إن ارتداء الملابس وخلعها من الأفعال اليومية التي أرشدنا الإسلام فيها إلى هديٍ نبويٍ كريم، فالسنة النبوية الشريفة لم تترك جانبًا من جوانب حياة المسلم إلا وشملته بالرعاية والتوجيه، ومن ذلك آداب اللباس التي تهدف إلى جلب البركة والحماية للمسلم في كل حين.
ومن أهم هذه الآداب، الأدعية المأثورة التي تحفظ المسلم وتصله بخالقه، وتُعد تطبيقًا عمليًا لاتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم في أبسط تفاصيل الحياة.
الذكر الأساسي عند لبس الثوب أو خلعه
إن من أهم ما يُقال عند ارتداء الملابس أو خلعها هو التسمية، فهي حصن للمسلم وحماية له من أعين الجن.
- ورد عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
“سَتْرُ مَا بَيْنَ أَعْيُنِ الْجِنِّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ، إِذَا دَخَلَ أَحَدُهُمُ الْخَلَاءَ أَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللهِ”
وفي رواية أخرى عند وضع الثوب:
“…وَإِذَا وَضَعَ ثَوْبَهُ أَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللهِ”
(رواه الترمذي وصححه الألباني).
فقول “بِسْمِ اللهِ” هو الذكر المشروع عند خلع الثوب، وهو كذلك أصل يُستحب قوله عند ارتدائه.
أدعية مأثورة عند ارتداء ثوب جديد
ورد في السنة النبوية الشريفة أدعية مخصصة عند ارتداء ثوب جديد، وهي من السنن المستحبة التي تحمل فضلًا عظيمًا، وقد ثبتت عدة صيغ صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، يمكن للمسلم الدعاء بأي منها.
الصيغة الأولى: دعاء شكر الله وسؤاله من خير الثوب
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استجدَّ ثوبًا سمَّاه باسمه – قميصًا أو عمامة – ثم يقول:
“اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ كَسَوْتَنِيهِ، أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِهِ وَخَيْرِ مَا صُنِعَ لَهُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ”
(رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني).
الصيغة الثانية: دعاء شكر الله على نعمته بغير حول ولا قوة
عن معاذ بن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من لبس ثوبًا فقال:
“الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي هَذَا (الثَّوْبَ) وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ”
غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ”.
(رواه أبو داود والترمذي، وحسنه الألباني).
وهذا الحديث الشريف يوضح الفضل العظيم لهذا الدعاء، حيث يترتب عليه مغفرة الذنوب، وهو يجسد اعتراف العبد بفضل الله عليه وأن هذه النعمة من الله وحده.
الصيغة الثالثة: دعاء جامع لستر العورة والتجمل
عندما لبس عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثوبًا جديدًا قال:
“الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي مَا أُوَارِي بِهِ عَوْرَتِي، وَأَتَجَمَّلُ بِهِ فِي حَيَاتِي”
ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من لبس ثوبًا جديدًا فقال ذلك، ثم عمد إلى الثوب الذي أخلق فتصدق به، كان في كنف الله وفي حفظ الله وفي ستر الله حيًا وميتًا”.
(رواه الترمذي وابن ماجه، والحديث في سنده ضعف، ولكن صيغة الدعاء نفسها حسنة ولها شواهد).
الدعاء لمن ارتدى ثوبًا جديدًا
من السنة أيضًا أن يدعو المسلم لأخيه إذا رآه يرتدي ثوبًا جديدًا، وهو من الآداب الاجتماعية التي تقوي الروابط وتُنشر المحبة، ومن الصيغ الواردة في ذلك:
- ما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثوبًا جديدًا، فقال له:
“الْبَسْ جَدِيدًا، وَعِشْ حَمِيدًا، وَمُتْ شَهِيدًا”
(رواه ابن ماجه وأحمد، وصححه الألباني)..
- كما يُستحب قول: “تُبْلِي وَيُخْلِفُ اللهُ تَعَالَى”، ومعناه: دعاء بأن يطيل الله عمره حتى يبلى هذا الثوب، وأن يرزقه الله غيره.
أهمية الالتزام بأدعية اللباس وحكمها الشرعي
الحكم الشرعي: تعد هذه الأدعية من السنن المستحبة وليست واجبة، فمن التزم بها تأسِّيًا بالنبي صلى الله عليه وسلم نال الأجر والثواب، ومن تركها فلا إثم عليه، إلا أن الحرص عليها هو من كمال الاتباع وجلب البركة.
وتكمن أهمية هذه الأدعية في عدة جوانب إيمانية وتربوية:
- شكر النعمة: هي تذكير دائم للمسلم بنعمة الله عليه بالستر والزينة، وتعبير عن امتنانه للخالق عز وجل، قال تعالى:
“وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ”
[إبراهيم: 7].
- الاتصال بالله: تجعل المسلم دائم الصلة بربه في كل أحواله، مما يورث طمأنينة القلب، قال تعالى:
“أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ”
[الرعد: 28].
- اتباع السنة: الالتزام بها هو دليل على محبة النبي صلى الله عليه وسلم والحرص على اتباع هديه في كل صغيرة وكبيرة.
- الحماية والتحصين: قول “بسم الله” يحمي من أعين الجن، كما أن الدعاء عمومًا هو وسيلة لطلب الحفظ من الله من كل شر، سواء كان من العين أو الحسد أو أي ضرر آخر.
تعليم أدعية اللباس للأطفال
من الضروري غرس هذه السنن النبوية في نفوس الأطفال منذ الصغر، ليعتادوا على ذكر الله وشكره على نعمه، ونظرًا لسهولة ألفاظها، يمكن تعليمهم دعاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
“الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي مَا أُوَارِي بِهِ عَوْرَتِي، وَأَتَجَمَّلُ بِهِ فِي حَيَاتِي”
ويمكن شرح معناه لهم ببساطة:
- “الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي”: نعلم الطفل أن يشكر الله الذي أعطاه هذه الملابس.
- “مَا أُوَارِي بِهِ عَوْرَتِي”: نوضح له أن من أهم فوائد الملابس أنها تستر أجسادنا، وهو أمر يحبه الله.
- “وَأَتَجَمَّلُ بِهِ فِي حَيَاتِي”: نلفت انتباهه إلى أن الملابس تجعل مظهره جميلاً وأنيقًا، وهذه نعمة أخرى تستوجب الشكر.
إن ربط هذه الأفعال اليومية بالدعاء يعزز الوعي الديني لدى الطفل ويجعله أكثر ارتباطًا بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
المصادر والمراجع
- سورة إبراهيم، الآية 7.
- سورة الرعد، الآية 28.
- جامع الترمذي، سنن أبي داود، سنن ابن ماجه، مسند أحمد، (يمكن مراجعة الأحاديث المذكورة ودرجة صحتها على مواقع موثوقة مثل موسوعة الدرر السنية).
- كتب شروح الحديث المعتبرة، مثل “صحيح الترغيب والترهيب” للشيخ الألباني.
أسئلة شائعة (FAQs)
ما هو حكم قول أدعية اللباس؟
هي من السنن المستحبة، يُثاب فاعلها ولا يأثم تاركها، والحرص عليها من كمال اتباع السنة وجلب البركة.
هل دعاء الثوب الجديد يُقال فقط للملابس المشتراة حديثًا؟
الأصل أنه يُقال عند ارتداء ثوب جديد لم يُلبس من قبل، ولكن يمكن للمسلم أن يحمد الله ويثني عليه عند ارتداء أي ثوب نظيف، فكلها من نعم الله التي تستوجب الشكر.
ما هو الدعاء الصحيح عند خلع الملابس؟
الدعاء الثابت في السنة هو قول: “بِسْمِ اللهِ”، وهو يحمي عورة الإنسان من نظر الجن كما ورد في الحديث الصحيح.
هل دعاء “اللهم كما أحسنت خَلقي فأحسن خُلُقي” يُقال عند خلع الثوب؟
لا، هذا الاعتقاد شائع لكنه غير صحيح، هذا الدعاء ورد في السنة عند النظر في المرآة، وليس له علاقة بخلع الملابس.

