عندما يفقد الإنسان شيئًا ذا قيمة، سواء كانت مادية أو معنوية، من الطبيعي أن يشعر بالقلق والحيرة، وفي خضم البحث عن المفقود، يظل اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء هو أعظم وسيلة وأصدقها، فهو حلقة الوصل المباشرة بين العبد وربه في أوقات الشدة، إن مناجاة الله بإخلاص ويقين تمنح القلب الطمأنينة، وتفتح أبواب الأمل، سواء باسترجاع المفقود أو بنيل الصبر والرضا بقضاء الله وقدره، فالله وحده القادر على كل شيء.
الأدعية الصحيحة والمأثورة عند فقدان شيء
الأصل في العبادات، ومنها الدعاء، هو الاتباع لما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، وقد وردت بعض الأدعية والآثار عن السلف الصالح في هذا الباب، والتي يمكن للمسلم أن يدعو بها بيقين وتوكل على الله.
1، دعاء مروي في السنة النبوية
ورد حديث يُستأنس به في هذا الباب، وإن كان في سنده مقال عند أهل العلم، إلا أن معناه صحيح ويعمل به بعض العلماء في فضائل الأعمال، يُروى عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول للضالة:
“اللَّهُمَّ رَبَّ الضَّالَّةِ، هَادِيَ الضَّالَّةِ، تَهْدِي مِنَ الضَّلَالَةِ، رُدَّ عَلَيَّ ضَالَّتِي بِقُدْرَتِكَ وَسُلْطَانِكَ مِنْ عَطَائِكَ وَفَضْلِكَ.”
المصدر والحكم: رواه الطبراني في معاجمه الثلاثة، والبيهقي في “الدعوات الكبير”، قال الهيثمي في “مجمع الزوائد”: “فيه عبد الرحمن بن يعقوب بن أبي عباد المكي، وهو ضعيف”، لذا، يُذكر الحديث للاستئناس به، فالدعاء بمعناه صحيح ولا حرج فيه.
2، دعاء مأثور عن السلف
هذا الدعاء مأثور عن بعض السلف الصالح، وهو دعاء طيب المعنى، يُظهر تعلق العبد بالله تعالى في كل شؤونه:
“اللَّهُمَّ يَا جَامِعَ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ، اجْمَعْ بَيْنِي وَبَيْنَ ضَالَّتِي.”
المصدر: يُنسب هذا الدعاء إلى ابن عمر رضي الله عنهما وغيره من السلف، وهو مستنبط من قوله تعالى في سورة آل عمران، ومعناه صحيح، فالله الذي يجمع الناس يوم القيامة قادر على أن يجمع بين المرء وما فقده.
أمثلة على صيغ دعاء شائعة يمكن الاستعانة بها
يتداول الناس بعض الصيغ التي لم ترد في حديث معين، ولكن معانيها العامة صحيحة ولا تخالف الشرع، يمكن للمسلم أن يدعو بها أو بما يفتح الله عليه من الدعاء، مع اليقين بأن الأصل هو الالتزام بالمأثور ما أمكن، ومن هذه الصيغ:
- “بِسْمِ اللهِ، يَا هَادِيَ الضَّلَالِ، وَرَادَّ الضَّالَّةِ، ارْدُدْ عَلَيَّ ضَالَّتِي بِعِزَّتِكَ وَسُلْطَانِكَ، فَإِنَّهَا مِنْ فَضْلِكَ وَعَطَائِكَ.”.
- “أَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، اللَّهُمَّ يَا جَامِعَ الشَّتَاتِ، وَيَا مُخْرِجَ النَّبَاتِ، وَيَا مُحْيِيَ العِظَامِ الرُّفَاتِ، وَيَا مُجِيبَ الدَّعَوَاتِ، وَيَا قَاضِيَ الحَاجَاتِ، وَيَا مُفَرِّجَ الكُرُبَاتِ، أَسْأَلُكَ أَنْ تَرُدَّ عَلَيَّ ضَالَّتِي.”.
- “اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ رِزْقِي فِي السَّمَاءِ فَأَنْزِلْهُ، وَإِنْ كَانَ فِي الأَرْضِ فَأَخْرِجْهُ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا فَقَرِّبْهُ، وَإِنْ كَانَ عَسِيرًا فَيَسِّرْهُ، وَارْدُدْ إِلَيَّ مَا فَقَدْتُهُ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.”.
تنبيه هام حول الأدعية المنتشرة
تنبيه هام: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح متصل عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه بهذه الكيفية، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية ومباركة، ويجوز للمسلم أن يدعو بما يفتح الله عليه من صيغ لا تخالف الشرع، دون أن يعتقد أن لصيغة معينة فضلًا خاصًا لم يرد به دليل.
حكم تخصيص سور معينة (مثل سورة الضحى) لإيجاد المفقودات
ينتشر بين بعض الناس اعتقاد بأن قراءة “سورة الضحى” بعدد معين تساعد في العثور على الأشياء المفقودة، هذا الاعتقاد لا أصل له في الشرع، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن صحابته الكرام، ولا عن الأئمة المعتبرين، تخصيص سورة معينة أو آية لغرض معين دون دليل شرعي يُعتبر من الأمور المحدثة (البدع) التي حذّر منها الإسلام.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله في الحديث الصحيح:
“مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ رَدٌّ.”
المصدر: متفق عليه (صحيح البخاري وصحيح مسلم).
لذا، يجب على المسلم تحري السنة والابتعاد عن الممارسات التي لا تستند إلى دليل شرعي صحيح.
أهمية الدعاء العام والتوكل على الله
باب الدعاء واسع، وقد أمرنا الله تعالى بدعائه ووعد بالإجابة، فقال سبحانه:
“وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ” [غافر: 60]
فيمكن للمسلم أن يدعو الله في كل أموره، صغيرها وكبيرها، بما في ذلك عند فقدان شيء، يمكنه أن يناجي ربه بكلماته الخاصة، طالبًا العون والتيسير، مثل أن يقول: “يا رب، لقد فقدت كذا وكذا، وأنت أعلم بحاجتي إليه، فيسّر لي العثور عليه، واجبرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منها”.
ومن الأدعية الجامعة التي تنفع في كل كرب وهمّ، دعاء الكرب الذي ثبت في الصحيحين:
“لا إِلَهَ إِلا اللهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لا إِلَهَ إِلا اللهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لا إِلَهَ إِلا اللهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ.”
المصدر: متفق عليه (صحيح البخاري وصحيح مسلم).
المصادر والمراجع
- سورة غافر، الآية 60.
- حديث “اللهم رب الضالة…”، (رواه الطبراني، ويمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “من أحدث في أمرنا…”، (صحيح البخاري، حديث رقم 2697، وصحيح مسلم، حديث رقم 1718).
- حديث دعاء الكرب “لا إله إلا الله العظيم الحليم…”، (صحيح البخاري، حديث رقم 6346، وصحيح مسلم، حديث رقم 2730).
أسئلة شائعة (FAQs)
ما هو أفضل دعاء يقال عند فقدان شيء؟
أفضل الدعاء هو ما ورد في السنة النبوية أو عن السلف الصالح، مثل دعاء: “اللَّهُمَّ يَا جَامِعَ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ، اجْمَعْ بَيْنِي وَبَيْنَ ضَالَّتِي”، أو الدعاء المروي: “اللَّهُمَّ رَبَّ الضَّالَّةِ…”، والأهم من الصيغة هو صدق التوجه إلى الله واليقين بالإجابة.
هل قراءة سورة الضحى لإيجاد الضالة بدعة؟
نعم، تخصيص سورة الضحى أو أي سورة أخرى لهذا الغرض تحديدًا دون وجود دليل شرعي يُعتبر من البدع المحدثة، القرآن كله بركة وشفاء، ولكن لا يجوز تخصيص عبادة بكيفية أو وقت أو عدد لم يأت به الشرع.
هل يجوز أن أدعو الله بكلماتي الخاصة لاسترجاع ما فقدت؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله تعالى بما يفتح عليه من كلام طيب لا يحتوي على إثم أو قطيعة رحم، فالله سبحانه وتعالى يسمع دعاء عبده ويعلم حاجته، سواء دعا بالمأثور أو بغيره، والمهم هو الإخلاص والتوكل.

