يواجه المسلم في رحلة حياته مواقف يشعر فيها بالظلم أو الحيرة، وتغيب عنه حقائق الأمور، فيلتبس عليه الحق بالباطل، في هذه اللحظات، يجد المؤمن ملاذه في التوجه إلى الله سبحانه وتعالى، فهو “الحق” و”العليم الخبير”، الذي لا تخفى عليه خافية، الدعاء هو السلاح الأقوى للمؤمن، به يستنير قلبه، وتنكشف له البصيرة، ويطلب من خالقه الهداية إلى الصواب وكشف ما خفي عنه.
إن أفضل ما يدعو به العبد هو ما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهي أدعية جامعة ومباركة، تحمل في طياتها الخير كله.
أدعية صحيحة من القرآن والسنة لطلب البصيرة وكشف الحقائق
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما هو ثابت في المصادر الشرعية الموثوقة، فهي كافية وشافية، ومن الأدعية الصحيحة التي تعين المسلم على طلب الهداية وكشف الأمور ما يلي:
1، دعاء الاستخارة لطلب الخيرة في الأمور
إذا احتار المسلم في أمر ما ولم يتبين له وجه الصواب، فقد شرع له النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الاستخارة ودعاءها، وهو من أعظم الأدعية لطلب الهداية من الله.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلِّمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلِّمنا السورة من القرآن، يقول:
“إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي -أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ- فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي -أَوْ قَالَ: فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ- فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ أَرْضِنِي بِهِ”.
(المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 1166).
2، دعاء طلب النور والبصيرة
النور هو الهداية التي يكشف الله بها الحقائق لعبده، وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أن يسأل الله النور في جميع جوارحه وحواسه.
“اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي بَصَرِي نُورًا، وَفِي سَمْعِي نُورًا، وَعَنْ يَمِينِي نُورًا، وَعَنْ يَسَارِي نُورًا، وَفَوْقِي نُورًا، وَتَحْتِي نُورًا، وَأَمَامِي نُورًا، وَخَلْفِي نُورًا، وَاجْعَلْ لِي نُورًا”.
(المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 763).
3، أدعية قرآنية لطلب العلم والهداية
القرآن الكريم مليء بالأدعية المباركة التي يمكن للمسلم أن يدعو بها في كل أحواله، ومنها:
- دعاء لزيادة العلم والفهم:
“رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا”
(سورة طه، الآية: 114).
- دعاء للثبات على الحق بعد معرفته:
“رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ”
(سورة آل عمران، الآية: 8).
صيغ دعاء شائعة لطلب كشف الحقائق
يتداول بعض الناس صيغًا عامة للدعاء بنية كشف الحقائق ومعرفة خبايا الأمور، ورغم أن الدعاء بأي صيغة لا تخالف الشرع جائز من حيث الأصل، إلا أن الأفضل والأكمل هو الالتزام بالأدعية المأثورة، ومن الأمثلة على هذه الصيغ المنتشرة:
- اللَّهُمَّ يَا مَنْ مَلَكْتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَيَا مَنْ خَلَقْتَ كُلَّ شَيْءٍ بِإِرَادَتِكَ وَقُدْرَتِكَ، نَسْأَلُكَ أَنْ تُنِيرَ لَنَا الْحَقَّ، وَتَكْشِفَ لَنَا بِرَحْمَتِكَ الْخَفَايَا، وَتُظْهِرَ لَنَا الْأُمُورَ عَلَى حَقِيقَتِهَا يَا أَكْرَمَ الْأَكْرَمِينَ.
- اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَكْشِفَ لَنَا خَبَايَا الْأُمُورِ، وَتُرِيَنَا الْحَقَّ حَقًّا وَتَرْزُقَنَا اتِّبَاعَهُ، وَتُرِيَنَا الْبَاطِلَ بَاطِلًا وَتَرْزُقَنَا اجْتِنَابَهُ، وَكُنْ مَعَنَا يَا اللهُ وَثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ.
- يَا رَبِّ، أَسْأَلُكَ أَنْ تَكْشِفَ لِي حَقِيقَةَ مَنْ حَوْلِي، وَأَنْ تَرْزُقَنِي الْقُدْرَةَ عَلَى تَمْيِيزِ الصِّدْقِ مِنَ الْكَذِبِ، وَأَبْعِدْ عَنِّي كُلَّ مَنْ يُظْهِرُ خِلَافَ مَا يُبْطِنُ، وَكُنْ لِي خَيْرَ مُعِينٍ.
الحكم الشرعي وتنبيه هام
تنبيه هام: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية ومباركة وشاملة لكل خير.
يجوز الدعاء بألفاظ من إنشاء الشخص ما دامت معانيها صحيحة ولا تحتوي على محظور شرعي، ولكن يبقى الالتزام بالأدعية النبوية والقرآنية هو الأسلم والأعظم أجرًا والأقرب للإجابة.
دعاء لكشف نوايا الأشخاص
الشعور بالخداع ممن وثقت بهم هو من أشد التجارب إيلامًا، والسبيل الأمثل لحماية النفس من شر الناس وكيدهم هو اللجوء إلى الله تعالى، فهو الذي يعلم السر وأخفى، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، يمكن للمسلم أن يدعو بالأدعية العامة للحفظ والحماية، مثل أذكار الصباح والمساء، وأن يسأل الله بصدق أن يبعد عنه أصحاب السوء والنوايا الخبيثة.
- اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ صَاحِبِ سُوءٍ، إِنْ رَأَى حَسَنَةً كَتَمَهَا، وَإِنْ رَأَى سَيِّئَةً أَفْشَاهَا.
- يَا رَبِّ، إِنْ كَانَ فِي حَيَاتِي مَنْ يَتَظَاهَرُ بِحُبِّي وَفِي قَلْبِهِ شَرٌّ لِي، فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَأَظْهِرْ لِي حَقِيقَتَهُ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
- اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ، وَاجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي نُحُورِهِمْ، وَأَرِحْ قَلْبِي مِنْ شُكُوكِي وَهُمُومِي، وَارْزُقْنِي السَّكِينَةَ وَالاطْمِئْنَانَ.
من الحكمة أيضًا أن يكون المسلم فطنًا، لا يمنح ثقته الكاملة إلا بعد تروٍ وتثبت، عملًا بقوله تعالى:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا”
(سورة الحجرات، الآية: 6)، فالتثبت والتروي من صفات المؤمنين.
تنزيل الدعاء بصيغة PDF
يمكنك تحميل مجموعة من الأدعية المأثورة بصيغة PDF من خلال النقر على الرابط التالي: “تحميل من هنا“..
المصادر والمراجع
- سورة الحجرات، الآية 6.
- سورة طه، الآية 114.
- سورة آل عمران، الآية 8.
- صحيح البخاري، حديث رقم 1166، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 763، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة (FAQs)
ما هو أفضل دعاء عند الحيرة وعدم وضوح الأمور؟
أفضل ما ورد في السنة النبوية عند الحيرة في أمر ما هو دعاء الاستخارة، حيث يطلب العبد من الله تعالى أن يختار له الخير بعلمه وقدرته، وهو دعاء شامل يجمع بين تفويض الأمر لله والرضا بقضائه.
هل يجوز الدعاء بالصيغ المنتشرة لكشف الحقائق؟
نعم، يجوز الدعاء بأي صيغة لا تخالف الشريعة الإسلامية في معناها، كأن لا يكون فيها اعتداء في الدعاء أو شرك، ولكن، يبقى الأفضل والأكمل والأعظم أجرًا هو الالتزام بالأدعية الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة.
كيف أحمي نفسي من خداع ونوايا الناس السيئة؟
الحماية تكون أولاً بالاستعانة بالله تعالى واللجوء إليه، والمحافظة على الأذكار الشرعية كأذكار الصباح والمساء، وسؤال الله دائمًا أن يكفيك شر الأشرار، ثانيًا، بأن يكون المسلم فطنًا حذرًا، لا يعطي ثقته بسهولة ويأخذ بالأسباب ويتحقق من الأمور قبل اتخاذ قراراته.

