فقدان الأخ من أشد المصائب التي قد تمر بالإنسان؛ فهو السند والعضيد وشريك الذكريات، وفي خضم الحزن والألم، يفتح الإسلام بابًا للأمل والصلة التي لا تنقطع، وهو الدعاء، الدعاء للميت من أعظم الهدايا التي يقدمها الحي، فهو عمل صالح يمتد أثره لينير قبره ويرفع درجته، ويُعبّر عن أصدق مشاعر الوفاء والمحبة.
في هذا المقال، نستعرض الأدعية الصحيحة المأثورة من السنة النبوية للمتوفى، مع بيان بعض الصيغ العامة التي يمكن الدعاء بها، وتوضيح الأحكام الشرعية المتعلقة بذلك ليكون العمل مقبولاً وموافقًا للهدي النبوي.
أدعية مأثورة من السنة النبوية للميت (وهي أفضل ما يُدعى به)
الأصل في العبادات، ومنها الدعاء، هو الاتباع والالتزام بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهي أدعية جامعة ومباركة، وهذه الأدعية تُقال للميت عمومًا، سواء كان أخًا أو غيره.
1، الدعاء الأشهر في صلاة الجنازة
هذا الدعاء من أجمع الأدعية التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم للميت، وهو دعاء عظيم الفائدة.
“اللَّهُمَّ، اغْفِرْ له وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عنْه، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بالمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الخَطَايَا كما نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِن دَارِهِ، وَأَهْلًا خَيْرًا مِن أَهْلِهِ، وَزَوْجًا خَيْرًا مِن زَوْجِهِ، وَأَدْخِلْهُ الجَنَّةَ، وَأَعِذْهُ مِن عَذَابِ القَبْرِ، أَوْ مِن عَذَابِ النَّارِ.”
المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 963، (حديث صحيح).
- شرح موجز: دعاء شامل يطلب من الله المغفرة والرحمة للميت، وتطهيره من الذنوب، وإكرامه في قبره، وإبداله خيرًا مما كان عليه في الدنيا، وإدخاله الجنة وحمايته من عذاب القبر والنار.
2، دعاء جامع للأحياء والأموات
هذا الدعاء المبارك يشمل بالرحمة والمغفرة جميع المسلمين، الأحياء منهم والأموات، وهو من الأدعية التي يُستحب الدعاء بها.
“اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا، وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا، وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا، وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا، اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الإِسْلاَمِ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الإِيمَانِ، اللَّهُمَّ لاَ تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ، وَلاَ تُضِلَّنَا بَعْدَهُ.”
المصدر: سنن أبي داود، حديث رقم 3201، (صححه الألباني).
- شرح موجز: دعاء يطلب المغفرة لجميع فئات المسلمين، ويسأل الله الثبات على الإسلام والإيمان في الحياة وعند الممات.
صيغ دعاء عامة للأخ المتوفى
إلى جانب الأدعية المأثورة، يجوز للمسلم أن يدعو لأخيه المتوفى بما يفتح الله عليه من صيغ الدعاء الطيبة التي تحمل معاني الرحمة والمغفرة، ما دامت لا تحتوي على مخالفة شرعية، وهذه بعض الأمثلة:
- اللَّهُمَّ يا رحمنُ يا رحيم، ارحم أخي بقدر شوقي إليه، واغفر له بقدر حاجته إلى رحمتك.
- اللَّهُمَّ اجعل قبر أخي روضةً من رياض الجنة، واملأه نورًا وسرورًا وطمأنينة.
- يا رب، أنِر قبرًا وُضع فيه قطعة من قلبي، اللَّهُمَّ ارحم أخي واجعله من المستبشرين بجنات النعيم.
- اللَّهُمَّ إن أخي في ودائعك، فأكرمه بكرمك، وعامله بلطفك، وتجاوز عن سيئاته يا أكرم الأكرمين.
- اللَّهُمَّ اجمعني بأخي في الفردوس الأعلى من الجنة، على سرر متقابلين، في نعيم لا يزول.
- يا رب، ارحم ابتسامته التي لم تفارق ذاكرتي، وصوته الذي لا يزال يتردد في مسامعي، واجعله في جناتك منعمًا.
تنبيه هام حول تخصيص أوقات معينة للدعاء
يكثر بين الناس تخصيص أوقات معينة للدعاء للميت، كالدعاء له في ذكرى وفاته السنوية أو تخصيص يوم الجمعة له على وجه الخصوص، وهنا يجب التوضيح:
- الدعاء يوم الجمعة: يوم الجمعة يوم مبارك، وفيه ساعة إجابة، والدعاء فيه للميت وغيره أمر مستحب ومشروع، وهو من أفضل الأوقات لعموم الدعاء.
- تخصيص ذكرى الوفاة: أما تخصيص يوم ذكرى الوفاة (السنوية) بالدعاء أو الصدقة أو أي عبادة أخرى، فهو أمر لم يرد به دليل من السنة النبوية، ولم يكن من فعل السلف الصالح، والخير كل الخير في اتباع الهدي النبوي، فالدعاء للميت مشروع في كل وقت وحين، دون ربطه بذكرى وفاته.
فضل الدعاء للميت وأثره
الدعاء للميت ليس مجرد كلمات، بل هو عمل عظيم يصل أثره إلى المتوفى ويرفع من درجاته، وقد دلت على ذلك النصوص الشرعية الصحيحة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ.”
المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 1631، (حديث صحيح).
هذا الحديث يؤكد أن دعاء الولد الصالح (ويشمل ذلك دعاء الأخ والقريب) هو من الأعمال التي لا تنقطع وتصل إلى الميت، فينتفع بها في قبره، فالدعاء يخفف عنه، ويُرجى به المغفرة والرحمة ورفعة الدرجات في الجنة.
الصبر عند فقد الأحبة
فقد الأخ ابتلاء عظيم يتطلب صبرًا واحتسابًا، والصبر لا يعني عدم الحزن، فالحزن فطرة بشرية، وقد حزن النبي صلى الله عليه وسلم على موت ابنه إبراهيم، لكن الصبر الحقيقي هو حبس النفس عن الجزع، واللسان عن الشكوى، والجوارح عن الأفعال التي تخالف الشرع (كلطم الخدود وشق الجيوب).
إن تذكر أن الموت قدر محتوم، وأننا جميعًا إلى الله راجعون، وأن الصابرين لهم أجر عظيم عند الله، هو خير معين على تحمل هذا المصاب الجلل، قال تعالى في كتابه الكريم:
“وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ”
المصدر: سورة البقرة، الآيات 155-157.
التعايش مع الفقد يبدأ بالرضا بقضاء الله، وشغل الوقت بالأعمال الصالحة التي يهدي المسلم ثوابها للميت كالدعاء والصدقة، مع اليقين بأن اللقاء الأبدي في جنات النعيم بإذن الله.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآيات 155-157.
- صحيح مسلم، حديث رقم 963، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن أبي داود، حديث رقم 3201، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 1631، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة حول الدعاء للأخ المتوفى
ما هو أفضل دعاء يمكن أن أدعو به لأخي المتوفى؟
أفضل الدعاء هو ما ورد في السنة النبوية الصحيحة، مثل دعاء: “اللَّهُمَّ، اغْفِرْ له وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عنْه…”؛ لأنه دعاء جامع ومبارك قاله النبي صلى الله عليه وسلم.
هل يصل دعائي لأخي بعد وفاته؟
نعم، بإذن الله، دلت الأحاديث الصحيحة، مثل حديث “أو ولد صالح يدعو له”، على أن دعاء الأحياء للأموات يصل إليهم وينتفعون به.
هل يجوز الدعاء باللغة العامية وبما في قلبي؟
نعم، يجوز الدعاء بأي لغة وبما يجيش في صدرك من مشاعر صادقة، فالله يعلم ما في القلوب، ولكن، لا شك أن الدعاء بالأدعية المأثورة باللغة العربية أفضل وأكمل.
ما حكم إقامة مجلس عزاء في ذكرى وفاة أخي السنوية؟
تخصيص يوم ذكرى الوفاة بعمل معين كإقامة مجلس عزاء أو قراءة قرآن جماعية أو دعاء مخصص، يعد من الأمور المحدثة التي لا أصل لها في الشرع، ويجب تجنبها، والأولى هو الدعاء له والصدقة عنه في كل وقت دون تخصيص.
