إنَّ سؤال الله -عز وجل- الحفظ والرعاية، وإيداع النفس والأهل والمال في كنفه، هو من أعظم صور التوكل واليقين به سبحانه، وهذا المبدأ، المعروف بـ “الاستيداع”، له أصل في السنة النبوية الشريفة، حيث يُظهر العبد افتقاره إلى الله وتسليم أموره كلها إليه.
وقد وردت صيغة الاستيداع عن النبي صلى الله عليه وسلم في سياقات متعددة، منها عند توديع المسافر، فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ودَّع رجلاً أخذ بيده فلا يدعها حتى يكون الرجل هو الذي يدع يده، ويقول:
“أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ”
(رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح)، وهذا يدل على أن طلب الحفظ من الله هو نهج نبوي أصيل.
صيغ شائعة تُنسب ليوم الميلاد
ينتشر بين الناس تداول بعض الأدعية وربطها بمناسبة يوم الميلاد، وهي في مجملها أدعية عامة تحمل معاني طيبة في طلب الخير والرزق والحماية، ومن أمثلة هذه الصيغ المتداولة:
- “اللَّهُمَّ فِي يَوْمِ مِيلاَدِي، أَسْتَوْدِعُكَ نَفْسِي وَعُمْرِي وَقَلْبِي، فَاجْعَلْهُ عَامًا مَلِيئًا بِالخَيْرِ وَالتَّوْفِيقِ، وَارْزُقْنِي فِيهِ مَا يُقَرِّبُنِي إِلَيْكَ.”.
- “يَا رَبِّ، مَعَ بِدَايَةِ عَامٍ جَدِيدٍ مِنْ عُمْرِي، أَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَهُ عَامَ تَحْقِيقِ الأُمْنِيَاتِ، وَأَنْ تَحْفَظَنِي وَأَهْلِي وَأَحِبَّتِي بِعَيْنِكَ الَّتِي لاَ تَنَامُ.”.
- “اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ رِزْقِي فِي السَّمَاءِ فَأَنْزِلْهُ، وَإِنْ كَانَ فِي الأَرْضِ فَأَخْرِجْهُ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا فَقَرِّبْهُ، وَبَارِكْ لِي فِيهِ فِي عَامِي الجَدِيدِ.”.
- “رَبِّ، أَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذَا العَامِ وَخَيْرَ مَا بَعْدَهُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ مَا بَعْدَهُ، وَاجْعَلْنِي فِيهِ مِنَ الشَّاكِرِينَ لِنِعَمِكَ، الذَّاكِرِينَ لِفَضْلِكَ.”.
تنبيه هام: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه الكرام أنها تُقال خصيصًا في يوم الميلاد، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي كافية ومباركة وشاملة لخيري الدنيا والآخرة.
الحكم الشرعي لتخصيص يوم الميلاد بالدعاء
أوضح أهل العلم أن تخصيص يوم الميلاد بعبادة معينة (كدعاء خاص، أو صيام، أو صلاة) لم يرد به دليل شرعي يُعد من الأمور المحدثة (البدع الإضافية)، فالعبادة مشروعة في أصلها (الدعاء)، ولكن تخصيصها بوقت معين لم يخصصه الشرع هو محل الإشكال.
أما إذا دعا المسلم لنفسه في أي وقت، بما في ذلك يوم ميلاده، دون اعتقاد أن لهذا اليوم خصوصية في استجابة الدعاء، وبصيغ عامة ومشروعة، فهذا لا حرج فيه لأنه يندرج تحت عموم الأمر بالدعاء في كل حين.
البديل الشرعي: أدعية صحيحة للحفظ والبركة في العمر
الأولى بالمسلم أن يلتزم بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة، فهي جامعة للخير، عظيمة النفع، ويمكن الدعاء بها في كل وقت وحين لطلب البركة في العمر والصحة والعمل، ومن هذه الأدعية المباركة:
1، دعاء جامع لخيري الدنيا والآخرة
وهو من أكثر الأدعية التي كان يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلم، كما روى أنس بن مالك رضي الله عنه.
“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”
[البقرة: 201].
2، دعاء لطلب الصلاح في كل شؤون الحياة
من الأدعية النبوية العظيمة التي تجمع صلاح الدين والدنيا والآخرة، وهو دعاء شامل يكفي عن كثير من الأدعية.
“اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ”
(رواه مسلم، حديث صحيح).
3، دعاء التحصين العام
لتحصين النفس من كل شر، يُستحب للمسلم أن يدعو بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
“أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ”
(رواه مسلم، حديث صحيح).
4، سؤال الله العافية
العافية هي من أجلّ النعم، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على سؤالها.
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي”
(من أذكار الصباح والمساء، رواه أبو داود والنسائي، حديث صحيح).
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 201.
- حديث “أستودع الله دينك…”، رواه الترمذي (3443)، وصححه الألباني، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “اللهم أصلح لي ديني…”، رواه مسلم (2720)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “أعوذ بكلمات الله التامات…”، رواه مسلم (2708)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “اللهم إني أسألك العافية…”، رواه أبو داود (5074)، وصححه الألباني، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة (FAQs)
هل يجوز الدعاء في يوم ميلادي؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو لنفسه بالخير في أي وقت، بما في ذلك يوم ميلاده، لكن المنهي عنه هو تخصيص هذا اليوم بعبادة أو دعاء معين لم يرد في الشرع، مع الاعتقاد بفضيلة خاصة لهذا التخصيص.
ما هو أفضل دعاء لطلب البركة في العمر؟
الأدعية النبوية الجامعة هي الأفضل، مثل دعاء “اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري…”، ودعاء “ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة…”، لأنها تشمل صلاح الحال في الدنيا والآخرة.
ما هو البديل الصحيح لأدعية أعياد الميلاد المنتشرة؟
البديل الصحيح هو اللجوء إلى الأدعية الثابتة في القرآن والسنة الصحيحة، ودعاء الله بها في كل الأوقات دون تخصيص، فالمسلم يحاسب نفسه ويتفكر في انقضاء عمره كل يوم، وليس في يوم واحد من السنة فقط.

