الشعور بالظلم من أشد الابتلاءات التي قد تمر بالإنسان، فهو يورث في النفس شعوراً بالقهر والضعف، وقد أكّد الإسلام على مكانة المظلوم وحقه، وجعل دعاءه سلاحاً لا يُردّ، فالله سبحانه وتعالى هو العدل المطلق، القادر على رفع الظلم ورد الحقوق لأصحابها، وقد وعد عباده المظلومين بالنصرة ولو بعد حين.
إن اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء هو أعظم ما يفعله المظلوم، فهو إظهار للفقر إلى الله، واليقين بأنه سبحانه هو الناصر والمعين، وقد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من دعوة المظلوم أشد التحذير، مما يدل على عظم شأنها عند الله.
أدعية مأثورة من القرآن والسنة للمظلوم والمكروب
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهي الأدعية الجامعة المباركة التي فيها الخير والكفاية، ومن هذه الأدعية:
1، أدعية من القرآن الكريم
- دعاء نبي الله موسى عليه السلام على فرعون وملئه، وهو دعاء عظيم على المتجبرين:
“وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ ۖ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ” [يونس: 88].
.
- دعاء الاستفتاح على القوم الظالمين:
“رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ” [الأعراف: 89].
.
- دعاء عام لطلب النصرة على المفسدين:
“قَالَ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ” [العنكبوت: 30].
.
2، أدعية من السنة النبوية الصحيحة
- دعاء الكرب، وهو من أعظم الأدعية لتفريج الهموم:
“لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ” (متفق عليه).
.
- دعاء النبي صلى الله عليه وسلم للنجاة من القوم الظالمين:
“اللَّهُمَّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ”، (ورد في سياقات متعددة وهو دعاء قرآني نبوي).
.
- دعاء الهم والحزن، وفيه تفويض الأمر لله:
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ” (صحيح البخاري).
.
صيغ شائعة ومنتشرة في الدعاء على الظالم
يتداول الناس بعض الصيغ للدعاء على من ظلمهم، وهي تعبر عن شكواهم وحاجتهم إلى نصرة الله، ومن أمثلة هذه الأدعية العامة:
- “اللَّهُمَّ يَا جَبَّارَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَلَيْكَ بِمَنْ ظَلَمَنِي وَتَعَدَّى عَلَيَّ، اللَّهُمَّ أَرِنِي فِيهِ عَجَائِبَ قُدْرَتِكَ، وَخُذْهُ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ”.
- “يَا رَبِّ، أَنْتَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَوَّضْتُ إِلَيْكَ أَمْرِي وَشَكْوَايَ، فَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ ظَلَمَنِي وَرُدَّ لِي حَقِّي”.
- “اللَّهُمَّ زَلْزِلِ الْأَرْضَ تَحْتَ أَقْدَامِ الظَّالِمِينَ، وَاجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي نُحُورِهِمْ، وَاشْغَلْهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ عَنَّا”.
- “رَبِّ إِنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ، وَاجْبُرْ قَلْبِي الْمُنْكَسِرَ، وَاكْفِنِي شَرَّ مَنْ قَدَرَ عَلَيَّ وَلَمْ أَقْدِرْ عَلَيْهِ”.
تنبيه هام وإخلاء مسؤولية: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بنصها عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة، ويجوز للمسلم أن يدعو بما يفتح الله عليه من صيغ لا تحتوي على اعتداء أو إثم، مع التيقن بأن الأدعية المأثورة هي الأفضل والأعظم أجراً.
ما حكم الدعاء على الظالم في الإسلام؟
يجوز للمظلوم أن يدعو على من ظلمه بقدر مظلمته دون اعتداء في الدعاء، ودليل ذلك قول الله تعالى:
“لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا” [النساء: 148].
ومع ذلك، فإن الصبر والعفو والصفح هو الأفضل والأعظم أجراً عند الله، لمن قدر عليه، قال تعالى:
“وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ” [الشورى: 40].
فالأكمل هو تفويض الأمر كله لله، مع سؤال الله الهداية للظالم أو الاكتفاء بقول “حسبي الله ونعم الوكيل”.
أوقات وأحوال يُستجاب فيها الدعاء
لتحقيق أثر أكبر للدعاء، يُستحب للمسلم تحري أوقات الإجابة التي وردت في السنة النبوية، ومنها:
- الثلث الأخير من الليل: حيث ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا.
- بين الأذان والإقامة: فالدعاء في هذا الوقت لا يُرد.
- في السجود: حيث يكون العبد أقرب ما يكون من ربه.
- يوم الجمعة: فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئًا إلا أعطاه إياه.
- عند نزول المطر: فهو وقت رحمة تُفتح فيه أبواب السماء.
إن اليقين بالله وحسن الظن به، مع الإلحاح في الدعاء، من أعظم أسباب استجابة الدعاء ورفع الظلم، وعلى المظلوم أن يتذكر دائمًا أن الله معه، وأن حقه لن يضيع، وأن العاقبة للمتقين.
المصادر والمراجع
- سورة يونس، الآية 88.
- سورة الأعراف، الآية 89.
- سورة العنكبوت، الآية 30.
- سورة النساء، الآية 148.
- سورة الشورى، الآية 40.
- حديث دعاء الكرب (متفق عليه)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث دعاء الهم والحزن، صحيح البخاري، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة حول دعاء المظلوم
ما هو أفضل دعاء للمظلوم؟
أفضل الأدعية هي المأثورة من القرآن والسنة، مثل دعاء الكرب “لا إله إلا الله العظيم الحليم…”، وقول “حسبي الله ونعم الوكيل”، و “رب إني مغلوب فانتصر”.
هل يجوز الدعاء على الظالم بالهلاك أو المرض؟
يجوز الدعاء على الظالم بقدر ظلمه دون اعتداء، ولكن العفو والصفح أو الدعاء له بالهداية أعظم أجراً وأعلى منزلة عند الله، الاعتداء في الدعاء هو طلب أكثر مما يستحقه الظالم من عقوبة على ظلمه.
ماذا أفعل إذا شعرت بالظلم الشديد؟
عليك بالصبر واللجوء إلى الله تعالى بالدعاء في أوقات الإجابة، مع اليقين التام بأن الله سينصرك، وفوض أمرك كله لله، واجعل قول “حسبي الله ونعم الوكيل” لسان حالك، فهي كلمة عظيمة تكفي المهموم والمظلوم.

