يُعد دعاء كفارة المجلس من السنن النبوية المباركة التي يحرص عليها المسلم لتكفير ما قد يصدر منه من لغو أو حديث غير نافع أثناء مجالسته للآخرين، وتوضيح وقته وصيغته الصحيحة أمر ضروري لضمان اتباع هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- على الوجه الأكمل.
نص دعاء كفارة المجلس الثابت في السنة النبوية
الدعاء الصحيح الوارد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لكفارة المجلس هو ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ فَكَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ، فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ، إِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ.”
المصدر: سنن الترمذي، حديث رقم 3433، وقال عنه: “حديث حسن صحيح”.
شرح موجز لمعاني الدعاء:
- سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ: تنزيه الله تعالى عن كل نقص، مع اقتران هذا التنزيه بالثناء عليه وحمده.
- أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ: إقرار وتجديد للتوحيد، وهو أساس العبادة.
- أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ: طلب المغفرة من الله والرجوع إليه، وهو ختام مناسب يجمع بين طلب العفو والندم على التقصير.
متى يُقال دعاء كفارة المجلس وما حكمه؟
يُستحب قول دعاء كفارة المجلس عند انتهاء المجلس وقبل أن يقوم الشخص من مكانه، كما هو منصوص عليه بوضوح في الحديث الشريف “فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ”.
أما حكمه، فهو سنة مستحبة، يُثاب فاعلها ولا يأثم تاركها، ولكن المداومة عليها فيها أجر عظيم واقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وحفظ للمسلم من تبعات اللغو والزلل في الكلام.
فضل دعاء كفارة المجلس وأهميته
تكمن أهمية هذا الدعاء المبارك في فضله العظيم الذي بينته السنة النبوية، ومن أبرز فضائله:
- مغفرة الذنوب: يُرجى لمن قاله بصدق أن يُغفر له ما وقع في مجلسه من اللغط واللغو والكلام الذي لا فائدة فيه.
- إتمام المجلس على خير: يختم المجلس بذكر الله وتوحيده واستغفاره، مما يجعله مجلسًا مباركًا محفوفًا برحمة الله.
- اتباع السنة النبوية: المداومة عليه هي تطبيق عملي لهدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي ذلك الأجر والبركة.
- تهذيب النفس: يذكر المسلم بضرورة مراقبة لسانه، ويجعله أكثر حرصًا على تجنب الكلام الباطل، لعلمه أن هناك ختامًا مباركًا يمحو أثر الزلات غير المقصودة.
صيغ منتشرة لا أصل لها كدعاء مخصص لكفارة المجلس
يتداول بعض الناس صيغًا وأدعية أخرى على أنها من كفارة المجلس، وهي أدعية عامة في مجملها خير، ولكن تخصيصها بهذا الموضع لم يثبت بدليل صحيح، من أمثلة ذلك:
- اللهم اغفر لي وتُب عليَّ إنك إذا أردت شيئًا تقول له كن فيكون.
- اللهم استر عيوبنا وتفضل علينا بعفوك واغفر لنا برحمتك، سبحانك اللهم وإليك النشور.
- اللهم ارزقنا من خشيتك ما يكون حاجزًا بيننا وبين معاصيك..، (وهو جزء من دعاء آخر له موضعه الخاص).
تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه كدعاء مخصص لكفارة المجلس، الدعاء عبادة توقيفية، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة.
آداب المجالس في الإسلام
لضمان أن تكون مجالسنا مجالس خير وبركة، حث الإسلام على مجموعة من الآداب الرفيعة، منها:
- البدء بذكر الله: يُستحب افتتاح المجلس بحمد الله والثناء عليه والصلاة على نبيه.
- إفساح المجال للقادمين: من كرم الخلق التوسعة في المجلس للقادمين، امتثالاً لقوله تعالى:.
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ” [المجادلة: 11]
- حفظ أسرار المجلس: ما يدور في المجلس من حديث خاص هو أمانة، وإفشاؤه خيانة لهذه الأمانة.
- تجنب إقامة شخص من مكانه: لا يجوز للمرء أن يقيم شخصًا من مجلسه ليجلس هو فيه، بل يجلس حيث ينتهي به المجلس.
- الابتعاد عن الغيبة والنميمة: الحرص على أن يكون المجلس خاليًا من آفات اللسان كالغيبة والنميمة والكذب.
- الختام بكفارة المجلس: تطبيق السنة بختم المجلس بالدعاء الوارد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
المصادر والمراجع
- سورة المجادلة، الآية 11.
- سنن الترمذي، حديث رقم 3433، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة
ما هو النص الصحيح لدعاء كفارة المجلس؟
النص الصحيح هو: “سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ”، وهو ثابت في حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ما حكم من نسي قول دعاء كفارة المجلس؟
من نسي قوله فقد فاته أجر هذه السنة وفضلها، ولكنه لا يأثم بذلك، ويمكنه أن يستغفر الله بشكل عام عما بدر منه في المجلس.
هل دعاء كفارة المجلس يغفر الكبائر مثل الغيبة والنميمة؟
أوضح أهل العلم أن هذا الدعاء يكفّر صغائر الذنوب واللغو واللغط الذي يحدث في المجالس، أما الكبائر كالغيبة والنميمة، فتحتاج إلى توبة خاصة بشروطها، ومن أهمها الندم، والإقلاع عن الذنب، والعزم على عدم العودة، وإن كان فيها حق للآدمي فيجب استحلاله منه إن أمكن أو الدعاء له والاستغفار له.


