إن من أعظم نعم الله على عبده أن يرزقه السعادة والطمأنينة، وهي غاية يسعى إليها كل إنسان، وقد بيّن الله عز وجل أن الطريق إلى هذه السكينة يكمن في ذكره والإقبال عليه، فالقلب المضطرب لا يجد هناءً إلا بالقرب من خالقه، قال تعالى في محكم تنزيله:
“وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ” [طه: 124].
فالإعراض عن ذكر الله هو سبب الشقاء والضيق، بينما الإقبال عليه هو مفتاح السعادة الحقيقية وانشراح الصدر، وقد أكد الله هذا المعنى في آية أخرى، حيث قال سبحانه:
“الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ” [الرعد: 28].
لذا، فإن التوجه إلى الله بالدعاء الصادق يُعد من أنفع السبل لنيل السعادة، فمناجاة العبد لربه تملأ النفس راحة وسكينة، وفيما يلي بعض الأدعية الصحيحة والمأثورة التي يمكن للمسلم أن يدعو بها لطلب السعادة.
أدعية جامعة من القرآن والسنة لطلب السعادة وراحة البال
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهي أدعية مباركة جامعة لخيري الدنيا والآخرة، ومن هذه الأدعية:
- دعاء جامع من القرآن الكريم:
“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” [البقرة: 201].
قال أنس بن مالك رضي الله عنه: “كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم…” وذكر هذا الدعاء، (المصدر: صحيح البخاري).
- دعاء لإزالة الهم والحزن:
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْzِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ”.
(المصدر: صحيح البخاري، حديث صحيح).
- دعاء لطلب صلاح الأحوال كلها:
“يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، وَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ”.
(المصدر: حسنه الألباني في صحيح الترغيب).
صيغ وأدعية عامة لطلب السعادة من الله
إلى جانب الأدعية الثابتة في القرآن والسنة، يجوز للمسلم أن يدعو الله تعالى بما يفتح عليه من صيغ طيبة لا تخالف الشرع، يسأله فيها حاجته ومنها السعادة والطمأنينة، وهذه أمثلة على أدعية عامة يمكن الاستئناس بها:
- اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ سَعَادَةً لَا تَشْقَى بَعْدَهَا أَبَدًا، وَأَسْأَلُكَ رِضًا يُغْنِينِي عَنْ سِوَاكَ، وَأَسْأَلُكَ رَاحَةً تَمْلَأُ قَلْبِي وَتَشْرَحُ صَدْرِي.
- يَا رَبِّ، بَدِّلْ أَحْزَانَنَا فَرَحًا، وَهُمُومَنَا سُرُورًا، وَضِيقَنَا فَرَجًا، اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا قُلُوبًا مُطْمَئِنَّةً، وَنُفُوسًا رَاضِيَةً بِقَضَائِكَ.
- اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تُعَوِّضَنِي خَيْرًا عَنْ كُلِّ شَيْءٍ أَحْزَنَنِي، فَأَنْتَ الْكَرِيمُ الَّذِي لَا يَنْضَبُ عَطَاؤُهُ، فَارْزُقْنَا يَا رَبِّ سَعَادَةً تُغْمَرُ قُلُوبَنَا وَتُنِيرُ دُرُوبَنَا.
- اللَّهُمَّ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، آمَنَّا بِكَ رَبًّا، وَبِمُحَمَّدٍ ﷺ نَبِيًّا وَرَسُولًا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، فَامْنَحْنَا يَا رَبِّ مِنَ الْخَيْرِ أَوْفَرَهُ وَمِنَ السَّعَادَةِ أَعْلَاهَا.
- سُبْحَانَكَ يَا مَنْ تَقُولُ لِلشَّيْءِ كُنْ فَيَكُونُ، أَسْأَلُكَ أَنْ تُفِيضَ عَلَيْنَا مِنْ رَحْمَتِكَ، وَتَمْلَأَ أَيَّامَنَا بِالطُّمَأْنِينَةِ وَالسُّرُورِ، وَتَنْزِعَ مِنْ قُلُوبِنَا الْهُمُومَ وَالْأَحْزَانَ.
الدعاء بالسعادة في الأوقات المباركة
يتحرى المسلم أوقات وأماكن إجابة الدعاء ليكون أرجى للقبول، ومن هذه الأوقات الفاضلة العشر الأواخر من رمضان، والعشر الأوائل من ذي الحجة، ووقت السحر.
دعاء في العشر الأواخر من رمضان
العشر الأواخر من رمضان أيام مباركة فيها ليلة القدر، وهي فرصة عظيمة للتقرب إلى الله بالدعاء، ومن الأدعية المأثورة في هذه الليالي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:
“اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي”.
(المصدر: سنن الترمذي، حديث صحيح).
ويمكن للمسلم أن يضيف إلى ذلك ما يشاء من الأدعية العامة، مثل:
- اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا فِي هَذِهِ اللَّيَالِي الْمُبَارَكَةِ مِنْ عِبَادِكَ الَّذِينَ تُبَارِكُ لَهُمْ فِي طَاعَتِهِمْ، وَتَمْنَحُهُمْ طُمَأْنِينَةَ الْقَلْبِ وَنُورَ الْبَصِيرَةِ.
- إِلَهَنَا وَرَبَّنَا، ارْفَعْ عَنَّا الْهُمُومَ، وَيَسِّرْ لَنَا أُمُورَنَا، وَامْلَأْ قُلُوبَنَا بِالسَّعَادَةِ وَالرِّضَا، وَاكْتُبْ لَنَا الْفَرَحَ فِي كُلِّ أَمْرٍ يُقَرِّبُنَا إِلَيْكَ.
- اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا الْخَيْرَ كُلَّهُ عَاجِلَهُ وَآجِلَهُ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَأَعِذْنَا مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلَهُ وَآجِلَهُ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ.
دعاء في العشر الأوائل من ذي الحجة
أقسم الله تعالى بهذه الأيام في كتابه الكريم فقال:
“وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ” [الفجر: 1-2].
وقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن “ليال عشر” هي عشر ذي الحجة، والعمل الصالح في هذه الأيام أحب إلى الله، ومن أعظم الأعمال الدعاء، فيمكن للمسلم أن يدعو بما يلي:
- اللَّهُمَّ يَا وَاسِعَ الْفَضْلِ، اجْعَلْ لَنَا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الْمُبَارَكَةِ نَصِيبًا مِنْ كُلِّ خَيْرٍ، وَاكْتُبْ لَنَا سَعَادَةً فِي دُنْيَانَا وَفَوْزًا فِي آخِرَتِنَا.
- يَا رَبِّ، يَا مُجِيبَ الدَّعَوَاتِ، أَنْتَ رَجَاؤُنَا فَلَا تَرُدَّنَا خَائِبِينَ، وَأَنْتَ أَكْرَمُ مَنْ سُئِلَ وَأَجْوَدُ مَنْ أَعْطَى، ارْحَمْ ضَعْفَنَا وَتَوَلَّ أَمْرَنَا.
- اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الْفَائِزِينَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الْمُبَارَكَةِ، وَامْنَحْنَا فِيهَا رَحْمَتَكَ وَمَغْفِرَتَكَ وَرِضْوَانَكَ، وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ.
الدعاء بالسعادة للآخرين
الدعاء للغير بظهر الغيب من السنن المستحبة التي تعود بالخير على الداعي والمدعو له، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على محبة الخير للمسلمين، فقال:
“لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ”.
(المصدر: صحيح البخاري، حديث صحيح).
دعاء الزوجين لبعضهما بالسعادة
الزواج ميثاق غليظ أساسه المودة والرحمة، والدعاء من أعظم أسباب التوفيق والبركة في الحياة الزوجية، ومن الأدعية المناسبة:
- اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا، وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلَامِ، وَاجْعَلْ بَيْتَنَا مَنْبَعًا لِلسَّكِينَةِ وَالسَّعَادَةِ.
- يمكن للزوجين الدعاء بالدعاء النبوي الشريف:
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْzِ وَالْكَسَلِ…”.
فهو دعاء جامع لكل خير.
- اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي ذُرِّيَّتِنَا، وَاجْعَلْهُمْ قُرَّةَ عَيْنٍ لَنَا، وَارْزُقْنَا بِرَّهُمْ، وَاجْعَلْ أَيَّامَنَا هَنِيئَةً وَأَقْدَارَنَا مُيَسَّرَةً.
دعاء الأبناء لوالديهم بالسعادة
بر الوالدين من أعظم القربات، وأفضل صور البر هو الدعاء لهما، وقد أمرنا الله بذلك فقال:
“وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا” [الإسراء: 24].
ومن الأدعية الطيبة لهما:
- اللَّهُمَّ ارْزُقْ وَالِدَيَّ عَافِيَةً فِي أَبْدَانِهِمَا، وَرَاحَةً فِي قُلُوبِهِمَا، وَسَعَادَةً فِي حَيَاتِهِمَا، وَاجْزِهِمَا عَنَّا خَيْرَ الْجَزَاءِ.
- رَبِّ اغْفِرْ لَهُمَا، وَتَجَاوَزْ عَنْ سَيِّئَاتِهِمَا، وَأَدْخِلْهُمَا الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا سَابِقَةِ عَذَابٍ.
- اللَّهُمَّ إِنْ كَانَا مُحْسِنَيْنِ فَزِدْ فِي إِحْسَانِهِمَا، وَإِنْ كَانَا مُسِيئَيْنِ فَتَجَاوَزْ عَنْ سَيِّئَاتِهِمَا، وَاجْعَلْ قُبُورَهُمَا رَوْضَةً مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ.
دعاء بالسعادة لشخص عزيز
يمكنك الدعاء لمن تحب من الأصدقاء والأقارب بصيغ جامعة للخير، مثل:
- اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَوْدِعُكَ قَلْبَ فُلَانٍ (تذكر الاسم)، فَامْلَأْهُ سَعَادَةً وَرِضًا، وَاحْفَظْهُ بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ.
- يَا رَبِّ، فَرِّجْ كَرْبَهُ، وَيَسِّرْ أَمْرَهُ، وَاشْرَحْ صَدْرَهُ، وَاكْتُبْ لَهُ الْخَيْرَ حَيْثُمَا كَانَ، وَأَبْعِدْ عَنْهُ كُلَّ هَمٍّ وَغَمٍّ.
- اللَّهُمَّ اجْعَلِ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ رَبِيعَ قَلْبِهِ، وَنُورَ صَدْرِهِ، وَجَلَاءَ حُزْنِهِ، وَذَهَابَ هَمِّهِ، وَارْزُقْهُ السَّعَادَةَ فِي الدَّارَيْنِ.
المصادر والمراجع
- سورة طه، الآية 124.
- سورة الرعد، الآية 28.
- سورة البقرة، الآية 201.
- سورة الفجر، الآيتان 1-2.
- سورة الإسراء، الآية 24.
- صحيح البخاري، حديث رقم 6389، وحديث رقم 2893، وحديث رقم 13، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، حديث رقم 3547، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح الترغيب والترهيب للألباني، حديث رقم 655، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة (FAQs)
ما هي أفضل صيغة للدعاء بطلب السعادة؟
أفضل الأدعية وأجمعها للخير هي الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، مثل دعاء: “رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”، ودعاء: “اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي…”.
هل يجوز الدعاء بالسعادة بصيغ من عندي لم ترد في السنة؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يشاء من الأدعية الطيبة التي لم ترد في السنة، بشرط ألا يكون في معناها ما يخالف الشريعة الإسلامية أو يتضمن اعتداءً في الدعاء، فباب الدعاء واسع، والله سبحانه وتعالى يحب أن يسأله عبده جميع حوائجه.
ما هي أفضل أوقات الدعاء المستجاب؟
يستحب تحري أوقات إجابة الدعاء ليكون أرجى للقبول، ومن هذه الأوقات: الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود أثناء الصلاة، وآخر ساعة من يوم الجمعة، وعند نزول المطر، وفي العشر الأواخر من رمضان، وأيام العشر من ذي الحجة.


