نعم، فالدين الإسلامي الحنيف يقدم للمسلم منهجًا متكاملًا للتعامل مع تحديات النفس ولحظات الضعف، ويرشدنا الكتاب والسنة النبوية الصحيحة إلى ما يعين على تجاوز المحن ويغرس في القلب الأمل والثقة برحمة الله عز وجل.
ويُعد الدعاء من أعظم العبادات، فهو صلة مباشرة بين العبد وربه، به يطمئن القلب وتسكن النفس، وقد أمرنا الله تعالى بالصبر والاستعانة به، كما قال رسول الله ﷺ في الحديث الصحيح:
“الْمُؤْمِنُ القَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وفي كُلٍّ خَيْرٌ…”
رواه مسلم.
لذا، على المسلم أن يتمسك بالصبر، ويُلِحَّ في الدعاء، ويتوكل على الله في كل أموره، يقينًا بأن الفرج مع الكرب، وأن رحمة الله وسعت كل شيء.
أدعية ثابتة من السنة النبوية لليأس الشديد وفك الكرب
أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى أدعية جامعة ومباركة تُقال عند الشعور بالضيق والهم والحزن، وهي من أعظم ما يُعين على تفريج الكروب، من هذه الأدعية الصحيحة:
- دعاء الكرب: عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب:
“لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ”.
(متفق عليه: رواه البخاري ومسلم)، هذا الدعاء يُبرز عظمة الله وحلمه، ويدعو المسلم إلى تسليم أمره لله بيقين تام.
- دعاء ذي النون (يونس عليه السلام): وهو الدعاء الذي دعا به وهو في بطن الحوت، وقد ورد فضله في حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
“دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ”.
(رواه الترمذي وصححه الألباني)، والآية وردت في سورة الأنبياء.
- دعاء الهم والحزن: وهو من الأدعية النبوية الجامعة التي تُذهب الهم وتجلب الفرج بإذن الله، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“ما أصاب أحدًا قط همٌّ ولا حزنٌ، فقال: اللَّهمَّ إنِّي عبدُكَ، وابنُ عبدِكَ، وابنُ أمتِكَ، ناصيتي بيدِكَ، ماضٍ فيَّ حكمُكَ، عدلٌ فيَّ قضاؤُكَ، أسألُكَ بِكُلِّ اسمٍ هوَ لَكَ، سمَّيتَ بِهِ نفسَكَ، أو أنزلتَهُ في كتابِكَ، أو علَّمتَهُ أحدًا من خلقِكَ، أوِ استأثرتَ بِهِ في علمِ الغيبِ عندَكَ، أن تجعلَ القرآنَ ربيعَ قلبي، ونورَ صدري، وجلاءَ حُزني، وذَهابَ همِّي، إلَّا أذهبَ اللَّهُ همَّهُ وحزنَهُ، وأبدلَهُ مكانَهُ فرجًا”.
(رواه أحمد، حديث صحيح).
- الاستعاذة من مسببات الهم: كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الدائم، كما روى أنس بن مالك رضي الله عنه:
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ”.
(رواه البخاري).
أدعية من القرآن الكريم للطمأنينة والصبر
القرآن الكريم هو شفاء لما في الصدور، وقد حوى أدعية مباركة دعا بها الأنبياء والصالحون، وهي من أفضل ما يدعو به المسلم في كل وقت، خاصة عند الشعور بالضيق أو الخوف.
- دعاء نبي الله أيوب عليه السلام عند اشتداد البلاء، وهو مثال عظيم في الصبر واليقين برحمة الله:
“أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ”
[سورة الأنبياء: 83].
- دعاء نبي الله موسى عليه السلام عندما أُمر بدعوة فرعون، وهو دعاء لطلب انشراح الصدر وتيسير الأمر:
“رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي”
[سورة طه: 25-26].
- دعاء جامع لخيري الدنيا والآخرة، وكان من أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:
“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”
[سورة البقرة: 201].
- دعاء المؤمنين عند مواجهة الشدائد، يجمع بين طلب الصبر والثبات والنصر:
“رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ”
[سورة البقرة: 250].
- دعاء أصحاب الكهف، وهو طلب للرحمة الإلهية والهداية في الأمر كله:
“رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا”
[سورة الكهف: 10].
- دعاء آدم وحواء عليهما السلام، وهو أصل التوبة والاعتراف بالذنب وطلب المغفرة:
“رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ”
[سورة الأعراف: 23].
صيغ شائعة وأدعية عامة لتفريج الهموم
تنتشر بين الناس بعض الأدعية والصيغ التي لم ترد في نصوص الكتاب أو السنة، ولكنها تحمل معاني طيبة، يجوز الدعاء بها ما لم تتضمن محذورًا شرعيًا، مع العلم أن الأفضل والأكمل هو الالتزام بالأدعية المأثورة، من أمثلة هذه الأدعية العامة:
- اللهم يا ربّ العرش العظيم، اجعل قلوبنا ممتلئة بالإيمان والرضا بأقدارك، ونسألك ألا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، وأن تغمرنا بفضلك وكرمك.
- يا الله يا مَن لا يعجزك شيء في السماء ولا في الأرض، ارزقنا السكينة وراحة البال، وأبعد عنا الهموم والأحزان كما باعدت بين المشرق والمغرب.
- اللّهُم يا مُيسّر كل عسير، ويا جابر كل كسير، اجعل لنا من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ومن كل بلاء عافية.
- يا سامع الدعوات، ويا عالم الخفيات، ارفع عنّا الأعباء التي أثقلت أرواحنا، وحوّل أحزاننا إلى أفراح، واجعل الطمأنينة تسكن قلوبنا.
تنبيه هام وحكم هذه الأدعية: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة، وفيها الخير كله، أما الدعاء بصيغ عامة بمعانٍ صحيحة فهو جائز، لكن لا يجوز نسبتها إلى الشرع أو اعتقاد فضل خاص بها لم يرد به دليل.
شروط وآداب الدعاء
لكي يكون الدعاء أقرب للإجابة، أرشدنا الشرع إلى شروط وآداب ينبغي للمسلم مراعاتها، منها:
- الإخلاص لله تعالى: أن يكون الدعاء خالصًا لوجه الله وحده لا شريك له.
- الثقة واليقين بالإجابة: أن يدعو المسلم وهو موقن بأن الله سيستجيب له، كما جاء في الحديث: “ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ”، (رواه الترمذي، حديث حسن).
- حضور القلب والخشوع: أن يكون الداعي متضرعًا خاشعًا، مستحضرًا عظمة من يدعوه.
- عدم الاستعجال: ألا يستعجل الإجابة فيقول: “دعوتُ فلم يُستجب لي”، فالله يجيب عبده بما هو خير له في وقته الذي يراه سبحانه.
- تحري الحلال: أن يكون مطعم المسلم ومشربه وملبسه من حلال، فهو من أعظم أسباب إجابة الدعاء.
- البدء بحمد الله والثناء عليه والصلاة على النبي ﷺ: فهذا من آداب الدعاء التي تفتح له أبواب القبول.
إرشادات عملية للتعامل مع مشاعر اليأس
إلى جانب الدعاء، هناك خطوات عملية تعين المسلم على تجاوز لحظات الضعف واليأس:
- حسن الظن بالله: تذكر دائمًا أن كل ما يصيبك هو بتقدير الله، وأن بعد العسر يسرًا، ثق بأن الله أرحم بك من نفسك، وأن اختياره لك خير من اختيارك لنفسك.
- المداومة على الذكر: اجعل لسانك رطبًا بذكر الله، خاصة الاستغفار والتسبيح والتهليل، فبذكر الله تطمئن القلوب.
- التعلق بالقرآن الكريم: خصص وقتًا يوميًا لتلاوة القرآن وتدبر معانيه، فهو النور الذي يبدد ظلمات الصدر ويزيل الهموم.
- الصحبة الصالحة: أحط نفسك بمن يذكرونك بالله ويعينونك على طاعته، فالمرء على دين خليله.
- الأخذ بالأسباب: توكل على الله مع الأخذ بالأسباب المشروعة لتغيير واقعك نحو الأفضل، سواء كانت أسبابًا دينية أو دنيوية.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 201.
- سورة البقرة، الآية 250.
- سورة الأعراف، الآية 23.
- سورة الكهف، الآية 10.
- سورة طه، الآيتان 25-26.
- سورة الأنبياء، الآية 83.
- صحيح البخاري، كتاب الدعوات، باب الدعاء عند الكرب، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب دعاء الكرب، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، كتاب الدعوات، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- مسند الإمام أحمد، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة
ما هو أفضل دعاء لتفريج الكرب الشديد؟
يعتبر “دعاء الكرب” الذي رواه البخاري ومسلم: “لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ…” من أصح وأعظم الأدعية الثابتة عن النبي ﷺ عند الشدائد، وكذلك دعاء ذي النون: “لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ” الذي ورد أن ما دعا به مكروب إلا فرّج الله عنه.
هل يجوز الدعاء بصيغ من عندي غير واردة في السنة؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يفتح عليه من كلام طيب لا يخالف الشرع، كأن يسأل الله حاجته بأسلوبه الخاص، لكن الأفضل والأكمل والأكثر بركة هو الالتزام بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة، لأنها جامعة للمعاني، وأبعد عن الخطأ، وأقرب للإجابة.
ما هي الأوقات التي يُستجاب فيها الدعاء؟
هناك أوقات وأحوال عديدة يُرجى فيها إجابة الدعاء، منها: الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، وآخر ساعة من يوم الجمعة، وعند نزول المطر، ودعاء الصائم حتى يفطر.
