات التي يُرجى فيها الإجابة، فقد سُئل النبي صلى الله عليه وسلم: أيُّ الدعاء أسمع؟ قال: “جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات”، (حديث حسن، سنن الترمذي)، هذه اللحظات التي تلي أداء الفريضة يكون فيها العبد قريبًا من ربه، خاشع القلب، منكسرًا بين يديه، مما يجعله أحرى بالقبول والإجابة، فالدعاء هو العبادة، وهو سبيل المؤمن للتواصل المباشر مع خالقه، وسؤاله من فضله العظيم في كل شؤون حياته.
المصادر والمراجع
- سورة النور، الآية 37.
- صحيح البخاري، حديث رقم 844 وحديث رقم 2822، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 591، وحديث رقم 593، وحديث رقم 597، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، حديث رقم 3499، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة
ما هو أفضل دعاء بعد صلاة الظهر؟
لا يوجد دعاء واحد “أفضل” مخصص لصلاة الظهر، ولكن أفضل ما يقال هو الأذكار والأدعية الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم بعد كل صلاة مكتوبة، مثل الاستغفار، وقول “اللهم أنت السلام…”، والتهليل، والتسبيح والتحميد والتكبير.
هل يجوز أن أدعو بأمور الدنيا بعد الصلاة؟
نعم، يجوز للمسلم بعد الانتهاء من الأذكار المشروعة أن يدعو الله بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة، كطلب الرزق الحلال، والذرية الصالحة، والنجاح، والعافية، ما لم يكن في دعائه إثم أو قطيعة رحم.
هل الدعاء بعد صلاة الظهر في يوم الجمعة له فضل خاص؟
الدعاء مستحب في كل وقت، ويوم الجمعة فيه ساعة إجابة، أرجح الأقوال في وقتها أنها آخر ساعة بعد العصر قبل غروب الشمس، الدعاء بعد صلاة الظهر يوم الجمعة هو دعاء في يوم مبارك، ولكن الفضل الخاص المذكور في الأحاديث يتعلق بساعة الإجابة.

