الدعاء من أعظم العبادات التي يتقرب بها المسلم إلى ربه، وهو سلاح المؤمن وملجؤه في كل أحواله، ومن المهم أن نوضح أن الإسلام قد نهى عن التشاؤم والتطير، وهو الاعتقاد بأن بعض المخلوقات أو الأحداث تجلب الشر، مثل رؤية الغراب، فكل الأمور بيد الله وحده، والنافع والضار هو الله سبحانه.
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“الطِّيَرَةُ شِرْكٌ، الطِّيَرَةُ شِرْكٌ، ثلاثًا”
(رواه أبو داود، وصححه الألباني)، فإذا شعر المسلم بشيء من الخوف أو القلق عند رؤية ما يكره، فالسنة قد أرشدته إلى ما يطمئن قلبه ويحصنه، وليس بالدعاء المخصص للغراب، بل بالأدعية العامة للتحصين والتوكل على الله.
أدعية صحيحة للتحصين عند الشعور بالخوف أو رؤية ما تكره
عندما يرى المسلم ما يكره أو يشعر بالضيق، يُستحب له اللجوء إلى الله تعالى بالأدعية الثابتة في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، والتي فيها الحفظ والكفاية والبركة، إليك أهم هذه الأدعية:
1، دعاء الحماية من كل شر
هذا الدعاء من أجمع الأدعية التي علمنا إياها النبي صلى الله عليه وسلم للحماية من شر كل مخلوق، ويُقال في الصباح والمساء وعند نزول أي مكان.
أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ.
المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 2709، درجة الحديث: صحيح.
2، دعاء كفارة الطيرة والتشاؤم
إذا وقع في قلب المسلم شيء من التشاؤم، فقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الدعاء الذي يزيل أثر ذلك من القلب.
اللَّهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُكَ، وَلَا طَيْرَ إِلَّا طَيْرُكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ.
المصدر: مسند أحمد، وصححه الألباني، درجة الحديث: صحيح.
3، آية الكرسي للحفظ والسكينة
قراءة آية الكرسي من أعظم أسباب الحفظ من الشيطان ومن كل سوء، وهي حصن للمسلم في ليله ونهاره.
اللَّـهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ.
المصدر: سورة البقرة، الآية 255.
4، دعاء “بِسْمِ اللهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ…”
من قاله ثلاث مرات صباحًا ومساءً لم يضره شيء بإذن الله، وهو من أقوى أذكار التحصين اليومي.
بِسْمِ اللهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.
المصدر: سنن الترمذي، حديث رقم 3388، درجة الحديث: حسن صحيح.
صيغ شائعة لا أصل لها في السنة
تنتشر بين الناس بعض الأدعية التي تُنسب لمواقف معينة كرؤية الغراب، ولكنها لم ترد في مصادر التشريع الموثوقة، يمكن للمسلم أن يدعو بأدعية عامة من عنده ما لم تخالف الشرع، ولكن لا يجوز نسبتها للسنة أو اعتقاد فضل خاص بها، ومن أمثلة ذلك:
- “اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ هَذَا الْغُرَابِ، وَمِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ…”.
- “اللَّهُمَ اجْعَلْ مَا رَأَيْتُهُ خَيْرَاً لِي وَلاَ تَجْعَلْهُ شَرَاً…”.
- “يا لطيفُ قد حِرتُ في أمري فتدبرني بخفي لطفك…”.
- “اللهم أسألك باسمك الحسيب الكافي أن تكفني كل أموري…”.
تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة توقيفية، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة.
الحكم الشرعي في التشاؤم بالغراب (التطير)
التشاؤم أو التطير بالطيور، ومنها الغراب، هو من عادات الجاهلية التي أبطلها الإسلام وحرمها، ويعتبر التطير نوعًا من الشرك الأصغر لأنه ينافي كمال التوحيد والتوكل على الله، حيث يعتقد المتطير أن لمخلوق تأثيرًا في جلب النفع أو دفع الضر، وهذا من خصائص الله وحده.
الدليل على تحريمه قول النبي صلى الله عليه وسلم:
“لا عَدْوَى ولا طِيَرَةَ، ولا هامَةَ ولا صَفَرَ.”
(صحيح البخاري، حديث رقم 5757)، فالمسلم الحق هو من يتوكل على الله في كل أموره، ولا يجعل لمخلوق أي تأثير على قراراته أو حالته النفسية.
قواعد وآداب الدعاء المستجاب
للدعاء آداب يُستحب للمسلم مراعاتها لتكون أدعيته أقرب للقبول بإذن الله، من أهم هذه الآداب:
- الإخلاص لله تعالى: أن يكون الدعاء خالصًا لوجه الله، لا رياء فيه ولا سمعة.
- البدء بحمد الله والثناء عليه: افتتاح الدعاء بتمجيد الله بأسمائه الحسنى وصفاته العليا.
- الصلاة على النبي ﷺ: الصلاة على النبي في أول الدعاء وأوسطه وآخره من أسباب الإجابة.
- اليقين بالإجابة: أن يدعو المسلم وهو موقن بأن الله سيستجيب له، كما قال ﷺ: “ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ”.
- حضور القلب والخشوع: استحضار عظمة الله والتذلل بين يديه أثناء الدعاء.
- الإلحاح في الدعاء: تكرار الدعاء وعدم الاستعجال في طلب الإجابة، فالله يحب العبد اللحوح.
- تحري أوقات الإجابة: مثل الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، ويوم الجمعة.
- رفع اليدين واستقبال القبلة: وهي من الآداب المستحبة التي تدل على الافتقار إلى الله.
- أكل الحلال: فإن أكل الحرام من موانع إجابة الدعاء.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 255 (آية الكرسي).
- صحيح البخاري، حديث رقم 5757، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 2709، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، حديث رقم 3388، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- مسند الإمام أحمد، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة (FAQs)
هل يوجد دعاء مخصص لرؤية الغراب في السنة؟
لا، لم يثبت في السنة النبوية الصحيحة أي دعاء مخصص لرؤية الغراب، والاعتقاد بأن رؤيته تستدعي دعاءً معينًا هو من باب التشاؤم المنهي عنه شرعًا.
ماذا أفعل إذا شعرت بالخوف أو التشاؤم عند رؤية شيء؟
عليك أن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وتتوكل على الله، وتقول الدعاء المأثور لكفارة الطيرة: “اللَّهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُكَ، وَلَا طَيْرَ إِلَّا طَيْرُكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ”، ثم تمضي في حاجتك ولا تلتفت لهذا الشعور.
ما هو البديل الصحيح للأدعية المنتشرة وغير الثابتة؟
البديل الصحيح هو الالتزام بالأدعية والأذكار الثابتة في القرآن والسنة، مثل آية الكرسي، والمعوذتين، وأدعية التحصين العامة مثل “أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق”، فهي كافية وشاملة للحفظ من كل سوء بإذن الله.

