إن من أعظم الأوقات التي يتقرب بها العبد إلى ربه وقت السَّحَر في جوف الليل، فهو وقت الصفاء ومناجاة الخالق، حيث يتنزّل المولى عز وجل إلى السماء الدنيا، فيغفر للمستغفرين ويجيب السائلين، إن قيام الليل والدعاء فيه من صفات عباد الرحمن، وسببٌ لتفريج الكروب وقضاء الحاجات ونيل أرفع الدرجات.
وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على اغتنام هذا الوقت المبارك، فقال:
“يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إلى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يقولُ: مَن يَدْعُونِي، فأسْتَجِيبَ له؟ مَن يَسْأَلُنِي، فَأُعْطِيَهُ؟ مَن يَسْتَغْفِرُنِي، فأغْفِرَ له؟”
(المصدر: صحيح البخاري، حديث صحيح).
أدعية قرآنية ونبوية صحيحة تقال في جوف الليل
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهي الأدعية الجامعة المباركة التي تجمع خيري الدنيا والآخرة، وفيما يلي بعض من هذه الأدعية الموثوقة:
1، من القرآن الكريم
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ من الليل يقرأ الآيات الأخيرة من سورة آل عمران:
“إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”
(المصدر: سورة آل عمران، الآيات 190-191).
2، من السنة النبوية الصحيحة
وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم أدعية عظيمة كان يناجي بها ربه في قيام الليل، منها:
- دعاء الاستفتاح في صلاة الليل:
“اللَّهُمَّ لكَ الحَمْدُ أنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ ومَن فِيهِنَّ، ولَكَ الحَمْدُ لكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ ومَن فِيهِنَّ، ولَكَ الحَمْدُ أنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ ومَن فِيهِنَّ، ولَكَ الحَمْدُ أنْتَ مَلِكُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ، ولَكَ الحَمْدُ أنْتَ الحَقُّ ووَعْدُكَ الحَقُّ، ولِقَاؤُكَ حَقٌّ، وقَوْلُكَ حَقٌّ، والجَنَّةُ حَقٌّ، والنَّارُ حَقٌّ، والنَّبِيُّونَ حَقٌّ، ومُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حَقٌّ، والسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لكَ أسْلَمْتُ، وبِكَ آمَنْتُ، وعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وإلَيْكَ أنَبْتُ، وبِكَ خَاصَمْتُ، وإلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لي ما قَدَّمْتُ وما أخَّرْتُ، وما أسْرَرْتُ وما أعْلَنْتُ، أنْتَ المُقَدِّمُ، وأَنْتَ المُؤَخِّرُ، لا إلَهَ إلَّا أنْتَ”.
(المصدر: صحيح البخاري، حديث صحيح).
- الدعاء الجامع لخيري الدنيا والآخرة:
“اللَّهُمَّ إنِّي أسألُكَ مِنَ الخيرِ كلِّهِ عاجلِهِ وآجلِهِ، ما عَلِمْتُ منهُ وما لم أعلَمْ، وأعوذُ بِكَ منَ الشَّرِّ كلِّهِ عاجلِهِ وآجلِهِ، ما عَلِمْتُ منهُ وما لم أعلَمْ، اللَّهُمَّ إنِّي أسألُكَ من خيرِ ما سألَكَ عبدُكَ ونبيُّكَ، وأعوذُ بِكَ من شرِّ ما عاذَ بِهِ عبدُكَ ونبيُّكَ، اللَّهُمَّ إنِّي أسألُكَ الجنَّةَ وما قرَّبَ إليها من قَولٍ أو عملٍ، وأعوذُ بِكَ منَ النَّارِ وما قرَّبَ إليها من قولٍ أو عملٍ، وأسألُكَ أن تجعلَ كلَّ قَضاءٍ قضيتَهُ لي خيرًا”.
(المصدر: سنن ابن ماجه، حديث صحيح).
- دعاء لطلب النور والبصيرة:
“اللَّهُمَّ اجْعَلْ في قَلْبِي نُورًا، وفي لِسَانِي نُورًا، وفي سَمْعِي نُورًا، وفي بَصَرِي نُورًا، وَمِنْ فَوْقِي نُورًا، وَمِنْ تَحْتي نُورًا، وَعَنْ يَمِينِي نُورًا، وَعَنْ شِمَالِي نُورًا، وَمِنْ بَيْنِ يَدَيَّ نُورًا، وَمِنْ خَلْفِي نُورًا، وَاجْعَلْ في نَفْسِي نُورًا، وَأَعْظِمْ لي نُورًا”.
(المصدر: صحيح مسلم، حديث صحيح).
- دعاء الاستعاذة من الهموم وزوال النعم:
“اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بكَ مِنَ الهَمِّ والحَزَنِ، والعَجْزِ والكَسَلِ، والبُخْلِ والجُبْنِ، وضَلَعِ الدَّيْنِ، وغَلَبَةِ الرِّجالِ”.
(المصدر: صحيح البخاري، حديث صحيح).
“اللَّهُمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ من زَوالِ نعمتِكَ، وتحوُّلِ عافيتِكَ، وفُجاءةِ نقمتِكَ، وجميعِ سُخْطِكَ”.
(المصدر: صحيح مسلم، حديث صحيح).
صيغ وأدعية عامة يمكن الدعاء بها
يجوز للمسلم أن يدعو الله تعالى بما يفتح عليه من الأدعية الطيبة التي لا تحتوي على إثم أو قطيعة رحم، خاصة في أوقات الإجابة، وهذه بعض الصيغ العامة التي يمكن الاستئناس بها في مناجاة الله لقضاء الحوائج وتفريج الهموم:
- “اللَّهُمَّ يَا مُفَرِّجَ الكُرُوبِ، وَيَا مُنَفِّسَ الهُمُومِ، وَيَا كَاشِفَ الغُمُومِ، أَسْأَلُكَ أَنْ تُيَسِّرَ لِي أَمْرِي، وَتَشْرَحَ لِي صَدْرِي، وَتَقْضِيَ حَاجَتِي، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.”.
- “رَبِّ، لَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فَرَجًا عَاجِلًا، وَصَبْرًا جَمِيلًا، وَرِزْقًا وَاسِعًا.”.
- “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي، وَآمِنْ رَوْعَاتِي، وَاحْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي، وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي.” (مأخوذ من أذكار الصباح والمساء، وهو حديث حسن).
- “اللَّهُمَّ طَهِّرْ قَلْبِي مِنَ النِّفَاقِ، وَعَمَلِي مِنَ الرِّيَاءِ، وَلِسَانِي مِنَ الكَذِبِ، وَعَيْنِي مِنَ الخِيَانَةِ، فَإِنَّكَ تَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ.”.
أمثلة على أدعية منتشرة لأغراض محددة (كالرزق والزواج)
يتداول بعض الناس صيغًا محددة للدعاء في جوف الليل لأغراض معينة مثل تيسير الزواج أو جلب الرزق، ومن أمثلتها:
- “اللهم ارزقني زواجًا يحفظني عن الوقوع في المعصية ويسخر لي من يكون لي معينًا في هذه الحياة…”.
- “إلهي يا من تعطي بلا مقابل..، أنعم علينا من فضلك وكرمك..، اللهم ارزقنا رزقًا حلالًا طيبًا مباركًا فيه…”.
تنبيه هام وإخلاء مسؤولية: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه بهذا التخصيص، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة وشاملة لكل خير، ويجوز الدعاء بمعانٍ صحيحة بأي صيغة، ولكن دون اعتقاد أن لهذه الصيغ المحددة فضلًا خاصًا أو أنها سنة متبعة.
ما حكم تخصيص أدعية معينة لجوف الليل؟
وقت جوف الليل، وخاصة الثلث الأخير منه، هو وقت مبارك تُرجى فيه إجابة الدعاء عمومًا، والأفضل للمسلم أن يدعو بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة، فإن دعا بأدعية أخرى من عنده أو مما هو منتشر، فيجب أن تكون معانيها صحيحة ولا تخالف الشرع، وألا يعتقد أن هذه الصيغ لها فضل خاص أو أنها عبادة مشروعة بحد ذاتها، وإنما يدعو بها على أنها دعاء مطلق يرجو به من الله قضاء حاجته في هذا الوقت الفضيل.
أسباب استجابة الدعاء في جوف الليل
لتحري إجابة الدعاء في هذا الوقت المبارك، يُستحب للمسلم أن يجمع بين شرف الزمان وشروط قبول الدعاء، ومن أهمها:
- الإخلاص والخشوع: استحضار عظمة الله وحاجة العبد إليه، مع التذلل والخضوع بين يديه.
- اليقين بالإجابة: الدعاء بقلبٍ حاضر وموقن بأن الله تعالى كريم لا يرد سائلاً دعاه بصدق.
- الإلحاح في الدعاء: تكرار المسألة وعدم الاستعجال، فالله يحب العبد اللحوح في دعائه.
- أكل الحلال: تحري الرزق الحلال في المأكل والمشرب والملبس، فهو من أعظم أسباب قبول الدعاء.
- الاستغفار والتوبة: الإكثار من الاستغفار والتوبة من الذنوب التي قد تكون حاجزًا يمنع وصول الدعاء.
- صلة الرحم وفعل الخيرات: الإحسان إلى الأقارب والناس، والتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة كالصدقة.
المصادر والمراجع
- سورة آل عمران، الآية 190-191.
- صحيح البخاري، حديث رقم 1145، وحديث رقم 1120، وحديث رقم 6317، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 769، وحديث رقم 2739، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن ابن ماجه، حديث رقم 3846، صححه الألباني، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن أبي داود، حديث رقم 1554، وهو حديث حسن، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة (FAQs)
ما هو أفضل وقت للدعاء في جوف الليل؟
أفضل وقت هو الثلث الأخير من الليل، لورود الحديث الصحيح عن نزول الله تعالى إلى السماء الدنيا في هذا الوقت وقوله: “من يدعوني فأستجيب له؟”.
هل يجب أن أدعو بصيغة معينة من الأدعية؟
الأفضل والأكمل هو الدعاء بالأدعية الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة لأنها جامعة للخير ومباركة، ومع ذلك، يجوز للمسلم أن يدعو بما يحتاجه من أمور الدنيا والآخرة بأسلوبه الخاص، بشرط ألا يكون في دعائه إثم أو مخالفة للشرع.
ما حكم الأدعية المنتشرة للزواج والرزق؟
هي أدعية عامة بمعانٍ صحيحة، يجوز الدعاء بها كأي دعاء آخر، ولكن لا يجوز اعتقاد أن لهذه الصيغ المحددة فضلًا خاصًا أو أنها سنة متبعة، فالأصل هو الالتزام بالمأثور، وهو كافٍ وشامل بإذن الله.



الحمدلله وجزاكم الله