المرض ابتلاءٌ من الله تعالى، يختبر به صبر عباده ويرفع به درجاتهم، وهو من أقدار الله التي تقتضي اللجوء إليه سبحانه بالدعاء والتضرع، فالدعاء سلاح المؤمن، وبه يطلب العون والشفاء من الشافي الحقيقي، الله عز وجل، إن الوقوف بجانب المريض ودعمه نفسيًا، مع التوجه إلى الله بقلبٍ خاشع، من أعظم أسباب تفريج الكروب ونيل العافية.
إن الرعاية الطبية أساسية، لكنها لا تكتمل إلا بالدعم الإيماني والروحاني، حيث تبعث كلمات المواساة والدعاء الصادق الطمأنينة في قلب المريض، وتمنحه القوة والأمل في رحمة الله وشفائه.
أدعية الشفاء الثابتة في القرآن الكريم والسنة النبوية
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهو جوامع الكلم والخير والبركة، فيما يلي مجموعة من الأدعية الصحيحة والموثوقة لطلب الشفاء للمريض.
عند زيارة المريض
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا عاد مريضًا دعا له بأدعية مخصوصة، منها:
- عن عائشة رضي الله عنها، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ لِلْمَرِيضِ:
«أَذْهِبِ البَاسَ، رَبَّ النَّاسِ، وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي، لا شِفَاءَ إلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا»
(المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 5743).
- وعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ فَقَالَ عِنْدَهُ سَبْعَ مِرَارٍ:
أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ
إِلَّا عَافَاهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ.” (المصدر: سنن أبي داود، حديث حسن).
- كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول للمريض أيضًا:
«لَا بَأْسَ، طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ»
(المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 3616).
دعاء المريض لنفسه عند الشعور بالألم
إذا شعر المريض بألم في جسده، يُسن له أن يضع يده على موضع الألم ويدعو بالدعاء التالي:
- عن عثمان بن أبي العاص الثقفي أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعًا يجده في جسده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِي تَأَلَّمَ مِنْ جَسَدِكَ، وَقُلْ: بِاسْمِ اللهِ، ثَلَاثًا، وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ:
أَعُوذُ بِاللهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ
(المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 2202).
أدعية من القرآن الكريم
تضمن القرآن الكريم أدعية للأنبياء عند الشدة والمرض، وهي من أفضل ما يُدعى به:
- دعاء نبي الله أيوب عليه السلام:
“رَبِّ إِنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ”
[سورة الأنبياء: 83].
أدعية عامة للحفظ والوقاية
هذه الأدعية من أذكار الصباح والمساء، وفيها حفظ وعافية للمسلم من كل سوء بإذن الله:
-
«بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ»
(تُقال ثلاث مرات صباحًا ومساءً)، (المصدر: سنن الترمذي، حديث حسن صحيح).
صيغ وأدعية عامة للشفاء
إلى جانب الأدعية النبوية المأثورة، يمكن للمسلم أن يدعو الله تعالى بما يفتح عليه من صيغ طيبة تشتمل على طلب الشفاء والعافية، وهذه بعض الأمثلة على الأدعية العامة التي يمكن الدعاء بها، مع التنبيه على أنها لم ترد بنصها عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن معانيها صحيحة وجائزة.
- اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ بِأَسْمَائِكَ الحُسْنَى وَصِفَاتِكَ العُلَا، وَبِرَحْمَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ، أَنْ تَمُنَّ عَلَيْنَا بِالشِّفَاءِ التَّامِّ، وَأَلَّا تَدَعَ فِي أَجْسَادِنَا أَلَمًا إِلَّا أَذْهَبْتَهُ، وَلَا سُقْمًا إِلَّا عَافَيْتَهُ، وَأَنْ تُلْبِسَنَا ثِيَابَ الصِّحَّةِ وَالعَافِيَةِ عَاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
- اللَّهُمَّ اشْفِ مَرْضَانَا وَمَرْضَى المُسْلِمِينَ، إِنَّكَ أَنْتَ الشَّافِي، لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا.
- إِلَهِي، لَا مَلْجَأَ لَنَا إِلَّا إِلَيْكَ، فَتَوَلَّنَا بِرَحْمَتِكَ، وَاشْفِ كُلَّ مَرِيضٍ وَعَافِهِ، وَرُدَّهُ إِلَى أَهْلِهِ سَالِمًا مُعَافًى، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
- يَا رَبِّ، بِاسْمِكَ أَرْقِي (اسم الشخص) مِنْ كُلِّ مَا يُؤْذِيهِ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنٍ حَاسِدَةٍ، اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ، أَذْهِبْ عَنْهُ البَأْسَ، وَاشْفِهِ فَأَنْتَ الشَّافِي.
أبرز آداب زيارة المريض
لزيارة المريض في الإسلام آداب عظيمة تساهم في التخفيف عنه وتوفير الراحة له، ومن أهمها:
- اختيار الوقت المناسب: تجنب أوقات راحة المريض أو تلقيه العلاج.
- عدم الإطالة: الزيارة القصيرة تكون أخف على المريض ولا تسبب له الإرهاق.
- تجنب كثرة الأسئلة: عدم الخوض في تفاصيل المرض التي قد تسبب الإحراج أو المشقة.
- الدعاء له بالشفاء: وهو من أعظم ما يُقدَّم للمريض، كما ورد في السنة النبوية.
- إدخال السرور عليه: التحدث معه بما يرفع معنوياته ويُشعره بالتفاؤل والأمل في رحمة الله.
- تذكيره بالصبر والأجر: تشجيعه على الصبر واحتساب الأجر عند الله، ففي ذلك تكفير للسيئات ورفعة للدرجات.
فضل الصبر على المرض وأهمية الدعاء
للصبر على المرض منزلة عظيمة عند الله، فهو من صور الابتلاء التي يكفّر الله بها الخطايا، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ، وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ”
(المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 5641).
وعندما يجمع المؤمن بين الصبر على البلاء واللجوء إلى الله بالدعاء، فإنه يحقق كمال العبودية لله، فالدعاء هو العبادة، وهو وسيلة التواصل المباشرة مع الخالق سبحانه، الذي بيده مقاليد كل شيء، وهو القادر على كشف الضر ورفع البلاء.
الحكمة من الابتلاء بالمحن
للابتلاءات التي تصيب الإنسان حِكَمٌ عظيمة، منها:
- تحقيق العبودية لله: ففي الشدة يظهر صدق إيمان العبد وتوكله على ربه.
- تكفير الذنوب ورفع الدرجات: فما يصيب المؤمن من بلاء يكون سببًا لمحو خطاياه وزيادة حسناته إذا صبر واحتسب.
- تعزيز التوحيد: حيث يدرك الإنسان ضعفه وحاجته إلى الله، فيزداد تعلقًا به وإخلاصًا له.
- كشف معادن الناس: ففي المحن يتميز الصديق الصادق من غيره.
المصادر والمراجع
- سورة الأنبياء، الآية 83.
- صحيح البخاري، حديث رقم 5743، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح البخاري، حديث رقم 3616، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح البخاري، حديث رقم 5641، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 2202، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن أبي داود، حديث رقم 3106، وحسنه الألباني، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، حديث رقم 3373، وصححه الألباني، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة حول دعاء الشفاء
ما هي أفضل أوقات الدعاء للمريض؟
الدعاء للمريض مشروع في كل وقت، ولكن هناك أوقات يُرجى فيها إجابة الدعاء أكثر من غيرها، مثل: الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، وآخر ساعة من يوم الجمعة، كما أن دعاء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجاب بإذن الله.
هل يجوز الدعاء للمريض بصيغ من عندي؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو للمريض بأي صيغة طيبة من عنده، ما لم تتضمن اعتداءً في الدعاء أو مخالفة شرعية، والأفضل هو الجمع بين الأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء بما يفتح الله به على العبد من الخير.
ما هو حكم تخصيص دعاء للمريض باسمه؟
لا حرج في ذلك، بل هو من تمام الإخلاص في الدعاء، يمكن للداعي أن يقول: “اللهم اشفِ عبدك فلانًا”، أو يذكر اسمه في سياق الأدعية العامة، فهذا أدعى لحضور القلب والتوجه إلى الله بطلب محدد.



