الدعاء والذكر بعد الصلوات المكتوبة من أعظم القربات التي يحرص عليها المسلم، فهي سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيها وصلٌ للعبادة، وشكرٌ للنعمة، وطلبٌ للحاجات من الله عز وجل، وتكتسب هذه الأذكار أهمية خاصة بعد صلاة العصر، كونها الصلاة الوسطى التي حث القرآن على المحافظة عليها، ولأن ما بعدها من وقت إلى غروب الشمس هو من الأوقات المباركة التي يُرجى فيها إجابة الدعاء.
الأذكار الصحيحة الثابتة بعد كل صلاة مكتوبة
الأصل في الأذكار بعد الصلاة أنها عامة لكل الصلوات المكتوبة، ومنها صلاة العصر، وهذه الأذكار هي الهدي النبوي الكامل الذي ينبغي للمسلم أن يلتزمه ويحافظ عليه، وفيما يلي أبرز ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم:
- الاستغفار والتسبيح الأولي:كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثًا وقال:
“اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ ذَا الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ.”
(المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 591).
- التهليل والتوحيد:
“لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ.”
(المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 844؛ صحيح مسلم، حديث رقم 593).
- التسبيح والتحميد والتكبير:من قال دبر كل صلاة:
“سُبْحَانَ اللهِ (ثلاثًا وثلاثين)، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ (ثلاثًا وثلاثين)، وَاللهُ أَكْبَرُ (ثلاثًا وثلاثين)، فتلك تسعة وتسعون، وقال تمام المائة: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، غُفِرَتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ.”
(المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 597).
- قراءة آية الكرسي:ورد في فضل قراءتها دبر كل صلاة مكتوبة أنها سبب لدخول الجنة.
“اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ…”
(سورة البقرة: 255)، (المصدر: رواه النسائي في السنن الكبرى وصححه الألباني).
- قراءة المعوذات:قراءة سور الإخلاص، والفلق، والناس بعد كل صلاة، (المصدر: سنن أبي داود، حديث حسن).
فضل الدعاء بين العصر والمغرب
الوقت بين صلاة العصر وغروب الشمس له فضل خاص، لا سيما في يوم الجمعة، حيث يُرجى فيه ساعة إجابة الدعاء، قال النبي صلى الله عليه وسلم عن يوم الجمعة:
“فِيهِ سَاعَةٌ، لاَ يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا، إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ.”
وقد رجّح عدد من العلماء أن هذه الساعة هي آخر ساعة بعد العصر، (المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 935؛ صحيح مسلم، حديث رقم 852).
لذا، يُستحب للمسلم أن يغتنم هذا الوقت في الدعاء العام بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة.
أمثلة على أدعية جامعة يمكن الدعاء بها في هذا الوقت
يمكن للمسلم أن يدعو بما شاء من الأدعية العامة التي تجمع خيري الدنيا والآخرة، ومنها:
- دعاء من أذكار الصباح والمساء: وهو مناسب جداً لهذا الوقت:
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي، اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ، وَمِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي، وَعَنْ شِمَالِي، وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي.”
(المصدر: سنن أبي داود، حديث صحيح).
- سيد الاستغفار:
“اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ.”
(المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 6306).
- دعاء جامع من القرآن الكريم:
“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.”
(سورة البقرة: 201).
صيغ شائعة تُنسب لوقت ما بعد صلاة العصر
تنتشر بين الناس بعض الأدعية والصيغ التي يخصصونها لوقت ما بعد صلاة العصر، ورغم أن معاني بعضها قد تكون حسنة، إلا أنه لم يثبت تخصيصها بهذا الوقت في السنة النبوية المطهرة، ومن أمثلة ذلك:
- “اللهم يا مسخر القوي للضعيف ومسخر الجن والريح لنبينا سليمان..، ارزقني رزقًا حلالًا طيبًا.”.
- “اللهم إني أسألك علمًا نافعًا ورزقًا طيبًا وعملًا متقبلًا.” (هذا الدعاء ثابت عن النبي ﷺ ولكن يُقال بعد السلام من صلاة الفجر تحديداً).
- صيغ أخرى لتفريج الكرب وجلب الرزق يتم تداولها على أنها خاصة بهذا الوقت.
- “عُقِدَ لِسَانُ الحَيَّةِ وَذِيبَانِ العَقْرَبِ…” (وهذه صيغة لا أصل لها في السنة ويجب الحذر من تداولها).
تنبيه هام وحكم تخصيص العصر بأدعية معينة
تنبيه هام: هذه الصيغ الشائعة هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه كتخصيص لصلاة العصر، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية وشاملة ومباركة، إنَّ أذكار ما بعد الصلاة الثابتة في السنة تُقال بعد كل الصلوات، والدعاء بما يحتاجه الإنسان مشروع في كل وقت، خاصة في الأوقات الفاضلة كآخر ساعة من يوم الجمعة، دون الحاجة إلى تخصيص صيغ لم ترد بها السنة.
فضل الدعاء وأثره في حياة المسلم
الدعاء هو العبادة، وهو سلاح المؤمن الذي يلجأ به إلى ربه في كل أحواله، ومن فضائله العظيمة:
- رفع البلاء ودفع المحن: الدعاء من أعظم أسباب كشف الكروب وزوال الهموم، فالله تعالى هو القادر على تغيير الأحوال إلى أفضلها.
- جلب الخير والبركة: المداومة على الدعاء تفتح أبواب الرزق والتوفيق والبركة في حياة المسلم، وتعزز صلته بخالقه.
- تحقيق العبودية لله: في الدعاء إظهار للافتقار إلى الله والاعتراف بقدرته المطلقة، وهذا هو جوهر العبادة.
- نيل الأجر والثواب: كل دعاء يدعو به المسلم هو عبادة يُثاب عليها، سواء استُجيب له في الدنيا، أو صُرف عنه من السوء مثله، أو ادُّخر له في الآخرة.
على المسلم أن يحرص على الأذكار الثابتة بعد كل صلاة، وأن يغتنم الأوقات الفاضلة للدعاء بما يشاء من أمور دينه ودنياه، موقنًا بأن الله سبحانه قريب مجيب الدعاء.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 255 (آية الكرسي).
- سورة البقرة، الآية 201.
- صحيح البخاري، أحاديث رقم: 844، 935، 6306، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، أحاديث رقم: 591، 593، 597، 852، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن أبي داود، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية للتحقق من درجة صحة الأحاديث المذكورة).
- السنن الكبرى للنسائي، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة (FAQs)
هل هناك دعاء خاص بصلاة العصر فقط؟
لم يثبت في السنة النبوية دعاء أو ذكر خاص بصلاة العصر وحدها، بل إن الأذكار الواردة بعد الصلاة هي عامة لجميع الصلوات المكتوبة، ولكن وقت ما بعد العصر إلى الغروب هو وقت مبارك للدعاء بشكل عام.
ما هو أفضل وقت للدعاء يوم الجمعة؟
أرجح الأقوال أن ساعة الإجابة يوم الجمعة هي آخر ساعة بعد صلاة العصر وقبل غروب الشمس، فيُنصح بالإكثار من الدعاء في هذا الوقت.
ما صحة الأدعية المنتشرة لجلب الرزق وتفريج الكرب بعد صلاة العصر؟
معظم الأدعية المنتشرة والمخصصة لهذا الوقت لم ترد في السنة النبوية، والأفضل للمسلم هو الالتزام بالأدعية الصحيحة المأثورة من القرآن والسنة، أو الدعاء بصيغ عامة من عنده، فالدعاء بابه واسع، ولكن لا يجوز نسبة صيغة معينة للدين أو تخصيصها بوقت معين دون دليل شرعي.


أثير الحربي