تُعدّ الشمس والقمر من أعظم آيات الله الكونية الدالة على وحدانيته وقدرته المطلقة، وفي تعاقبهما نظام دقيق لحياة الخلق، كما قال تعالى في محكم التنزيل:

﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ۚ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾ [إبراهيم: 33-34]

ومن هذه الآيات العظيمة ظاهرتي الكسوف والخسوف، اللتين جعلهما الله تذكرة لعباده وتخويفاً لهم، وفرصة للعودة إليه سبحانه بالصلاة والدعاء والذكر.

الهدي النبوي عند وقوع الكسوف

ثبت في السنة النبوية الصحيحة أن ظاهرتي الكسوف والخسوف ليستا مرتبطتين بموت أحد أو حياته، بل هما آيتان من آيات الله لتذكير العباد، فعن السيدة عَائِشَةَ رضي الله عنها، أنَّهَا قَالَتْ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالنَّاسِ..، ثُمَّ قَالَ:

“إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لاَ يَنْخَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَادْعُوا اللَّهَ، وَكَبِّرُوا، وَصَلُّوا، وَتَصَدَّقُوا” (متفق عليه).

وهذا الحديث الشريف يوضح أن المشروع للمسلم عند رؤية الكسوف هو الفزع إلى طاعة الله بالصلاة، والدعاء، والتكبير، والصدقة، والاستغفار.

الدعاء المشروع عند كسوف الشمس

لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاءٌ محدد بلفظ معين يُقال عند الكسوف، بل جاء الأمر بالدعاء على وجه العموم، مما يفتح الباب للمسلم أن يدعو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، وأن يسأل الله الرحمة والمغفرة والعافية، والأفضل هو الدعاء بالأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة.

أمثلة على أدعية جامعة يمكن الدعاء بها

هذه مجموعة من الأدعية العامة والمأثورة التي يمكن للمسلم أن يتضرع بها إلى الله في هذا الوقت، طالبًا منه العفو والمغفرة والرحمة:

• “اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِنَا وَدُنْيَانَا وَأَهْلِنَا وَمَالِنَا، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا وَآمِنْ رَوْعَاتِنَا، وَاحْفَظْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِينَا وَمِنْ خَلْفِنَا وَعَنْ أَيْمَانِنَا وَعَنْ شَمَائِلِنَا وَمِنْ فَوْقِنَا، وَنَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ نُغْتَالَ مِنْ تَحْتِنَا”. (حديث صحيح، رواه أبو داود والنسائي).
• “رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”. [البقرة: 201].
• “اللَّهُمَّ اهْدِنَا فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنَا فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنَا فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لَنَا فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنَا شَرَّ مَا قَضَيْتَ، إِنَّكَ تَقْضِي وَلاَ يُقْضَى عَلَيْكَ، وَإِنَّهُ لاَ يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ”. (من دعاء القنوت، حديث صحيح رواه أصحاب السنن).
• “اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ وَنَتُوبُ إِلَيْكَ، تَوْبَةَ عَبْدٍ ظَالِمٍ لِنَفْسِهِ لاَ يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا، وَلاَ مَوْتًا وَلاَ حَيَاةً وَلاَ نُشُورًا”. (من الأدعية المأثورة عن السلف).
• “اللَّهُمَّ ارْحَمْنَا فَإِنَّكَ بِنَا رَاحِمٌ، وَلاَ تُعَذِّبْنَا فَإِنَّكَ عَلَيْنَا قَادِرٌ، وَالْطُفْ بِنَا يَا مَوْلاَنَا فِيمَا جَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ”. (دعاء عام يجمع معاني التذلل والافتقار إلى الله).

تنبيه هام: الأصل في الدعاء هو الإخلاص وحضور القلب، والالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة هو خير وأبقى، والأدعية المذكورة أعلاه هي أمثلة جامعة، وليست مخصصة للكسوف بعينها، بل يُشرع الدعاء بها في كل وقت وحين.

كيفية أداء صلاة الكسوف وفق السنة النبوية

صلاة الكسوف سنة مؤكدة، وصفتها الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم كما ورد في حديث السيدة عائشة رضي الله عنها أنها ركعتان، في كل ركعة قيامان وقراءتان وركوعان وسجودان، وتؤدى على النحو التالي:

1. الركعة الأولى: يكبر الإمام تكبيرة الإحرام، ويقرأ الفاتحة وسورة طويلة جهرًا، ثم يركع ركوعًا طويلاً، ثم يرفع من الركوع قائلاً: “سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد”، ثم يقرأ الفاتحة مرة أخرى وسورة طويلة أخرى تكون أقصر من الأولى، ثم يركع ركوعًا طويلاً آخر وهو أقصر من الركوع الأول، ثم يرفع من الركوع، ثم يسجد سجدتين طويلتين.
2. الركعة الثانية: يقوم للركعة الثانية ويفعل كما فعل في الركعة الأولى، فيقرأ الفاتحة وسورة طويلة، ثم يركع ركوعًا طويلاً، ثم يرفع، ثم يقرأ الفاتحة وسورة أخرى، ثم يركع ركوعًا آخر، ثم يرفع، ثم يسجد سجدتين، ثم يتشهد ويسلم.

الخطبة بعد الصلاة: يُسن للإمام بعد الانتهاء من الصلاة أن يخطب في الناس خطبة يذكرهم فيها بالله، ويخوفهم من عقابه، ويحثهم على التوبة والاستغفار والأعمال الصالحة.

النص الكامل لحديث صفة الصلاة

عن عائشة رضي الله عنها، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت:

“خَسَفَتِ الشَّمْسُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَخَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَصَفَّ النَّاسُ وَرَاءَهُ، فَكَبَّرَ، فَاقْتَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قِرَاءَةً طَوِيلَةً، ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً، ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقَامَ وَلَمْ يَسْجُدْ، وَقَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً، هِيَ أَدْنَى مِنَ الْقِرَاءَةِ الأُولَى، ثُمَّ كَبَّرَ وَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً، وَهُوَ أَدْنَى مِنَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ قَالَ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، فَاسْتَكْمَلَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ، وَانْجَلَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ، ثُمَّ قَامَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: هُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلاَةِ”، (صحيح البخاري).

هل الدعاء مستجاب وقت الكسوف؟

لم يرد نص شرعي صريح يفيد بأن الدعاء وقت الكسوف مستجاب على وجه الخصوص، ولكن، الأمر النبوي بالدعاء في هذا الوقت يدل على أنه من الأوقات التي يُرجى فيها القبول والإجابة، فالكسوف آية من آيات الله تثير في قلب المؤمن الخوف والوجل والرجوع إلى الله، وهذا الانكسار والتضرع من أعظم أسباب استجابة الدعاء، فالمسلم يستغل هذا الحدث الكوني لتقوية صلته بربه، والإكثار من الدعاء والذكر والاستغفار، طمعًا في رحمة الله ومغفرته.

المصادر والمراجع

أسئلة شائعة

ما هو الحكم الشرعي لصلاة الكسوف؟

صلاة الكسوف سنة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم، يُشرع أداؤها جماعة في المسجد، ويجوز أن تُصلى فرادى.

هل هناك دعاء محدد يجب قوله عند الكسوف؟

لا، لم يثبت دعاء معين بلفظه للكسوف، المشروع هو الإكثار من الدعاء بشكل عام، والاستغفار، والذكر، مع استحباب استخدام الأدعية الجامعة من القرآن والسنة.

ماذا يفعل من فاتته صلاة الكسوف؟

صلاة الكسوف مرتبطة بوجود الظاهرة نفسها، فإذا انجلى الكسوف (انتهى)، فقد فات وقت الصلاة ولا تُقضى.

عن احمد نصر

بقلم: أحمد نصر باحث ومحرر محتوى إسلامي متخصص في قسم الأدعية بموقع [أُوني]، يكرس جهوده لجمع وتدقيق الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتقديمها للمسلمين في إطار موثوق وسهل الفهم، يسعى أحمد لتقديم محتوى ديني يعزز الصلة بالله ويستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة.

جميع مقالات احمد نصر