الدعاء هو جوهر العبادة وأحد أعظم القربات التي تصل العبد بربه، ففيه يناجي العبد خالقه ويبث إليه حاجاته وأمنياته، موقناً بأنه سبحانه هو القادر على كل شيء، والله عز وجل يحب من عباده أن يسألوه ويتضرعوا إليه، فقد قال في كتابه الكريم:
“وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ” [غافر: 60]
، وعندما يمر الإنسان بأوقات الشدة والضيق، ليس له ملجأ إلا الله، فهو مفرّج الكروب وميسّر الأمور.
وقد ورد في السنة النبوية الشريفة أدعية صحيحة تُقال عند الكرب والحاجة، وهي تمثل المنهج النبوي في التوجه إلى الله عند الشدائد.
دعاء الكرب وتفريج الهم من السنة الصحيحة
من الأدعية الثابتة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بها عند الكرب الشديد ما رواه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما:
“أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ.”
المصدر: متفق عليه (صحيح البخاري، حديث رقم 6346؛ صحيح مسلم، حديث رقم 2730).
هذا الدعاء العظيم يجمع بين التوحيد وتعظيم الله بأسمائه وصفاته، وهو من أقوى أسباب تفريج الهموم وقضاء الحوائج بإذن الله.
صلاة الحاجة وحكمها في الإسلام
صلاة الحاجة هي صلاة نافلة يؤديها المسلم عندما تكون له حاجة مُلحّة يرجو قضاءها من الله تعالى، وقد اختلف أهل العلم في مشروعيتها بناءً على درجة صحة الأحاديث الواردة فيها.
من الأحاديث التي استدل بها من يرى مشروعيتها ما رُوي عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
“مَنْ كَانَتْ لَهُ إِلَى اللَّهِ حَاجَةٌ أَوْ إِلَى أَحَدٍ مِنْ بَنِي آدَمَ فَلْيَتَوَضَّأْ فَلْيُحْسِنِ الْوُضُوءَ، ثُمَّ لْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ لْيُثْنِ عَلَى اللَّهِ، وَلْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ لْيَقُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ…”
تنبيه حول الحديث: هذا الحديث رواه الترمذي (حديث رقم 479) وابن ماجه، لكن إسناده ضعيف باتفاق المحدثين، لذا، فإن تخصيص صلاة معينة بهذا الدعاء المحدد لم يثبت بسند صحيح، والأولى للمسلم أن يصلي ركعتين من النوافل المطلقة في أي وقت (غير أوقات الكراهة) ثم يدعو الله بحاجته بما شاء من الأدعية الصحيحة والمأثورة.
أفضل الأدعية لقضاء الحاجة وتيسير الأمور
إن أفضل ما يدعو به العبد هو ما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهي أدعية جامعة ومباركة، ومن ذلك:
- دعاء يونس عليه السلام: وهو من أعظم الأدعية لتفريج الكروب، قال تعالى:
 “وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ” [الأنبياء: 87] ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ.” (رواه الترمذي وصححه الألباني). 
- دعاء “يا حي يا قيوم”: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كربه أمر قال:
 “يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ.” (رواه الترمذي وحسنه الألباني). 
- الدعاء بالاسم الأعظم: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يقول:
 “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، الْمَنَّانُ، يَا بَدِيعَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ.” فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “لَقَدْ دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الْعَظِيمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى.” (رواه أبو داود وصححه الألباني). 
صيغ شائعة للدعاء بقضاء الحاجة
يتداول الناس بعض الصيغ للدعاء عند الحاجة، ورغم أن معانيها قد تكون صحيحة، إلا أنها لم ترد بهذه الصيغة المحددة في القرآن أو السنة الصحيحة، ويمكن للمسلم الدعاء بها على سبيل العموم دون نسبتها إلى الشرع أو اعتقاد فضل خاص لها، ومن أمثلتها:
- “اللَّهُمَّ يَا رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، يَا مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ، يَا مَنْ أَمْرُكَ بَيْنَ الْكَافِ وَالنُّونِ، إِذَا قَضَيْتَ أَمْرًا فَإِنَّمَا تَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، أَسْأَلُكَ بِجَلَالِكَ وَعِزَّتِكَ أَلَّا تَدَعَ لِي ذَنْبًا إِلَّا غَفَرْتَهُ، وَلَا هَمًّا إِلَّا فَرَّجْتَهُ، وَلَا حَاجَةً مِنْ حَوَائِجِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ هِيَ لَكَ رِضًا إِلَّا قَضَيْتَهَا لِي.”.
- “اللَّهُمَّ لَا سَهْلَ إِلَّا مَا جَعَلْتَهُ سَهْلًا، وَأَنْتَ تَجْعَلُ الْحَزْنَ إِذَا شِئْتَ سَهْلًا، اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاقْضِ حَاجَتِي.” (الجزء الأول من الدعاء صحيح وثابت، والجزء الثاني إضافة عامة).
- “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْوَاحِدُ الْأَحَدُ، الْفَرْدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، أَنْ تَقْضِيَ حَاجَتِي وَتُحَقِّقَ رَجَائِي.” (الدعاء بالتوحيد مشروع، وهو مقتبس من حديث صحيح، ولكن إضافة “تقضي حاجتي” هي دعاء عام).
تنبيه هام: هذه الصيغ وغيرها مما يتداوله الناس، لم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة، وهي خير ما يدعو به العبد ربه.
أوقات وأحوال يُرجى فيها إجابة الدعاء
ورد في السنة النبوية الشريفة أوقات وأحوال يكون فيها الدعاء أقرب للإجابة، وينبغي للمسلم تحريها عند طلب حاجته من الله، ومنها:
- الثلث الأخير من الليل: فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
 “يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟” (متفق عليه). 
- أثناء السجود: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
 “أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ.” (رواه مسلم). 
- بين الأذان والإقامة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
 “الدُّعَاءُ لَا يُرَدُّ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ.” (رواه الترمذي وصححه الألباني). 
- آخر ساعة من يوم الجمعة: حيث ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن فيها ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه.
آداب الدعاء وأسباب الإجابة
للدعاء آداب تزيد من فرصة قبوله واستجابته، وهي مستنبطة من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أهمها:
- الإخلاص لله تعالى: أن يكون الدعاء خالصًا لوجه الله وحده.
- البدء بحمد الله والثناء عليه: ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وختم الدعاء بذلك.
- اليقين بالإجابة: أن يدعو العبد وهو موقن بأن الله سيستجيب له.
- الإلحاح في الدعاء: تكرار الدعاء وعدم الاستعجال في طلب الإجابة.
- حضور القلب والخشوع: التضرع إلى الله بقلب خاشع ومنكسر.
- تحري أوقات الإجابة: كما ذكرنا سابقاً.
- أكل الحلال: فإن أكل الحرام من موانع إجابة الدعاء.
- الأخذ بالأسباب: فالدعاء لا ينافي السعي والعمل لتحقيق الحاجة.
المصادر والمراجع
- سورة غافر، الآية 60.
- سورة الأنبياء، الآية 87.
- صحيح البخاري، حديث رقم 6346، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 2730، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، حديث رقم 3505 (دعوة ذي النون).
- سنن الترمذي، حديث رقم 3524 (يا حي يا قيوم).
- سنن أبي داود، حديث رقم 1495 (دعاء الاسم الأعظم).
أسئلة شائعة (FAQs)
ما هو دعاء الحاجة الصحيح والموثوق؟
أصح ما ورد في هذا الباب هو “دعاء الكرب” الثابت في صحيح البخاري ومسلم: “لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ…”، كما يُشرع الدعاء بالأدعية القرآنية والنبوية العامة مثل دعاء يونس عليه السلام، ودعاء “يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث”، فهي من أسباب قضاء الحوائج وتفريج الهموم.
هل صلاة الحاجة بدعة؟
اختلف العلماء في حكمها، فمنهم من أجازها استنادًا لبعض الأحاديث التي فيها ضعف، ومنهم من رأى عدم مشروعيتها لعدم ثبوت حديث صحيح صريح فيها، والأحوط للمسلم أن يصلي ركعتين نافلة مطلقة ثم يدعو الله بحاجته، فهذا مشروع باتفاق ولا يقع في الخلاف.
هل يجوز الدعاء بصيغ من عندي لقضاء الحاجة؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يفتح عليه من كلام طيب لا إثم فيه ولا اعتداء، وأن يسأل حاجته بأسلوبه الخاص، لكن الأفضل والأكمل هو الالتزام بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة، لأنها أجمع للخير وأعظم في البركة.
ما هو أفضل وقت لدعاء قضاء الحاجة؟
أفضل الأوقات هي التي يُرجى فيها إجابة الدعاء، وأبرزها الثلث الأخير من الليل، وحال السجود في الصلاة، وبين الأذان والإقامة، وآخر ساعة من يوم الجمعة.
 
		
