يُعد فقدان الممتلكات الثمينة، كالذهب وغيره، من الابتلاءات التي قد تسبب الحزن والضيق للإنسان، وفي هذه الأوقات، يمثل اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء والتوكل عليه سبيلاً للطمأنينة ومفتاحاً للفرج، فالدعاء هو العبادة التي تصل العبد بربه، وهو من أعظم أسباب رد المفقودات وتفريج الكروب، شريطة أن يكون مقروناً باليقين وحسن الظن بالله.
يقدم هذا المقال دليلاً شاملاً وموثوقاً حول الأدعية التي يمكن للمسلم أن يستعين بها عند فقدان شيء ثمين، مع التمييز بين ما ورد في المصادر الشرعية الصحيحة وما هو شائع بين الناس.
أدعية ثابتة في القرآن والسنة عند الكرب والحاجة
لم يرد في السنة النبوية الصحيحة دعاء مخصص بلفظه لرد الذهب المفقود أو الضائع، ولكن وردت أدعية جامعة وشاملة تُقال عند الكرب والشدائد، وهي أولى بالاتباع وأرجى للقبول، فالمسلم يلجأ إلى الله في كل أحواله، وفقدان شيء ثمين هو من جملة الكروب التي تستدعي الدعاء.
1، دعاء يونس عليه السلام (دعاء ذي النون)
وهو من أعظم الأدعية لتفريج الكروب، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما دعا به مسلم في شيء إلا استجاب الله له، قال تعالى:
“وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ” [الأنبياء: 87].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“دعوةُ ذي النُّونِ إذ دعا وهو في بطنِ الحوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فإنَّه لم يدعُ بها رجلٌ مسلمٌ في شيءٍ قطُّ إلا استجاب اللهُ له.” (حديث صحيح، رواه الترمذي).
2، الدعاء بأسماء الله الحسنى وصفاته العليا
من أفضل صور الدعاء التوسل إلى الله بأسمائه وصفاته التي تناسب حاجة العبد، كأن يقول: “يا جامع، اجمع عليّ ضالتي”، أو “يا هادي، اهدني إلى مكانه”، قال تعالى:
“وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا” [الأعراف: 180].
فيمكن للمسلم أن يدعو قائلاً: “اللَّهُمَّ يَا جَامِعَ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ، اجْمَعْ بَيْنِي وَبَيْنَ ضَالَّتِي”، وهذه صيغة مأثورة عن بعض السلف، وهي دعاء حسن المعنى والمقصد.
صيغ وأدعية عامة شائعة للعثور على المفقودات
يتداول الناس بعض الصيغ والأدعية التي لم ترد في نصوص شرعية محددة، ولكنها تحمل معاني طيبة في التوجه إلى الله وطلب العون منه، يمكن الدعاء بها على سبيل الدعاء العام دون الاعتقاد بأن لها فضلاً خاصاً أو أنها سنة ثابتة، ومن أمثلة ذلك:
- اللَّهُمَّ يَا رَادَّ الضَّالَّةِ، وَيَا هَادِيًا مِنَ الضَّلَالَةِ، أَسْأَلُكَ بِعِزَّتِكَ وَسُلْطَانِكَ أَنْ تَرُدَّ عَلَيَّ ضَالَّتِي.
- اللَّهُمَّ إِنَّ مَا فَقَدْتُهُ هُوَ مِنْ عَطَائِكَ وَرِزْقِكَ، فَلَا تَحْرِمْنِي مِنْهُ وَرُدَّهُ إِلَيَّ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
- رَبِّ، إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ، فَاْجْبُرْ كَسْرِي وَرُدَّ إِلَيَّ حَاجَتِي وَبَارِكْ لِي فِيمَا رَزَقْتَنِي.
- يَا مَنْ لَا تَضِيعُ عِنْدَهُ الْوَدَائِعُ، إِنِّي أَستَوْدِعُكَ كُلَّ مَا أَمْلِكُ، فَاحْفَظْهُ لِي وَرُدَّ عَلَيَّ مَا فُقِدَ مِنِّي.
تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية ومباركة، والدعاء بهذه الصيغ العامة جائز ما لم يعتقد الداعي أن لها فضلاً خاصاً أو أنها سنة متبعة، والأفضل هو استخدام الأدعية المأثورة الجامعة.
ما حكم تخصيص دعاء معين لرد الضالة؟
الأصل في الدعاء أن يكون بما هو مشروع وثابت في الكتاب والسنة، أو أن يدعو المسلم ربه بحاجته بالصيغة التي تفتح عليه بقلب خاشع ويقين بالله، أما تخصيص دعاء معين بصيغة معينة لرد الضالة واعتقاد أن هذه الصيغة هي السبب الوحيد أو الأفضل، فهذا الأمر يحتاج إلى دليل شرعي.
وقد ورد حديث في هذا الباب بلفظ: “اللَّهُمَّ رَادَّ الضَّالَّةِ…”، ولكن أهل العلم والمختصين في الحديث قد حكموا عليه بالضعف الشديد، فلا يُحتج به، لذا، يبقى الأمر في دائرة الدعاء العام، والالتزام بالأدعية الصحيحة الواردة في الكرب والهم هو الأسلم والأفضل.
نصائح عملية تجمع بين الدعاء والأخذ بالأسباب
الإيمان لا ينافي الأخذ بالأسباب، بل إن السعي والبحث من تمام التوكل على الله، عند فقدان شيء ثمين، يُنصح بالآتي:
- الهدوء والتفكير: حاول أن تهدأ وتسترجع آخر مكان رأيت فيه الشيء المفقود.
- البحث المنظم: ابدأ بالبحث في الأماكن الأكثر احتمالاً بشكل منظم ودقيق.
- الصدقة: التصدق بنية تفريج الكرب والعثور على المفقود من الأعمال الصالحة التي يُرجى نفعها.
- الدعاء بيقين: استمر في الدعاء والإلحاح على الله، مع اليقين التام بأنه سبحانه هو المدبر والقادر على كل شيء.
- الرضا بالقدر: تذكر أن كل ما يحدث هو بقضاء الله وقدره، فارضَ بما كتب الله لك، وسلْه العوض والخير.
إن فقدان شيء ثمين قد يكون اختباراً من الله لصبر العبد ويقينه، واللجوء إليه سبحانه بالدعاء الصحيح، مع الأخذ بالأسباب، هو سبيل المؤمن لتجاوز هذا الموقف بقلب مطمئن وراضٍ بقضاء الله وقدره.
المصادر والمراجع
- سورة الأنبياء، الآية 87.
- سورة الأعراف، الآية 180.
- حديث “دعوة ذي النون”، سنن الترمذي، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية للتحقق من صحته).
أسئلة شائعة
ما هو أفضل دعاء عند فقدان شيء ثمين؟
أفضل ما يُقال هو الأدعية الجامعة للخير الواردة في القرآن والسنة عند الكرب، وعلى رأسها دعاء يونس عليه السلام: “لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ”، بالإضافة إلى الدعاء بأسماء الله الحسنى أو الدعاء بحاجتك الخاصة بصدق ويقين.
هل دعاء “اللهم يا جامع الناس…” صحيح لرد الضالة؟
هذه الصيغة حسنة المعنى وتتضمن توسلاً باسم الله “الجامع”، وقد ورد عن بعض السلف استخدامها، وهي من باب الدعاء العام الجائز، ولكنها ليست حديثاً مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلا بأس بالدعاء بها دون اعتقاد أنها سنة مخصصة.
هل يجوز أن أدعو بلغتي أو بأسلوبي الخاص؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله تعالى بحاجته بلغته وأسلوبه الخاص، فالله سبحانه وتعالى يعلم ما في القلوب ويسمع دعاء عباده كيفما كان، المهم هو صدق التوجه والإخلاص في الدعاء.


