تُعد أيام شهر ذي الحجة من أعظم الأزمنة المباركة عند الله تعالى، حيث تتجه قلوب المسلمين وأرواحهم نحو الطاعة والعبادة، وفيها يتوجه الحجاج إلى بيت الله الحرام لأداء الركن الخامس من أركان الإسلام، ملبين نداء ربهم، ومتبعين سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
ولا تقتصر بركات هذه الأيام على الحجاج وحدهم، بل تشمل المسلمين كافة، فهي فرصة عظيمة للتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة كالدعاء والصيام والصدقة، ويُعد الدعاء للحجاج، سواء عند توديعهم أو استقبالهم، من أصدق صور المحبة والتعبير عن الفرح بهذه الشعيرة العظيمة، في هذا المقال، نستعرض الأدعية الصحيحة والمأثورة المتعلقة بالحاج، ونوضح حكم بعض الصيغ المنتشرة لتقديم محتوى موثوق ومبني على الدليل الشرعي.
أدعية شرعية ثابتة لتوديع الحاج المسافر
إن توديع المسافر، وخاصة الحاج الذاهب إلى بيت الله الحرام، بسنة النبي صلى الله عليه وسلم هو من أعظم صور المحبة والاتباع، وقد وردت في السنة النبوية الشريفة أدعية صحيحة تُقال للمسافر.
1، دعاء المقيم للمسافر
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يودّع أصحابه إذا أرادوا سفراً بهذا الدعاء:
أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ.
المصدر: سنن الترمذي، حديث حسن صحيح.
كما وردت صيغة أخرى صحيحة أيضاً:
زَوَّدَكَ اللَّهُ التَّقْوَى، وَغَفَرَ ذَنْبَكَ، وَيَسَّرَ لَكَ الْخَيْرَ حَيْثُمَا كُنْتَ.
المصدر: سنن الترمذي، حديث حسن.
2، دعاء الحاج لنفسه عند السفر
يُسن للحاج ولكل مسافر أن يدعو بدعاء السفر عند ركوب دابته (سيارته أو طائرته)، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجاً إلى سفر، كبّر ثلاثاً ثم قال:
سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ، وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى، اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الأَهْلِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ، وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْمَالِ وَالأَهْلِ.
المصدر: صحيح مسلم.
ما يُقال عند استقبال الحاج العائد من السفر
الفرح بعودة الحاج سالماً غانماً من أعظم النعم التي تستوجب الشكر، لم يثبت دعاء بخصوصه يُقال للعائد من الحج، ولكن الدعاء له بالقبول والبركة أمر مشروع ومستحب، وهو من عموم الدعاء للمسلم بالخير، ومن العبارات الطيبة التي يمكن قولها:
- “حج مبرور وسعي مشكور وذنب مغفور.” وهي عبارة حسنة درج على قولها السلف، ومعناها صحيح.
- “تقبل الله حجك، وغفر ذنبك، وأخلف عليك نفقتك.” وهو دعاء طيب يحمل معاني عظيمة.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رجع من سفره قال ما ورد في حديث ابن عمر رضي الله عنهما:
..، وَإِذَا رَجَعَ قَالَهُنَّ وَزَادَ فِيهِنَّ: آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ.
المصدر: صحيح مسلم، (وهذا يقوله الراجع نفسه).
أمثلة على الأدعية المنتشرة والشائعة للحجاج
يتداول الناس العديد من صيغ الدعاء للحجاج عند سفرهم وعودتهم، وهي في مجملها تحمل معاني طيبة ومشاعر صادقة، نذكر هنا بعض الأمثلة الشائعة منها للعلم بها:
- اللهم اجعل حجّهم حجًا مبرورًا وسعيهم مشكورًا وذنبهم مغفورًا.
- نسألك يا الله أن تتقبل صالح أعمالهم وأن تديم عليهم القرب منك وتنير قلوبهم برضاك.
- يا رب اجمعنا وإياهم في بيتك الحرام مرة أخرى واهدنا جميعًا لما تحب وترضى.
- الحمد لله على سلامتكم وعودتكم الميمونة، نسأل الله أن يحفظكم من كل سوء.
- اللهم لك الحمد والشكر على أن أكرمت أحبابنا بأداء فريضة الحج وأعدتهم إلينا سالمين غانمين.
- اللهم تقبل منهم حجهم واكتب أعمالهم الصالحة في ميزان حسناتهم وبارك في مستقبلهم وأيامهم.
تنبيه هام: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه بهذه الكيفية المخصصة، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة، وفيها الخير والبركة.
ما حكم الدعاء بهذه الصيغ المنتشرة؟
الدعاء بعبارات لم ترد في السنة جائز ما دامت معانيها صحيحة ولا تحتوي على محظور شرعي، فالدعاء للحاج بـ “تقبل الله” أو “حج مبرور” أو “غفر الله ذنبك” كلها معانٍ حسنة ومشروعة، لكن لا يجوز اعتقاد أن هذه الصيغ بعينها لها فضل خاص أو أنها سنة مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالأفضل والأكمل هو استخدام الأدعية الثابتة في السنة النبوية الشريفة.
المصادر والمراجع
- سنن الترمذي، حديث رقم 3443، وحديث رقم 3447، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، كتاب الحج، باب ما يقول إذا ركب إلى سفر الحج وغيره، حديث رقم 1342، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة (FAQs)
ما هو أفضل دعاء يقال للحاج عند توديعه؟
أفضل ما يقال هو الدعاء الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم: “أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ”، أو “زَوَّدَكَ اللَّهُ التَّقْوَى، وَغَفَرَ ذَنْبَكَ، وَيَسَّرَ لَكَ الْخَيْرَ حَيْثُمَا كُنْتَ”.
هل هناك دعاء مخصص لاستقبال الحاج العائد؟
لم يثبت في السنة النبوية دعاء مخصص يُقال للحاج عند عودته، ولكن يُستحب الدعاء له بالقبول والبركة، وتهنئته بعبارات طيبة مثل: “تقبل الله حجك” أو “حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً”.
هل قول “حج مبرور” للحاج سُنّة؟
هي عبارة حسنة درج عليها السلف والعلماء، ومعناها صحيح، والدعاء بها للحاج من الأمور الطيبة، ولكنها ليست دعاءً ثابتاً بلفظه عن النبي صلى الله عليه وسلم.

