يُعَدُّ الدعاء عند ارتداء ثوب جديد من السنن النبوية المباركة التي تعكس شكر العبد لنعمة الله عليه، فالملبس ليس مجرد سترة للجسد، بل هو نعمة عظيمة تستوجب الحمد والثناء، إن ارتباط المسلم بربه في كل تفاصيل حياته، ومنها ارتداء ملابسه، يقوي صلته بالله ويجعله دائم الذكر له، كما يغرس في قلبه التواضع واستشعار فضل الله عليه.
وقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى أدعية ثابتة تُقال في هذه المناسبة، تحمل معاني البركة والحمد والاستعاذة بالله من كل شر، مما يجعل هذه العادة اليومية عبادة يُؤجر عليها المسلم.
الأدعية الصحيحة الثابتة عند لبس الثوب الجديد
ورد في السنة النبوية الشريفة عدد من الأدعية الصحيحة التي يُستحب للمسلم أن يدعو بها عند ارتدائه ثوبًا جديدًا، هذه الأدعية تمثل جوهر الهدي النبوي في شكر النعمة وطلب الخير فيها، وفيما يلي أبرز ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم:
1، دعاء الحمد وسؤال الخير
وهو من أصح ما ورد في هذا الباب، حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص عليه عند كل ثوب جديد يلبسه.
- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: “كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَجَدَّ ثَوْبًا سَمَّاهُ بِاسْمِهِ، إِمَّا قَمِيصًا أَوْ عِمَامَةً، ثُمَّ يَقُولُ:
اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ كَسَوْتَنِيهِ، أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِهِ وَخَيْرِ مَا صُنِعَ لَهُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ
“.
المصدر: سنن أبي داود وسنن الترمذي، وصححه الألباني.
شرح موجز: في هذا الدعاء الجامع، يبدأ المسلم بحمد الله الذي رزقه هذا الثوب، ثم يسأل الله خير هذا الثوب (كالستر والراحة والجمال المباح) وخير الغاية التي صُنع من أجلها، ويستعيذ بالله من شره (كالكِبر والخيلاء) ومن شر ما قد يجلبه.
2، دعاء تكفير الذنوب
هذا الدعاء يحمل فضلًا عظيمًا، وهو سبب لمغفرة الذنوب، مما يجعله من الأدعية التي يُستحب للمسلم المداومة عليها.
- عن معاذ بن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
مَنْ لَبِسَ ثَوْبًا فَقَالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي هَذَا (الثَّوْبَ) وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ
“.
المصدر: سنن أبي داود وسنن الترمذي، وهو حديث حسن.
شرح موجز: يتضمن هذا الدعاء اعتراف العبد بفضل الله المطلق، وأن هذه النعمة لم تأتِ بجهده أو قوته، بل هي رزق خالص من الله تعالى، وهذا الإقرار بالفضل هو من أعظم أسباب نيل المغفرة.
الدعاء للغير عند رؤيته يلبس ثوبًا جديدًا
لم يقتصر الهدي النبوي على دعاء المرء لنفسه، بل امتد ليشمل الدعاء للآخرين بالبركة والخير، مما يعزز روابط المحبة في المجتمع المسلم.
- الدعاء بالبركة والحياة الطيبة: رأى النبي صلى الله عليه وسلم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثوبًا جديدًا فقال له:
الْبَسْ جَدِيدًا، وَعِشْ حَمِيدًا، وَمُتْ شَهِيدًا
“.
المصدر: سنن ابن ماجه ومسند الإمام أحمد، وهو حديث صحيح. - الدعاء المأثور عن السلف: كان من هدي الصحابة رضوان الله عليهم إذا رأوا على أحدهم ثوبًا جديدًا أن يقولوا له: “تُبْلِي وَيُخْلِفُ اللهُ تَعَالَى”.
التوضيح: هذا دعاء بأن يطيل الله عمر لابسه حتى يبلى الثوب، وأن يرزقه الله ثوبًا غيره بعده، وهو من الأدعية المأثورة عن السلف الصالح. - قصة أم خالد رضي الله عنها: أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِثِيَابٍ فِيهَا خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ صَغِيرَةٌ، فَقَالَ: “مَنْ تَرَوْنَ أَنْ نَكْسُوَ هَذِهِ؟”، فَأُتِيَ بِأُمِّ خَالِدٍ، فَأَلْبَسَهَا إِيَّاهَا بِيَدِهِ، وَقَالَ:
أَبْلِي وَأَخْلِقِي
” (قَالَهَا مَرَّتَيْنِ).
المصدر: صحيح البخاري، وهذا الدعاء “أبلي وأخلقي” يحمل نفس معنى دعاء السلف بالبركة وطول الاستعمال.
حكم بعض الأدعية المنتشرة
يتداول بعض الناس روايات وأدعية في هذا الباب لم تثبت صحتها عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن المهم التنبيه عليها التزامًا بالمنهج العلمي في قبول الأحاديث.
رواية التصدق بالثوب القديم
ينتشر حديث منسوب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه لبس ثوبًا جديدًا فقال: “الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي مَا أُوَارِي بِهِ عَوْرَتِي، وَأَتَجَمَّلُ بِهِ فِي حَيَاتِي”، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “مَنْ لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا فَقَالَ..، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى الثَّوْبِ الَّذِي أَخْلَقَ فَتَصَدَّقَ بِهِ، كَانَ فِي كَنَفِ اللَّهِ وَفِي حِفْظِ اللَّهِ…”.
- تنبيه وبيان للحكم الشرعي: هذه الرواية بهذا الفضل المخصوص للتصدق بالثوب القديم هي رواية ضعيفة جدًا، وقد حكم عليها كثير من أهل العلم بالضعف الشديد، والأصل في العبادات التوقف على ما ثبت بالدليل الصحيح، ورغم أن التصدق بالملابس القديمة عمل خيري محمود بشكل عام، إلا أنه لا يجوز نسبة هذا الفضل المعين إلى النبي صلى الله عليه وسلم لعدم صحة الحديث، والأدعية الصحيحة المذكورة أعلاه فيها الكفاية والبركة.
أدعية وآداب أخرى متعلقة بالملابس
من الهدي النبوي الشامل، وجود ذكر يحفظ المسلم حتى عند خلع ملابسه.
- الذكر عند خلع الثوب: عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
سَتْرُ مَا بَيْنَ أَعْيُنِ الْجِنِّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ، إِذَا وَضَعَ أَحَدُهُمْ ثَوْبَهُ، أَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ
“.
المصدر: سنن الترمذي، وصححه الألباني، هذا الذكر البسيط “بسم الله” يكون حجابًا وسترًا للمسلم من أعين الجن.
فضل وأهمية الدعاء عند ارتداء الثوب الجديد
إن المداومة على هذه الأدعية النبوية تحقق للمسلم فوائد إيمانية وسلوكية عظيمة، منها:
- تحقيق الشكر: هو تطبيق عملي لشكر نعمة الله، وشكر النعم سبب في دوامها وزيادتها.
- الاتباع والتأسي: فيه اقتداء بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من أعظم القربات إلى الله.
- الحفظ والوقاية: الدعاء حصن للمسلم، فهو يسأل الله خير الثوب ويستعيذ به من شره، مما يجعله في حفظ الله ورعايته.
- التواضع ونبذ الكبر: عندما ينسب المسلم الفضل لله بقوله “من غير حول مني ولا قوة”، فإنه يربي نفسه على التواضع ويبتعد عن الغرور والخيلاء بالملبس الجديد.
- مغفرة الذنوب: كما ورد في الحديث الصحيح، فإن هذا الذكر سبب لتكفير الخطايا، وهي غاية عظيمة يسعى إليها كل مؤمن.
المصادر والمراجع
- حديث أبي سعيد الخدري “اللهم لك الحمد”، (رواه أبو داود، رقم 4020، والترمذي، رقم 1767، يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث معاذ بن أنس “الحمد لله الذي كساني”، (رواه أبو داود، رقم 4023، والترمذي، رقم 3458، يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث عمر بن الخطاب “البس جديدًا”، (رواه ابن ماجه، رقم 3558، وأحمد، رقم 5620، يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث أم خالد “أبلي وأخلقي”، (رواه البخاري، رقم 3071، يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث أنس بن مالك “ستر ما بين أعين الجن”، (رواه الترمذي، رقم 606، يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة (FAQs)
ما هو أصح دعاء عند لبس الثوب الجديد؟
دعاء أبي سعيد الخدري: “اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ كَسَوْتَنِيهِ، أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِهِ وَخَيْرِ مَا صُنِعَ لَهُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ”، يُعد من أصح وأشمل الأدعية الواردة في هذا الباب.
هل يجوز أن أحمد الله بصيغة عامة دون الالتزام بالدعاء المأثور؟
نعم، يجوز حمد الله وشكره بأي صيغة، فالشكر عبادة مطلوبة، ولكن الأفضل والأكمل هو الالتزام بالصيغ الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم لأنها تجمع بين الشكر والدعاء بالبركة، وفيها أجر الاتباع.
ماذا أقول لشخص يرتدي ثوبًا جديدًا؟
يمكنك أن تدعو له بالدعاء النبوي: “الْبَسْ جَدِيدًا، وَعِشْ حَمِيدًا، وَمُتْ شَهِيدًا”، أو تقول له كما كان يفعل السلف: “تُبْلِي وَيُخْلِفُ اللهُ تَعَالَى”.
لماذا من المهم تجنب الأدعية التي لم تثبت صحتها؟
لأن الدعاء عبادة، والأصل في العبادات التوقيف، أي الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، والاعتماد على الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة قد يؤدي إلى نسبة أقوال أو فضائل لم يقلها النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الأدعية الصحيحة غنى وكفاية وبركة.

