فَقدُ الأحبّةِ من أشدّ المِحن التي تمرّ بالإنسان، وهو ابتلاءٌ يختبرُ فيه اللهُ صبرَ عباده، والموتُ حقيقةٌ لا مفرّ منها، وسُنّةٌ إلهيةٌ جاريةٌ في الخلق، وإنّ خيرَ ما يقدّمه المرءُ لمن فقدهم هو الدعاءُ الصادق لهم بالرحمة والمغفرة، فهو من أعظم الأعمال التي يصل أثرها إلى الميت في قبره، وتُنير له عتمته وتُؤنس وحشته.
في هذا المقال، نستعرض مجموعة من الأدعية الموثوقة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، مع بيان مصادرها، بالإضافة إلى بعض صيغ الدعاء العامة التي يمكن الاستئناس بها، سائلين الله أن يرحم موتانا وموتى المسلمين جميعًا.
أدعية ثابتة من القرآن والسنة للمتوفى
الأصل في العبادات، ومنها الدعاء، هو الاتباع والالتزام بما ورد عن الله تعالى في كتابه، وعن نبيه صلى الله عليه وسلم في سنته الصحيحة، وهذه الأدعية هي الأعظم بركة والأكثر نفعًا بإذن الله.
من السنة النبوية الشريفة
وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم أدعية جامعة ومباركة تُقال للميت، خاصة في صلاة الجنازة وعند زيارة القبور:
- دعاء صلاة الجنازة الشامل:عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه، قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة، فحفظت من دعائه وهو يقول:
«اللَّهُمَّ، اغْفِرْ له وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عنْه، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بالمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الخَطَايَا كما نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِن دَارِهِ، وَأَهْلًا خَيْرًا مِن أَهْلِهِ، وَزَوْجًا خَيْرًا مِن زَوْجِهِ، وَأَدْخِلْهُ الجَنَّةَ، وَأَعِذْهُ مِن عَذَابِ القَبْرِ، أَوْ مِن عَذَابِ النَّارِ».
المصدر: حديث صحيح، رواه مسلم.
- دعاء للمسلمين جميعًا (الأحياء والأموات):عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلَّى على جنازة يقول:
«اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا، وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا، وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا، وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا، اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الإِسْلاَمِ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الإِيمَانِ، اللَّهُمَّ لاَ تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ، وَلاَ تُضِلَّنَا بَعْدَهُ».
المصدر: حديث صحيح، رواه أبو داود والترمذي.
من القرآن الكريم
يمكن الدعاء للموتى بأدعية قرآنية عامة تشمل طلب المغفرة والرحمة للمؤمنين السابقين، ومن أجمعها:
“رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ”
المصدر: [سورة الحشر: 10].
صيغ دعاء عامة للمتوفى
تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله الناس من أدعية حسنة المعنى، ولم تثبت بنصها عن النبي صلى الله عليه وسلم، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة، ويمكن الدعاء بهذه الصيغ العامة على سبيل الاستئناس ما لم تخالف الشرع.
- اللَّهُمَّ إنَّه عبدُك وابنُ عبدِك، كان يشهدُ أن لا إله إلا أنت وأنَّ محمدًا عبدُك ورسولُك وأنت أعلمُ به، اللَّهُمَّ إن كان محسنًا فزِد في إحسانه، وإن كان مسيئًا فتجاوز عن سيئاته، اللَّهُمَّ لا تحرمنا أجره ولا تفتنّا بعده.
- اللَّهُمَّ أنزله منازل الصديقين والشهداء والصالحين، وحَسُن أولئك رفيقًا.
- اللَّهُمَّ اجعل قبره روضةً من رياض الجنة، ولا تجعله حفرةً من حفر النار.
- اللَّهُمَّ افسح له في قبره مدّ بصره، وافرش قبره من فراش الجنة.
- اللَّهُمَّ إنَّه في ذمتك وحبل جوارك، فقِهِ فتنة القبر، وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، فاغفر له وارحمه، إنك أنت الغفور الرحيم.
- اللَّهُمَّ عامله بما أنت أهله، ولا تعامله بما هو أهله، وأجزه عن الإحسان إحسانًا، وعن الإساءة عفوًا وغفرانًا.
- اللَّهُمَّ يمّن كتابه، ويسّر حسابه، وثقّل بالحسنات ميزانه، وثبّت على الصراط أقدامه، وأسكنه في أعلى الجنات، بجوار حبيبك ومصطفاك صلى الله عليه وسلم.
وسائل شرعية للصبر على ابتلاء فقد الأحبة
الصبر عند المصيبة من أعظم مقامات الإيمان، وقد أرشدنا الشرع إلى وسائل تعين على الثبات والرضا بقضاء الله وقدره:
- استحضار الأجر العظيم للصابرين: اليقين بأن الله تعالى يوفّي الصابرين أجرهم بغير حساب هو أعظم دافع للتحمل، قال تعالى:
“إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ”
[الزمر: 10].
- التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم: تذكُّر مصيبة الأمة بوفاة نبيها محمد صلى الله عليه وسلم يهوّن كل مصيبة بعدها، قال عليه الصلاة والسلام: “مَنْ أُصِيبَ بِمُصِيبَةٍ فَلْيَذْكُرْ مُصِيبَتَهُ بِي؛ فَإِنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ الْمَصَائِبِ”، (رواه الدارمي، وصححه الألباني).
- إدراك حقيقة الدنيا والموت: فهم أن الدنيا دار فناء وامتحان، وأن الموت سبيل الأولين والآخرين، وأن المرجع إلى الله تعالى، يعين على تقبل الأمر، قال تعالى:
“كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”
[آل عمران: 185].
- الرضا بقضاء الله وقدره: الإيمان بأن ما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن كل شيء بقدر الله وحكمته، يجلب الطمأنينة للقلب.
- الاسترجاع واللجوء إلى الله: قول “إنا لله وإنا إليه راجعون” عند وقوع المصيبة، واللجوء إلى الله بالصلاة والدعاء، من أعظم أسباب تفريج الكرب ونيل الأجر.
المصادر والمراجع
- سورة الزمر، الآية 10.
- سورة آل عمران، الآية 185.
- سورة الحشر، الآية 10.
- صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب الدعاء للميت في الصلاة، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن أبي داود، كتاب الجنائز، باب الدعاء للميت، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة حول الدعاء للميت
ما هو أفضل دعاء للميت؟
أفضل الدعاء هو ما كان مأثورًا وثابتًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه دعاء جامع للمعاني، مبارك، وموافق لما يحبه الله ويرضاه، ومن أعظم ذلك دعاؤه في صلاة الجنازة: “اللَّهُمَّ، اغْفِرْ له وَارْحَمْهُ…”.
هل يصل ثواب الدعاء للميت؟
نعم، بإجماع أهل العلم، يصل ثواب الدعاء والصدقة والحج والعمرة وغيرها من الأعمال الصالحة إلى الميت، وينتفع بها بإذن الله، وذلك للأدلة الكثيرة من القرآن والسنة.
ما هي أفضل الأوقات للدعاء للميت؟
الدعاء للميت مشروع في كل وقت، ولكن يُستحب تحري أوقات إجابة الدعاء، مثل: الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، وآخر ساعة من يوم الجمعة، وعند نزول المطر.
