عندما يواجه الإنسان الظلم، يشعر بالعجز والألم، ولكن مقابلة الإساءة بمثلها ليس من هدي الإسلام، أمام المظلوم سبيلان شرعيان: إما العفو والصفح ابتغاء الأجر من الله، وهو الأعلى منزلة، أو التوجه إلى الخالق سبحانه بالدعاء ليرد له حقه وينصفه ممن ظلمه، فدعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب.
ومن الأقوال الشائعة التي يلهج بها البعض عند الشعور بالظلم قول: “اللهم اضرب الظالمين بالظالمين وأخرجنا من بينهم سالمين”، ورغم انتشاره، إلا أنه لم يثبت كدعاء مأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم أو الصحابة، والأولى للمسلم أن يلتزم بالأدعية الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة.
وقد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من عاقبة الظلم تحذيراً شديداً، تأكيداً على أن الحقوق لا تضيع عند الله.
- عن سعيد بن زيد رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
“مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الأرْضِ ظُلْمًا، طَوَّقَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ يَومَ القِيَامَةِ مِن سَبْعِ أَرَضِينَ”
(متفق عليه: رواه البخاري ومسلم)، وهذا الحديث الصحيح يؤكد أن كل اعتداء على حقوق الغير، مهما كان يسيراً، له عقوبة عظيمة عند الله، مما يوجب على المسلم تحري العدل في كل شؤونه.
دعاء المظلوم من القرآن الكريم
لجأ أنبياء الله ورسله إليه سبحانه بالدعاء عند الشدة والظلم، وقد قصّ علينا القرآن الكريم أدعيتهم لتكون لنا نبراساً وهداية:
- دعاء نبي الله نوح عليه السلام عندما استضعفه قومه:
“فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ”
[القمر: 10]، وهو دعاء جامع يلجأ به كل مغلوب إلى ربه طالباً النصر والتأييد.
- دعاء نبي الله موسى عليه السلام على فرعون وملئه:
“رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ”
[يونس: 88].
- بشرى الله بالنصر العزيز:
“وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا”
[الفتح: 3]، وفي هذه الآية أمل لكل مظلوم بأن نصر الله آتٍ لا محالة لأهل الحق.
- التوكل على الله خير الناصرين:
“بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ ۖ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ”
[آل عمران: 150]، فمن كان الله وليه وناصره، فلن يغلبه أحد.
كما تضمنت آيات أخرى وعيداً للظالمين وتسلية للمظلومين، منها:
- قوله تعالى في بيان ندم الظالم يوم القيامة:
“وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ ۗ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ ۖ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ ۚ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ”
[يونس: 54].
- وقوله تعالى في تذكير المؤمنين بنصرته لهم بعد استضعافهم:
“وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ”
[الأنفال: 26].
أمثلة على الأدعية العامة للمظلوم
يمكن للمظلوم أن يدعو الله تعالى بما يفتح عليه من صيغ تجمع خيري الدنيا والآخرة، ما لم تتضمن اعتداءً في الدعاء، وهذه بعض الصيغ المقترحة التي يمكن الاستئناس بها:
- “اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي، وَقِلَّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِي عَلَى النَّاسِ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، أَنْتَ رَبُّ الْمُسْتَضْعَفِينَ، وَأَنْتَ رَبِّي، إِلَى مَنْ تَكِلُنِي؟ إِلَى بَعِيدٍ يَتَجَهَّمُنِي؟ أَمْ إِلَى عَدُوٍّ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي؟ إِنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ عَلَيَّ غَضَبٌ فَلَا أُبَالِي، وَلَكِنَّ عَافِيَتَكَ هِيَ أَوْسَعُ لِي”، (وهو جزء من دعاء منسوب للنبي ﷺ في الطائف، وفي سنده ضعف، ولكن معناه صحيح ويمكن الدعاء به).
- “يَا رَبِّ، أَسْأَلُكَ النَّصْرَ الَّذِي وَعَدْتَ، يَا مَنْ قُلْتَ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ “وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ”، اللَّهُمَّ انْصُرْنِي عَلَى مَنْ ظَلَمَنِي وَعَادَانِي، وَخُذْ لِي بِحَقِّي مِنْهُ عَاجِلاً غَيْرَ آجِلٍ.”.
- “حَسْبِيَ اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، اللَّهُمَّ إِنِّي أُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَيْكَ، فَأَنْتَ الْعَالِمُ بِحَالِي وَالْقَادِرُ عَلَى رَدِّ مَظْلَمَتِي، فَأَكْفِنِي شَرَّهُ بِمَا شِئْتَ وَكَيْفَ شِئْتَ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.”.
- “اللَّهُمَّ يَا مُجِيبَ دَعْوَةِ الْمُضْطَرِّينَ، وَيَا كَاشِفَ كَرْبِ الْمَكْرُوبِينَ، اكْشِفْ كُرْبَتِي، وَارْفَعْ ظُلْمَ الظَّالِمِينَ عَنِّي، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيْهِ.”.
تنبيه هام وحكم الأدعية غير المأثورة
تنبيه هام: الصيغ المذكورة أعلاه، وغيرها مما يتداوله الناس، هي أدعية عامة، لم يثبت الكثير منها بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة، وهي أسلم للمسلم في دينه.
الحكم الشرعي للدعاء على الظالم
أوضح العلماء أنه يجوز للمظلوم أن يدعو على من ظلمه بقدر مظلمته، دون تعدٍّ في الدعاء، والدليل على ذلك دعاء الأنبياء في القرآن الكريم، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه:
“وَاتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ”
(متفق عليه).
ومع ذلك، فإن العفو والصفح أعظم أجراً عند الله، لقوله تعالى:
“وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ”
[الشورى: 40]، والأفضل للمسلم أن يدعو لنفسه بالصلاح والفرج، أو يدعو للظالم بالهداية، فإن لم يفعل ودعا عليه، فلا يجوز له أن يتعدى في الدعاء، كأن يدعو عليه بما هو أعظم من مظلمته، أو أن يشمل أهله الذين لم يظلموه.
صور الظلم وأشكاله في الإسلام
الظلم من كبائر الذنوب وله عواقب وخيمة في الدنيا والآخرة، وله صور متعددة، من أبرزها:
- الظلم الأعظم (الشرك بالله): وهو أعظم أنواع الظلم، قال تعالى على لسان لقمان:
“يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ”
[لقمان: 13]، فالشرك هو صرف العبادة لغير الله، وهو أعظم ظلم يرتكبه العبد في حق خالقه.
- ظلم الإنسان لغيره: ويشمل كل تعدٍّ على حقوق الناس، سواء في النفس أو المال أو العرض، ومن صوره أكل أموال الناس بالباطل، أو الاعتداء الجسدي، أو الغيبة والنميمة والبهتان، أو استغلال السلطة لاضطهاد الضعفاء.
- ظلم الإنسان لنفسه: ويكون بارتكاب المعاصي والذنوب والتقصير في طاعة الله، فكل معصية يرتكبها العبد هي ظلم لنفسه لأنه يعرضها لسخط الله وعقابه.
المصادر والمراجع
- سورة القمر، الآية 10.
- سورة يونس، الآية 88.
- سورة الفتح، الآية 3.
- سورة آل عمران، الآية 150.
- سورة يونس، الآية 54.
- سورة الأنفال، الآية 26.
- سورة الشورى، الآية 40.
- سورة لقمان، الآية 13.
- حديث “من اقتطع شبراً من الأرض ظلماً…”، (صحيح البخاري، حديث رقم 2453؛ صحيح مسلم، حديث رقم 1610)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “واتق دعوة المظلوم…”، (صحيح البخاري، حديث رقم 1496؛ صحيح مسلم، حديث رقم 19)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة
ما هو أفضل دعاء للمظلوم؟
أفضل الأدعية هي ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، مثل دعاء نبي الله نوح: “أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ”، أو الاكتفاء بقول “حسبي الله ونعم الوكيل”، فهو دعاء عظيم يتضمن تفويض الأمر كله لله.
هل يجوز الدعاء على الظالم بالموت أو المرض؟
يعتبر الدعاء على الظالم بأكثر مما يستحق من الظلم تعدياً في الدعاء، وهو أمر منهي عنه، الأولى أن يدعو المظلوم بأن يأخذ الله له حقه، أو أن يكفيه شر الظالم، دون تحديد نوع العقوبة كالموت أو المرض، فالله أعلم بما يستحقه الظالم.
ما حكم قول “اللهم اضرب الظالمين بالظالمين”؟
هذا القول مشهور بين الناس ولكنه ليس حديثاً نبوياً، ولا دعاءً مأثوراً عن السلف، ومع أن معناه قد يكون صحيحاً في ظاهره، إلا أن الأفضل للمسلم هو الالتزام بالأدعية الثابتة في الكتاب والسنة، فهي أسلم وأعظم بركة.


