الدعاء للوالدين من أعظم صور البر والإحسان، وهو قربةٌ يتقرب بها العبد إلى الله شكرًا لنعمته وعرفانًا بفضل والديه، فالأب والأم هما النعمة الأسمى التي وهبها الله لنا، وقد قرن الله سبحانه وتعالى حقهما بحقه في مواضع عدة من كتابه الكريم، مما يدل على عظيم مكانتهما، وإن أقل ما يمكن تقديمه لهما ردًا لجميلهما هو التوجه إلى الله بالدعاء الصادق لهما بالصحة والعافية وطول العمر على طاعته، في حياتهما وبعد مماتهما.

أدعية للوالدين من القرآن الكريم

ورد في القرآن الكريم أدعية مباركة جامعة لخيري الدنيا والآخرة، علمنا الله إياها لندعو بها لأنفسنا ولوالدينا، وهذه الأدعية هي الأفضل والأكمل لأنها كلام الله سبحانه وتعالى، ومن هذه الأدعية:

• دعاء الرحمة والمغفرة العام: وهو من أجمع الأدعية وأشهرها، وقد أمر الله به مباشرة في كتابه.
  

  “وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا”

  (سورة الإسراء، الآية 24).

• دعاء نبي الله نوح عليه السلام: وهو دعاء بالمغفرة للوالدين ولعموم المؤمنين.
  

  “رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ”

  (سورة نوح، الآية 28).

• دعاء نبي الله إبراهيم عليه السلام: دعاء جامع بالمغفرة يوم يقوم الحساب.
  

  “رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ”

  (سورة إبراهيم، الآية 41).

• دعاء الشكر والعمل الصالح: وهو دعاء نبي الله سليمان عليه السلام، وفيه سؤال الله التوفيق لشكر نعمه على العبد وعلى والديه.
  

  “رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ”

  (سورة النمل، الآية 19).

أدعية للوالدين من السنة النبوية الصحيحة

حث النبي صلى الله عليه وسلم على الدعاء للوالدين، وبيّن أن دعاء الولد الصالح لوالديه عمل لا ينقطع أجره حتى بعد وفاتهما، ومن الأدعية المأثورة في السنة:

• للوالدين المتوفين: الدعاء بالمغفرة والرحمة، وهو من أعظم ما يُقدّم لهما بعد الموت، وقد ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
  

  “إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ”

  (رواه مسلم، حديث صحيح)

  ويمكن الدعاء لهما بالدعاء النبوي للميت:

  “اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُمَا وَارْحَمْهُمَا وَعَافِهِمَا وَاعْفُ عَنْهُمَا، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُمَا وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُمَا، وَاغْسِلْهُمَا بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِمَا مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُمَا دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِمَا، وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِمَا، وَأَدْخِلْهُمَا الْجَنَّةَ وَأَعِذْهُمَا مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ النَّارِ”

  (مأخوذ من حديث رواه مسلم بصيغة المفرد، ويُشرع الدعاء به للوالدين بصيغة التثنية).

أدعية عامة وصيغ جامعة للوالدين الأحياء

إلى جانب الأدعية المأثورة من القرآن والسنة، يمكن للمسلم أن يدعو لوالديه بما يفتح الله عليه من الخير، ما لم يكن في الدعاء إثم أو قطيعة رحم، وهذه بعض الصيغ الطيبة التي تجمع خيري الدنيا والآخرة.

تنبيه هام: هذه الصيغ هي أدعية عامة ومما يتداوله الناس، ولم تثبت بنصها الحرفي عن النبي صلى الله عليه وسلم، والأصل هو الالتزام بالأدعية الواردة في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي جامعة للخير ومباركة، ويمكن للمسلم أن يدعو بما يفتح الله عليه من صيغ طيبة لا تخالف الشرع.

دعاء بطول العمر والصحة والعافية

• اللَّهُمَّ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، نَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الْأَعْظَمِ الَّذِي إِذَا دُعِيتَ بِهِ أَجَبْتَ، أَنْ تَمُنَّ عَلَى وَالِدَيَّ بِالصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ، وَأَنْ تُطِيلَ أَعْمَارَهُمَا فِي طَاعَتِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ..
• اللَّهُمَّ أَلبِسْهُمَا ثَوْبَ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ عَاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَاحْفَظْهُمَا بِحِفْظِكَ، وَاكْلَأْهُمَا بِرِعَايَتِكَ، وَارْزُقْهُمَا رَاحَةَ الْبَالِ وَطُمَأْنِينَةَ الْقَلْبِ..
• يَا رَبِّ، اسْتَوْدَعْتُكَ قَلْبَ أُمِّي وَأَبِي وَصِحَّتَهُمَا وَسَعَادَتَهُمَا، اللَّهُمَّ اجْعَلْ أَعْيُنَهُمَا لَا تَرَى إِلَّا خَيْرًا، وَلَا تَذُقْ أَرْوَاحُهُمَا إِلَّا سَعَادَةً، وَاحْفَظْهُمَا لَنَا يَا خَيْرَ حَافِظًا..

دعاء لشفاء الوالدين

إذا أصاب الوالدين مرض أو سقم، فالدعاء لهما بالشفاء من أعظم صور البر، ويُستحب تحري أوقات الإجابة والدعاء بيقين.

• اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ، أَذْهِبِ الْبَأْسَ، اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِي، لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا، اللَّهُمَّ اشْفِ أُمِّي وَأَبِي وَعَافِهِمَا..
• اللَّهُمَّ اشْفِهِمَا شِفَاءً لَيْسَ بَعْدَهُ سَقَمٌ أَبَدًا، اللَّهُمَّ خُذْ بِأَيْدِيهِمَا، اللَّهُمَّ احْرُسْهُمَا بِعَيْنِكَ الَّتِي لَا تَنَامُ، وَاكْفِهِمَا بِرُكْنِكَ الَّذِي لَا يُرَامُ، وَاحْفَظْهُمَا بِعِزِّكَ الَّذِي لَا يُضَامُ..
• اللَّهُمَّ اجْعَلْ كُلَّ أَلَمٍ وَوَجَعٍ يُعَانِيَانِ مِنْهُ تَكْفِيرًا لِذُنُوبِهِمَا وَرِفْعَةً فِي دَرَجَاتِهِمَا، وَأَنْزِلْ عَلَيْهِمَا عَافِيَتَكَ وَرَحْمَتَكَ يَا أَكْرَمَ الْأَكْرَمِينَ..

دعاء بالبركة والرضا والسعادة

• اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا بِرَّهُمَا وَرِضَاهُمَا، وَأَعِنَّا عَلَى طَاعَتِهِمَا وَخِدْمَتِهِمَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُرْضِيكَ عَنَّا، وَاجْعَلْنَا لَهُمَا قُرَّةَ عَيْنٍ..
• اللَّهُمَّ أَسْعِدْ قُلُوبَ وَالِدَيَّ، وَاجْعَلِ الطُّمَأْنِينَةَ تُرَافِقُ دُرُوبَهُمَا، وَبَارِكْ فِي أَعْمَارِهِمَا وَأَعْمَالِهِمَا، وَاجْعَلْهُمَا مِنْ أَهْلِ الْفِرْدَوْسِ الْأَعْلَى..
• اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُمَا جَمِيعَ مَا مَضَى مِنْ ذُنُوبِهِمَا، وَاعْصِمْهُمَا فِيمَا بَقِيَ مِنْ أَعْمَارِهِمَا، وَارْزُقْهُمَا عَمَلًا صَالِحًا زَكِيًّا تَرْضَى بِهِ عَنْهُمَا..

فضل بر الوالدين وأهمية الدعاء لهما

مكانة الوالدين في الإسلام عظيمة، فبرهما من أحب الأعمال إلى الله بعد التوحيد، وقد أمر الله تعالى بالإحسان إليهما في قوله:

“وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا”

(سورة الإسراء، الآية 23)

وبرهما لا يقتصر على رعايتهما المادية، بل يمتد ليشمل الدعاء لهما، وهو من أعظم صور البر، خاصة أن دعاء الوالد لولده مستجاب، كما جاء في الحديث:

“ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ”

(رواه الترمذي، حديث حسن)

فالدعاء لهما هو وفاء بحقهما، وسبب للبركة في الرزق والعمر، وطريق لنيل رضا الله سبحانه وتعالى ودخول الجنة.

أسئلة شائعة (FAQs)

ما هو أفضل دعاء للوالدين؟

أفضل الأدعية هي تلك الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، لأنها جامعة للخير ومباركة، ومن أجمعها قول الله تعالى: “رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا”.

هل يجوز الدعاء للوالدين بأي صيغة أو باللغة العامية؟

نعم، يجوز للمسلم أن يدعو لوالديه بما يشاء من خير الدنيا والآخرة، وبأي لغة أو صيغة، ما دام معنى الدعاء صحيحًا ولا يخالف الشريعة الإسلامية، فالله سبحانه وتعالى يعلم ما في القلوب ويستجيب الدعاء الصادق، ولكن، يظل الدعاء بالأدعية المأثورة أفضل وأكمل.

كيف يمكنني أن أبر والديّ بعد وفاتهما؟

يستمر بر الوالدين بعد وفاتهما من خلال عدة أعمال، أهمها: الدعاء والاستغفار لهما، والتصدق عنهما، وقضاء ما عليهما من ديون أو نذور، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما (كالأعمام والأخوال وأصدقائهما المقربين)، وإنفاذ وصيتهما الشرعية.

عن احمد نصر

بقلم: أحمد نصر باحث ومحرر محتوى إسلامي متخصص في قسم الأدعية بموقع [أُوني]، يكرس جهوده لجمع وتدقيق الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتقديمها للمسلمين في إطار موثوق وسهل الفهم، يسعى أحمد لتقديم محتوى ديني يعزز الصلة بالله ويستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة.

جميع مقالات احمد نصر