يُعد الشعور بالخوف والقلق من المشاعر الإنسانية الطبيعية التي قد تعتري الإنسان حين يخشى أذى الآخرين أو يتوجس من المجهول، وقد أرشدنا الإسلام إلى أعظم سلاح لمواجهة هذه المشاعر، وهو اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى، خالق الأمن والأمان، والتوكل عليه، ودعاؤه بأدعية ثابتة في كتابه الكريم وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهي خير ما يمنح القلب سكينة ويبدل الخوف طمأنينة.
أدعية قرآنية ونبوية صحيحة عند الخوف والقلق
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، ففيها الكفاية والبركة، ومن أعظم ما يُدعى به لتفريج الكروب وإزالة المخاوف:
1، دعاء نبي الله موسى عليه السلام لطلب العون
عندما أمره الله تعالى بمواجهة فرعون، دعا نبي الله موسى -عليه السلام- بهذا الدعاء الذي يجمع بين طلب انشراح الصدر وتيسير الأمر، وهو مناسب لكل من يواجه موقفًا صعبًا أو يخشى من شخص أو مهمة.
“قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28)”
المصدر: سورة طه، الآيات 25-28.
2، دعاء نبي الله يونس عليه السلام في الكرب
وهو الدعاء الذي نادى به نبي الله يونس -عليه السلام- وهو في بطن الحوت، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن ما دعا به مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له.
“لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ”
المصدر: سورة الأنبياء، الآية 87، وقد ورد في فضله حديث حسن في سنن الترمذي.
3، دعاء النبي ﷺ عند الخوف من قوم أو ظالم
كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم إذا خاف من قوم أو سلطان أن يدعو بهذا الدعاء، وفيه تفويض كامل لله تعالى ليكفي عبده شر أعدائه.
“اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ”
المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 3005، (حديث صحيح).
4، دعاء النبي ﷺ للتعوذ من الهم والحزن
هذا الدعاء النبوي الشريف هو حصن للمسلم من كل ما يكدر صفو حياته من هموم الدنيا ومخاوفها، ويعلمه الاستعاذة بالله من كل ضعف وقهر.
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ”
المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 6369، (حديث صحيح).
أمثلة على أدعية عامة منتشرة
يتداول بعض الناس صيغًا للدعاء لم ترد في مصادر التشريع الأصلية، ورغم أن معانيها قد تكون حسنة، إلا أن الأفضل دائمًا هو الالتزام بالمأثور، ومن أمثلة هذه الصيغ المنتشرة:
- اللهم يا لطيف بعبادك أحطنا برعايتك واحفظنا من كل سوء، اللهم أنزل السكينة على قلوبنا وأبدل مخاوفنا أمنًا، اللهم أنت حسبي وكافي فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين.
- حسبي الله في كل ما أقلقني، حسبي الله على من ظلمني، اللهم اصرف عني شرور الحاسدين وأبعد عني كيد الحاقدين.
- اللهم اجعل مُستقبلي أفضل من حاضري واكتب لي التيسير والبركة في أمري كُله، اللهم هوّن عليّ كل عسرٍ أستشعر صعوبته.
تنبيه هام وحكم الدعاء بهذه الصيغ
تنبيه: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، ففيها الخير والبركة والكفاية.
أما عن حكم الدعاء بصيغ عامة، فقد أوضح العلماء أنه يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يفتح عليه من الأدعية التي ليس فيها اعتداء أو إثم، ما دامت معانيها صحيحة ولا تخالف العقيدة الإسلامية، ومع ذلك، يبقى فضل الدعاء بالمأثور عن النبي ﷺ أعظم أجرًا وأرجى للقبول.
طرق إيمانية وعملية للتعامل مع مشاعر الخوف
إلى جانب الدعاء، هناك خطوات إيمانية وعملية تساعد المسلم على التغلب على مخاوفه، منها:
- تحقيق التوكل على الله: أن يوقن العبد بأن كل شيء بيد الله، وأن الخلق لا يملكون له نفعًا ولا ضرًا إلا بما كتبه الله، هذا اليقين يزرع في القلب شجاعة وثباتًا.
- استحضار النعم: التأمل في نعم الله الظاهرة والباطنة يعزز الشعور بالامتنان ويصرف القلب عن التفكير في المخاوف والسلبيات.
- تحليل المخاوف بعقلانية: أن يسأل الإنسان نفسه: هل هذا الخوف حقيقي ومبني على واقع، أم هو مجرد وساوس وأوهام؟ التفريق بينهما يساعد على التعامل مع الموقف بحكمة.
- الصحبة الصالحة: مجالسة أهل الخير والإيمان تذكر بالله وتقوي القلب، والحديث مع شخص تثق به عن مخاوفك قد يساعد في تبديدها.
- التفكير الإيجابي وحسن الظن بالله: استبدال الأفكار السلبية بأخرى إيجابية، وحسن الظن بأن الله سيختار لك الخير دائمًا، هو مفتاح الطمأنينة وراحة البال.
المصادر والمراجع
- سورة طه، الآيات 25-28.
- سورة الأنبياء، الآية 87.
- صحيح مسلم، حديث رقم 3005، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح البخاري، حديث رقم 6369، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة
ما هو أفضل دعاء للخوف الشديد؟
من أفضل الأدعية وأجمعها ما ورد في السنة الصحيحة، مثل دعاء الكرب: “لا إله إلا الله العظيم الحليم…” (صحيح البخاري)، ودعاء نبي الله يونس: “لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين”، الإكثار من هذه الأدعية بيقين وتوكل له أثر عظيم في طمأنة القلب.
هل يجوز أن أدعو بلغتي وبصيغتي الخاصة؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يشاء من خير الدنيا والآخرة بلغته وبأسلوبه الخاص، ما لم يكن في دعائه إثم أو قطيعة رحم أو اعتداء، ولكن، الدعاء بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة أفضل وأعظم أجرًا.
ما هو الوقت الأفضل للدعاء لإزالة الخوف؟
الدعاء مشروع في كل وقت، ولكن هناك أوقات يُرجى فيها إجابة الدعاء أكثر من غيرها، مثل الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، وآخر ساعة من يوم الجمعة، وتحري هذه الأوقات مع حضور القلب يزيد من فرصة الاستجابة بإذن الله.
