عندما يواجه المسلم تحديات الحياة، ويشعر بثقل الأعباء من عملٍ أو ضائقةٍ مالية أو صحية، فمن الطبيعي أن تمر عليه لحظات يشعر فيها بالضيق والكرب، في هذه الأوقات، حيث تبدو السبل مغلقة، يظل اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء هو الملاذ الآمن والحل الأمثل، فهو العبادة التي تصل العبد بربه، وتزرع في قلبه الطمأنينة والرضا بقضاء الله وقدره، وتفتح له أبواب الأمل والفرج.
إن من أعظم ما يطمئن قلب المؤمن هو يقينه بأن الله يسمعه ويراه، وأنه سبحانه أرحم به من نفسه، وفيما يلي نستعرض مجموعة من الأدعية الصحيحة والمأثورة التي تُعين المسلم عند الشدائد، مع التزامنا بالمنهج العلمي في توثيقها وبيان حكم ما انتشر بين الناس مما لم يثبت.
أدعية صحيحة ثابتة لتفريج الكرب والهم
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، ففيها الخير والبركة والكفاية، ومن هذه الأدعية المباركة:
1، دعاء الكرب من السنة النبوية
كان النبي صلى الله عليه وسلم يلجأ إلى هذا الدعاء عند الكرب والشدة، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب:
“لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ”.
المصدر: متفق عليه (صحيح البخاري وصحيح مسلم)، هذا الدعاء من أعظم ما يُقال لتفريج الهموم، لما فيه من توحيد الله وتعظيمه بأسمائه وصفاته.
2، دعاء المكروب
روى أبو بكرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “دعوات المكروب”:
“اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو، فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ”.
المصدر: سنن أبي داود، وحسّنه الألباني، وفيه تفويض كامل من العبد لله، واعتراف بعجزه، وطلب صلاح الحال كله من الله وحده.
3، دعاء ذي النون (يونس عليه السلام)
وهو الدعاء الذي نادى به نبي الله يونس عليه السلام وهو في بطن الحوت، فاستجاب الله له ونجّاه، قال تعالى:
“وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ” [الأنبياء: 87].
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له”، (رواه الترمذي وصححه الألباني).
صيغ وأدعية منتشرة لم تثبت بسند صحيح
يتداول بعض الناس صيغاً للدعاء بأسلوب بليغ ومؤثر، ورغم أن معانيها قد تكون صحيحة في مجملها، إلا أنه من الأهمية بمكان التنبيه إلى أنها لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم أو صحابته، ولا يجوز نسبتها إليهم أو اعتقاد فضل خاص في تكرارها بعدد معين أو في وقت معين.
أمثلة على الأدعية المنتشرة:
- (يا رب، عبدك قد ضاقت به الأسباب وأُغلقت دونه الأبواب…).
 - (يا رب، أنا ضعيف ولا أحد يقويني سواك، أنا مرهق لكن أملي فيك ثابت لا يتغير…).
 - (ربي، من نوى لي شرًا فاشغله بنفسه، ومن دبر لي مكيدة فرد كيده في نحره…).
 
تنبيه هام: هذه الصيغ وغيرها مما يشابهها هي من الأدعية التي يتداولها الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية ومباركة وشاملة لخيري الدنيا والآخرة، ويجوز للمسلم أن يدعو بما يفتح الله عليه من أدعية لا تخالف الشرع، ولكن دون أن ينسبها للدين أو يعتقد لها فضلاً خاصاً لم يرد به دليل.
أدعية عامة يمكن الاستئناس بها
يمكن للمسلم أن يدعو الله تعالى بأسلوبه الخاص وبما في قلبه، ما دام محتوى الدعاء لا يخالف العقيدة الإسلامية، وهذه أمثلة على أدعية عامة جامعة يمكن الدعاء بها عند الشعور بالضيق:
- “يا الله، يا واسع الرحمة وعظيم الفضل، أسألك وأنت القادر الذي لا يعجزه شيء أن تفرّج كربي، وتيسر أمري، وتشرح صدري، اللهم يا مالك الملك، أزل عني الغم، وأنر دربي، وقوّم حالي، يا من لا يُرد سائلك ولا يخيب راجيك، هب لي راحة وسكينة، وأبدل كربي فرجًا، وضِيقي سعة، وألهمني الصبر والرضا.”.
 - “اللهم إني أقف ببابك، وأرفع إليك كفَّي الضراعة، أرجو رحمتك وأخشى عذابك، اللهم إني خاضع لعظمتك، متذلل لجلالك، تعلم ضعفي وقلة حيلتي، فأصلح يا الله شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين، أنت وليي ومولاي، فكن لي سندًا وعونًا، واملأ قلبي باليقين والرجاء، وثبتني على صراطك المستقيم.”.
 
خطوات عملية لتجاوز الشعور بالضيق
إلى جانب الدعاء، ينبغي على المسلم أن يأخذ بأسباب تفريج الكروب، والتي أرشدنا إليها الشرع الحنيف:
- الإكثار من ذكر الله: فذكر الله يطمئن القلوب، قال تعالى:
“أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ” [الرعد: 28]
، ومن أعظم الأذكار قول: “لا حول ولا قوة إلا بالله”، فهي كنز من كنوز الجنة.
 
- الاستغفار: يُعد الاستغفار مفتاحًا للفرج والرزق، فملازمة الاستغفار سبب في محو الذنوب التي قد تكون سببًا في نزول البلاء، قال تعالى على لسان نوح عليه السلام:.
 
“فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا” [نوح: 10-11]
- الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: فهي من أعظم أسباب كفاية الهم ومغفرة الذنب، قال أُبيّ بن كعب رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم: (أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: إذن تُكفَى همك، ويُغفر لك ذنبك)، (رواه الترمذي وحسنه).
 - حسن الظن بالله والتوكل عليه: على المؤمن أن يوقن بأن بعد العسر يسرًا، وأن فرج الله قريب، فاليقين بأن الله لن يضيّع عبده هو بحد ذاته عبادة عظيمة تخفف من وطأة البلاء.
 
المصادر والمراجع
- سورة الأنبياء، الآية 87.
 - سورة الرعد، الآية 28.
 - سورة نوح، الآيتان 10-11.
 - حديث دعاء الكرب: صحيح البخاري (حديث رقم 6346)، وصحيح مسلم (حديث رقم 2730)، (يمكن مراجعتهما على موسوعة الدرر السنية).
 - حديث دعوات المكروب: سنن أبي داود (حديث رقم 5090)، وحسنه الألباني، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 - حديث فضل دعاء ذي النون: سنن الترمذي (حديث رقم 3505)، وصححه الألباني، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 - حديث فضل الصلاة على النبي: سنن الترمذي (حديث رقم 2457)، وحسنه الألباني، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 
أسئلة شائعة (FAQs)
ما هو أفضل دعاء عند الشعور بالضيق الشديد؟
دعاء الكرب “لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ…” ودعاء ذي النون “لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ” هما من أصح وأعظم ما ورد في السنة لتفريج الهموم والكروب.
هل يجوز الدعاء بصيغ من عندي لم ترد في السنة؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة ما لم يكن في دعائه إثم أو قطيعة رحم، لكن الأفضل والأكمل هو الدعاء بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة لأنها جامعة للمعاني ومباركة.
ما هي أوقات استجابة الدعاء؟
يُرجى استجابة الدعاء في أوقات وأحوال معينة، منها: الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، وآخر ساعة من يوم الجمعة، وعند نزول المطر، ودعاء الصائم حتى يفطر.
		
