إن الله سبحانه وتعالى هو “الرزّاق” ذو القوة المتين، ومن أسمائه الحسنى ما يدل على كمال عطائه وسعة فضله، والرزق بمفهومه الإسلامي الشامل لا يقتصر على المال والطعام، بل يشمل كل ما يهبه الله لعباده من نعم ظاهرة وباطنة، كالصحة والعلم والهداية والذرية الصالحة، وقد تكفّل الله برزق كل مخلوق على وجه الأرض، كما قال تعالى في كتابه الكريم:
“وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ۚ كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ” [هود: 6]
والدعاء هو من أعظم الأسباب التي يستجلب بها العبد فضل ربه، ويطلب بها سعة الرزق والبركة فيه، وفيما يلي مجموعة من الأدعية الموثوقة من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، مع بيان لمصادرها وسياقها.
أدعية الرزق الثابتة في القرآن الكريم والسنة النبوية
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهي أدعية جامعة مباركة، كافية وشافية.
1، أدعية من القرآن الكريم
- دعاء نبي الله يونس -عليه السلام- وهو في بطن الحوت، وهو من أعظم أدعية تفريج الكروب وجلب الخير.
“لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ” [الأنبياء: 87]
.
- دعاء جامع لخيري الدنيا والآخرة، وكان من أكثر أدعية النبي صلى الله عليه وسلم.
“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” [البقرة: 201]
.
2، أدعية من السنة النبوية الصحيحة
- سيد الاستغفار: وهو من أذكار الصباح والمساء، والاستغفار من أعظم أسباب الرزق.
“اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ”، (صحيح البخاري)
.
- دعاء قضاء الدين وطلب الغنى:
“اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ”، (حديث حسن، سنن الترمذي)
.
- دعاء الكرب والهم:
“لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ”، (صحيح البخاري ومسلم)
.
- دعاء جامع للاستعاذة من معوقات الرزق:
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ”، (صحيح البخاري)
.
- دعاء يقال دبر كل صلاة مكتوبة:
“اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ”، (صحيح البخاري ومسلم)
.
صيغ وأدعية عامة شائعة لطلب الرزق
هناك العديد من صيغ الدعاء التي يتداولها الناس لطلب الرزق وتيسير الأمور، هذه الأدعية حسنة في معناها، ويمكن الدعاء بها لأن باب الدعاء واسع، ما لم تحتوِ على محظور شرعي، ولكن من المهم معرفة أنها لم ترد بنصها عن النبي صلى الله عليه وسلم.
- “اللَّهُمَّ يَا رَازِقَ السَّائِلِينَ، يَا رَاحِمَ الْمَسَاكِينِ، وَيَا ذَا الْقُوَّةِ الْمَتِينِ، وَيَا خَيْرَ النَّاصِرِينَ، يَا وَلِيَّ الْمُؤْمِنِينَ، يَا غَيَّاثَ الْمُسْتَغِيثِينَ، إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ رِزْقًا وَاسِعًا طَيِّبًا مِنْ رِزْقِكَ”.
- “اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي رِزْقًا وَاسِعًا حَلَالًا طَيِّبًا مِنْ غَيْرِ كَدٍّ، وَاسْتَجِبْ دُعَائِي مِنْ غَيْرِ رَدٍّ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَضِيحَتَيْنِ: الْفَقْرِ وَالدَّيْنِ”.
- “يَا اللهُ، يَا رَبُّ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الْعَظِيمِ الْأَعْظَمِ أَنْ تَرْزُقَنِي رِزْقًا وَاسِعًا حَلَالًا طَيِّبًا، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ”.
- “اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ رِزْقِي فِي السَّمَاءِ فَأَنْزِلْهُ، وَإِنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ فَأَخْرِجْهُ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا فَقَرِّبْهُ، وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا فَيَسِّرْهُ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فَكَثِّرْهُ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَبَارِكْ لِي فِيهِ”.
تنبيه هام وإخلاء مسؤولية: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية ومباركة، وفيها الخير كله، ويجوز الدعاء بأدعية عامة حسنة المعنى، مع اليقين بأن الفضل والبركة الأعظم هما في الأدعية المأثورة.
أسباب شرعية لسعة الرزق والبركة فيه
إلى جانب الدعاء، جعل الله تعالى أسبابًا شرعية وعملية لجلب الرزق، من أخذ بها مع التوكل على الله، فتح الله عليه أبواب فضله، ومن أهمها:
- تقوى الله تعالى: هي أساس كل خير، قال تعالى:
“وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ” [الطلاق: 2-3]
.
- كثرة الاستغفار والتوبة: قال تعالى على لسان نوح عليه السلام:
“فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا” [نوح: 10-12]
.
- التوكل على الله حق التوكل: وهو صدق الاعتماد على الله مع الأخذ بالأسباب، قال صلى الله عليه وسلم:
“لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا”، (حديث صحيح، سنن الترمذي)
.
- صلة الرحم: قال صلى الله عليه وسلم:
“مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ”، (صحيح البخاري ومسلم)
.
- الإنفاق والصدقة: الإنفاق في سبيل الله لا ينقص المال بل يباركه، قال تعالى:
“وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ” [سبأ: 39]
.
- الشكر على النعم: شكر النعم سبب في زيادتها، قال تعالى:
“لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ” [إبراهيم: 7]
.
أسباب ضيق الرزق التي حذر منها الشرع
كما أن للطاعة أثرًا في جلب الرزق، فإن للمعصية أثرًا في منعه أو نزع البركة منه، ومن أبرز الأسباب التي تؤدي إلى ضيق الرزق:
- الذنوب والمعاصي: إن العبد ليُحرم الرزق بالذنب يصيبه.
- التعامل بالربا: فهو ممحوق البركة، قال تعالى:
“يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ” [البقرة: 276]
.
- الغش في البيع والشراء: كالتطفيف في المكيال والميزان.
- قطيعة الرحم: وهي من كبائر الذنوب التي تعجل عقوبتها في الدنيا.
- الكسب الحرام: المال المكتسب من طرق محرمة كالسرقة أو الرشوة لا بركة فيه.
المصادر والمراجع
- سورة هود، الآية 6.
- سورة الأنبياء، الآية 87.
- سورة البقرة، الآية 201.
- سورة الطلاق، الآيات 2-3.
- سورة نوح، الآيات 10-12.
- سورة سبأ، الآية 39.
- سورة إبراهيم، الآية 7.
- سورة البقرة، الآية 276.
- صحيح البخاري، حديث رقم 6363 (سيد الاستغفار)، وحديث رقم 6369 (دعاء الكرب)، وحديث رقم 2893 (دعاء الهم والحزن)، وحديث رقم 834 (دعاء دبر الصلاة)، وحديث رقم 2067 (فضل صلة الرحم)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 2730 (دعاء الكرب)، وحديث رقم 589 (دعاء دبر الصلاة)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، حديث رقم 3563 (دعاء قضاء الدين)، وحديث رقم 2344 (حديث التوكل)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة حول أدعية الرزق
- ما هو أفضل وقت للدعاء بطلب الرزق؟
- الدعاء مشروع في كل وقت، ولكن هناك أوقات يُرجى فيها إجابة الدعاء أكثر من غيرها، مثل الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، وآخر ساعة من يوم الجمعة، ويوم عرفة.
- هل يجوز الدعاء بصيغ من عندي لطلب الرزق؟
- نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يفتح عليه من الأدعية الطيبة التي ليس فيها إثم أو قطيعة رحم، ومع ذلك، يبقى الدعاء بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة هو الأفضل والأكمل والأكثر بركة.
- دعوت كثيرًا ولم يتغير شيء، ماذا أفعل؟
- على المسلم أن يحسن الظن بالله ويستمر في الدعاء ولا يستعجل الإجابة، فالله تعالى قد يجيب الدعاء في الحال، أو يدخر الإجابة للآخرة، أو يصرف عن الداعي من السوء مثلها، ومن موانع إجابة الدعاء أكل الحرام، والدعاء بقلب غافل.
- هل يكفي الدعاء وحده لجلب الرزق؟
- الدعاء سبب عظيم، ولكن لا بد من الأخذ بالأسباب العملية التي أمر الله بها، كالسعي في طلب الرزق، والعمل، وإتقان الصنعة، فالتوكل على الله هو عمل القلب، والسعي هو عمل الجوارح، والإسلام يجمع بينهما.


جزاك الله عن كل مسلم خير الجزاء