يحتل العلم في الإسلام منزلة رفيعة، فهو ليس مجرد وسيلة لتحقيق النجاح الدنيوي، بل هو عبادة يتقرب بها العبد إلى ربه، ونور يهتدي به في دروب الحياة، وقد حثّ القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة على السعي في طلبه، وجعل الله لطالبه أجرًا عظيمًا، والاستعانة بالله تعالى عبر الدعاء هي من أعظم أسباب التوفيق والفتح في هذا الطريق المبارك.

أدعية ثابتة لطلب العلم من القرآن والسنة

الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهي أدعية جامعة ومباركة، ومن أصح ما ورد في طلب العلم:

1، دعاء من القرآن الكريم

هو دعاء موجز وعظيم، أمر الله به نبيه صلى الله عليه وسلم، وفيه طلب الزيادة من أنفع شيء وهو العلم.

“وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا”

المصدر: سورة طه، الآية 114.

2، أدعية من السنة النبوية الشريفة

كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل الله العلم النافع ويتعوذ به من العلم الذي لا ينفع، ومن أبرز أدعيته:

• دعاء جامع لخيري الدنيا والآخرة:
  

  “اللَّهُمَّ انْفَعْنِي بِمَا عَلَّمْتَنِي، وَعَلِّمْنِي مَا يَنْفَعُنِي، وَزِدْنِي عِلْمًا”

  المصدر: سنن الترمذي، وهو حديث حسن.

• دعاء يُقال بعد صلاة الفجر (من أذكار الصباح):
  

  “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا، وَرِزْقًا طَيِّبًا، وَعَمَلًا مُتَقَبَّلًا”

  المصدر: سنن ابن ماجه، وهو حديث صحيح.

أمثلة على صيغ دعاء عامة لطلب العلم

إلى جانب الأدعية المأثورة، يتداول الناس بعض الصيغ العامة التي تحمل معاني طيبة في طلب العلم والتوفيق، يمكن الدعاء بها ما لم تتضمن محظورًا شرعيًا، مع العلم أن الأفضل دائمًا هو الالتزام بما ثبت في القرآن والسنة، ومن هذه الصيغ:

• اللَّهُمَّ افْتَحْ عَلَيْنَا فُتُوحَ الْعَارِفِينَ بِحِكْمَتِكَ، وَانْشُرْ عَلَيْنَا رَحْمَتَكَ، وَذَكِّرْنَا مَا نَسِينَا يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ.
• اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فَهْمَ النَّبِيِّينَ، وَحِفْظَ الْمُرْسَلِينَ، وَإِلْهَامَ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ، اللَّهُمَّ أَغْنِنِي بِالْعِلْمِ، وَزَيِّنِّي بِالْحِلْمِ، وَأَكْرِمْنِي بِالتَّقْوَى، وَجَمِّلْنِي بِالْعَافِيَةِ.
• يَا رَبِّ، أَسْأَلُكَ عِلْمًا يُقَرِّبُنَا مِنْكَ، وَيَجْعَلُ قُلُوبَنَا خَاشِعَةً بِذِكْرِكَ، اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا نُورَ الْبَصِيرَةِ، وَثَبِّتْنَا عَلَى طَرِيقِ الْحَقِّ، وَاجْعَلْ عَمَلَنَا خَالِصًا لِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ.

تنبيه هام وحكم هذه الأدعية

تنبيه هام: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس والعلماء، ولم تثبت بسند صحيح متصل عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه بهذه الكيفية، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة.

الحكم الشرعي: يجوز الدعاء بهذه الصيغ وأمثالها لأن معانيها صحيحة ولا تخالف الشريعة، ولكن لا يجوز نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو اعتقاد فضل خاص لها لم يرد به دليل.

دعاء لشخص آخر بزيادة العلم والتوفيق

الدعاء للغير بظهر الغيب من الأعمال الصالحة المستجابة بإذن الله، ومن الجميل أن يدعو المسلم لإخوانه وأحبته من طلاب العلم بالتوفيق والسداد، يمكن استخدام الأدعية الثابتة السابقة أو الدعاء بصيغ عامة مثل:

• اللَّهُمَّ وَفِّقْ (فلانًا) فِي دِرَاسَتِهِ، وَافْتَحْ عَلَيْهِ مِنْ بَرَكَاتِ عِلْمِكَ، وَسَدِّدْ خُطَاهُ، وَاجْعَلْ عِلْمَهُ حُجَّةً لَهُ لَا عَلَيْهِ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
• يَا رَبِّ، أَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ أَحِبَّتِي الْعِلْمَ النَّافِعَ وَالْفَهْمَ الثَّاقِبَ، وَأَنْ تُيَسِّرَ لَهُمْ كُلَّ عَسِيرٍ، وَأَنْ تَحْفَظَهُمْ بِحِفْظِكَ فِي سَفَرِهِمْ وَإِقَامَتِهِمْ لِطَلَبِ الْعِلْمِ.
• اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِصَدِيقِي نَصِيبًا عَظِيمًا مِنْ نُورِ الْعِلْمِ، وَبَارِكْ لَهُ فِي وَقْتِهِ وَجُهْدِهِ، وَأَكْرِمْهُ بِلَذَّةِ تَحْقِيقِ أَحْلَامِهِ، وَافْتَحْ لَهُ أَبْوَابَ الْخَيْرِ وَالتَّوْفِيقِ.

فضل طلب العلم وأثره في الإسلام

طلب العلم من أجلّ القربات وأعظم الطاعات، وقد ورد في فضله نصوص كثيرة تبين مكانته العالية وأثره البالغ في حياة المسلم، ومن ذلك:

1، طريق إلى الجنة

جعل الله تعالى السعي في طلب العلم سببًا مباشرًا لدخول الجنة، لما فيه من تزكية للنفس ومعرفة بالله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

“وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ”

المصدر: صحيح مسلم.

2، ميراث الأنبياء

العلماء هم ورثة الأنبياء، فمن حاز العلم فقد حاز ميراث النبوة، وهو أعظم إرث، قال النبي صلى الله عليه وسلم:

“وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ”

المصدر: سنن أبي داود، وهو حديث صحيح.

3، أثر باقٍ بعد الموت

العلم النافع صدقة جارية لا ينقطع أجرها بموت صاحبها، بل يستمر نفعه وثوابه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

“إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ”

المصدر: صحيح مسلم.

4، استغفار المخلوقات لطالب العلم

إكرامًا من الله لطالب العلم، فإن المخلوقات في السماوات والأرض تستغفر له، قال النبي صلى الله عليه وسلم:

“وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ، كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ…”

وهو جزء من الحديث السابق الذي رواه أبو داود وغيره.

المصادر والمراجع

أسئلة شائعة

ما هو أفضل دعاء لطلب العلم؟

أفضل الأدعية وأجمعها هي ما ورد في القرآن والسنة، مثل قوله تعالى: “رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا”، ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم: “اللَّهُمَّ انْفَعْنِي بِمَا عَلَّمْتَنِي، وَعَلِّمْنِي مَا يَنْفَعُنِي، وَزِدْنِي عِلْمًا”.

هل يجوز الدعاء بصيغ لم ترد في السنة لطلب العلم؟

نعم، يجوز الدعاء بأي صيغة تحمل معنى صحيحًا ولا تخالف الشريعة الإسلامية، كأن يسأل الإنسان ربه الفهم والحفظ والتوفيق، لكن الأكمل والأفضل هو الالتزام بالأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم لأنها أجمع للخير وأعظم في البركة.

ما هي آداب الدعاء لطلب العلم؟

من أهم آداب الدعاء إخلاص النية لله تعالى، واليقين بالإجابة، والبدء بحمد الله والثناء عليه والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والدعاء بتضرع وخشوع، وتحري أوقات الإجابة مثل الثلث الأخير من الليل وبين الأذان والإقامة.

عن احمد نصر

بقلم: أحمد نصر باحث ومحرر محتوى إسلامي متخصص في قسم الأدعية بموقع [أُوني]، يكرس جهوده لجمع وتدقيق الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتقديمها للمسلمين في إطار موثوق وسهل الفهم، يسعى أحمد لتقديم محتوى ديني يعزز الصلة بالله ويستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة.

جميع مقالات احمد نصر