الدعاء هو جوهر العبادة، والصلة المباشرة بين العبد وربه، وهو السلاح الذي يلجأ إليه المؤمن في كل أحواله، خاصةً عند نزول البلاء واشتداد الكرب، ويأتي ابتلاء المرض كأحد أعظم الاختبارات التي تُظهر صدق إيمان العبد وصبره، حيث يصبح الجسد ضعيفًا والنفس في أمسّ الحاجة إلى السكينة والطمأنينة.
وفي هذه اللحظات، يبرز الدعاء كوسيلة ربانية للثبات وطلب الشفاء، فاللجوء إلى الله تعالى بقلبٍ صادق ويقينٍ تام بقدرته هو من أعظم أسباب رفع البلاء، إن الجمع بين الأخذ بالأسباب الطبية المتاحة والتوكل على الله عبر الدعاء الصادق هو المنهج النبوي الذي يمنح المؤمن القوة والرضا بقضاء الله وقدره، ويفتح له أبواب الرحمة والشفاء.
أدعية الشفاء الثابتة في السنة النبوية المطهرة
إن خير ما يدعو به المسلم لنفسه أو لغيره هو ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أوتي جوامع الكلم، وكانت أدعيته جامعة لخيري الدنيا والآخرة، فيما يلي مجموعة من الأدعية الصحيحة والمأثورة لطلب الشفاء من الله تعالى:
1، دعاء النبي عند زيارة المريض
ثبت عن عائشة رضي الله عنها، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ كانَ إذَا أتَى مَرِيضًا -أوْ أُتِيَ به- قَالَ:
أَذْهِبِ البَاسَ رَبَّ النَّاسِ، اشْفِ وأَنْتَ الشَّافِي، لا شِفَاءَ إلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا.
المصدر: متفق عليه (رواه البخاري ومسلم).
الشرح: هذا الدعاء يتضمن إقرارًا بأن الله وحده هو الشافي، والتوجه إليه بصفته رب الناس ليكشف الضر ويرفع المرض شفاءً كاملاً لا يترك أثراً.
2، دعاء الرقية بوضع اليد على مكان الألم
عن عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه، أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعًا يجده في جسده منذ أسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ضَعْ يَدَكَ علَى الذي تَأَلَّمَ مِن جَسَدِكَ، وقُلْ: باسْمِ اللهِ، ثَلَاثًا، وقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ:
أعُوذُ باللَّهِ وقُدْرَتِهِ مِن شَرِّ ما أجِدُ وأُحَاذِرُ.
المصدر: صحيح مسلم.
الشرح: دعاء يعلّم المسلم الاستعانة بالله والاعتصام بقدرته من شر الألم الذي يشعر به وما يخشى من تفاقمه.
3، دعاء زيارة المريض الذي لم يحضره أجله
عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مَن عادَ مريضًا لم يحضُرْ أجلُهُ، فقال عندَهُ سبعَ مرَّاتٍ:
أسألُ اللَّهَ العظيمَ ربَّ العرشِ العظيمِ أن يشفيَكَ.
المصدر: رواه أبو داود والترمذي، وهو حديث صحيح.
الشرح: يُرجى لمن قال هذا الدعاء بإخلاص عند المريض أن يعافيه الله من مرضه ببركة هذا الدعاء العظيم الذي يتوسل فيه الداعي بعظمة الله وربوبيته للعرش العظيم.
4، الرقية بالتراب والريق
عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول للمريض:
بسْمِ اللَّهِ، تُرْبَةُ أرْضِنَا، برِيقَةِ بَعْضِنَا، يُشْفَى سَقِيمُنَا، بإذْنِ رَبِّنَا.
المصدر: متفق عليه (رواه البخاري ومسلم).
الشرح: ذكر العلماء أن كيفية هذه الرقية تكون بأخذ شيء من ريق الداعي على أصبعه، ثم يضعها على التراب فيعلق به شيء منه، ثم يمسح به موضع الألم أو الجرح وهو يدعو بهذا الدعاء.
فضل الصبر واليقين عند ابتلاء المرض
قبل الدعاء وبعده، من الضروري أن يتحلى المسلم بالصبر والرضا بقضاء الله وقدره، فذلك من أعظم العبادات التي يتقرب بها إلى ربه، إن الإيمان بأن المرض ابتلاء لتكفير الذنوب ورفع الدرجات يعين العبد على تحمل الألم بنفسٍ راضية وقلبٍ مطمئن.
- اليقين بحكمة الله: المؤمن يدرك أن الله تعالى لا يبتليه إلا لخير، فإما تكفيرًا لسيئاته أو رفعةً لدرجاته، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
ما يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِن نَصَبٍ ولَا وصَبٍ، ولَا هَمٍّ ولَا حُزْنٍ ولَا أذًى ولَا غَمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بهَا مِن خَطَايَاهُ.
(متفق عليه).
- التأمل في صبر الأنبياء: إن في قصة نبي الله أيوب عليه السلام أعظم مثال على الصبر الجميل، فقد ابتُلي في جسده وأهله وماله فصبر واحتسب حتى أثنى الله عليه بقوله:
“إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ نِّعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ”
[ص: 44]، التأمل في سيرته يمنح المريض القوة والعزيمة.
- المداومة على الذكر والصلاة: الانشغال بذكر الله وإقامة الصلاة قدر المستطاع يملأ القلب سكينة وطمأنينة، ويخفف من وطأة الألم النفسي والجسدي، ويُعين العبد على تجاوز محنته بروحٍ متفائلة.
المصادر والمراجع
- صحيح البخاري، حديث رقم (5675)، وصحيح مسلم، حديث رقم (2191)، (دعاء أذهب البأس)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم (2202)، (دعاء أعوذ بالله وقدرته)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن أبي داود، حديث رقم (3106)، وسنن الترمذي، حديث رقم (2083)، صححه الألباني، (دعاء أسأل الله العظيم)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح البخاري، حديث رقم (5745)، وصحيح مسلم، حديث رقم (2194)، (دعاء تربة أرضنا)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سورة ص، الآية 44.
أسئلة شائعة حول أدعية الشفاء
ما هو أفضل وقت للدعاء من أجل الشفاء؟
الدعاء مشروع في كل وقت، ولكن هناك أوقات يُرجى فيها إجابة الدعاء أكثر من غيرها، مثل الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود أثناء الصلاة، وآخر ساعة من يوم الجمعة، الأهم من الوقت هو حضور القلب واليقين التام بأن الله سيستجيب.
هل يجوز أن أدعو بصيغ أخرى غير المأثورة؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يفتح عليه من صيغ وألفاظ تناسب حاله وحاجته، ما دامت هذه الصيغ لا تحتوي على محظور شرعي أو اعتداء في الدعاء، ومع ذلك، يبقى الدعاء بالمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم هو الأفضل والأكمل والأكثر بركة.
هل الدعاء يغني عن العلاج الطبي؟
لا، الإسلام يأمر بالأخذ بالأسباب مع التوكل على الله، فالدعاء سبب شرعي للشفاء، والعلاج الطبي سبب قدري، والمؤمن يجمع بينهما، فيتوجه إلى الأطباء للعلاج، ويتوجه إلى الله بالدعاء لطلب الشفاء، فكلاهما مطلوب ولا يتعارضان.

