دعاء ليلة القدر الذي أوصى به الرسول محمد كامل

في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، يتزايد إقبال المسلمين على الطاعة والعبادة، راجين رحمة الله ومغفرته، خاصة في الليالي الوترية التي يُتحرّى فيها ليلة القدر، ويُعد الدعاء من أعظم القربات في هذه الأوقات الفاضلة، حيث يفتح للمسلم أبواب الخير ويقرّبه من خالقه، وقد وردت في السنة النبوية الشريفة أدعية جامعة ومباركة، ترشد المسلم إلى ما ينفعه في دينه ودنياه وآخرته.

دعاء ليلة القدر الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم

أرشد النبيُّ صلى الله عليه وسلم أمته إلى أفضل ما يُقال في ليلة القدر، وهي ليلة عظيمة القدر، خيرٌ من ألف شهر، فعن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: (يا رَسولَ اللهِ، أرأيتَ إنْ عَلِمْتُ أيُّ ليلةٍ ليلةُ القَدْرِ، ما أقولُ فيها؟)، فأجابها النبي صلى الله عليه وسلم بالدعاء الجامع الذي ينبغي لكل مسلم أن يلهج به في هذه الليلة المباركة.

  • الدعاء المأثور:

    اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي.

    .

هذا الحديث الصحيح يُظهر حرص النبي ﷺ على تعليم أمته جوامع الكلم، فالعفو هو طلب المحو والتجاوز عن الذنوب والآثام، وفي هذا الدعاء اعتراف من العبد بحاجته إلى عفو الله، وإقرار بصفة من أعظم صفاته سبحانه، فهو العفوّ الكريم الذي يحب أن يعفو عن عباده، وهذا يفتح باب الرجاء والأمل في مغفرته الواسعة.

  • المصدر وتخريج الحديث: رواه الترمذي (حديث رقم 3513) وابن ماجه (حديث رقم 3850)، وصححه الألباني.

إن الالتزام بهذا الدعاء النبوي هو خير ما يتقرب به العبد إلى ربه في ليلة القدر، فهو يجمع بين الثناء على الله بصفة العفو، وطلب أعظم ما يحتاجه الإنسان وهو محو الذنوب وستر العيوب.

دعاء اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني مكتوب بخط جميل

أدعية مأثورة من القرآن والسنة يُستحب الإكثار منها

إلى جانب الدعاء المخصوص بليلة القدر، كان النبي صلى الله عليه وسلم يُكثر من أدعية جامعة في كل وقت، ويُستحب للمسلم أن يدعو بها في العشر الأواخر لما فيها من خير عظيم، وهذه بعض الأدعية الثابتة في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة:

  • من القرآن الكريم: دعاء الراسخين في العلم بالثبات على الهداية.

    “رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ” [آل عمران: 8].

    .

  • من السنة النبوية: دعاء للاستعاذة من الهموم والمصاعب.

    “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ.” (صحيح البخاري، حديث رقم 6369)

    .

  • من السنة النبوية: دعاء جامع لطلب العفو والعافية في الدين والدنيا والأهل والمال.

    “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي، اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي.” (سنن أبي داود، حديث رقم 5074، وصححه الألباني)

    .

  • من السنة النبوية: دعاء الكرب وطلب صلاح الشأن كله.

    “اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو، فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ.” (سنن أبي داود، حديث رقم 5090، حديث حسن)

    .

  • من السنة النبوية: دعاء يُستحب قوله في أذكار الصباح والمساء.

    “يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، وَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ.” (رواه الحاكم وصححه، وحسنه الألباني)

    .

  • من السنة النبوية: دعاء جامع لصلاح الدين والدنيا والآخرة.

    “اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ.” (صحيح مسلم، حديث رقم 2720)

    .

صيغ وأدعية عامة شائعة في العشر الأواخر

يتداول الناس في العشر الأواخر من رمضان بعض الأدعية والصيغ التي لم ترد بنصها المحدد في القرآن أو السنة، ولكن معانيها صحيحة ولا تخالف الشرع، يجوز للمسلم أن يدعو بها وبغيرها مما يفتح الله عليه به، ما لم تتضمن محظورًا شرعيًا، ومن أمثلة هذه الأدعية العامة:

  • اللهم إنّا نسألك أن ترفع ذكرنا، وتغفر ذنوبنا، وتطهر قلوبنا، وتحصّن فروجنا، وتجعلنا من أهل الفردوس الأعلى في الجنة.
  • اللهم اجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم، وأدم علينا نعمة شكرك وذكرك، وثبت قلوبنا على طاعتك.
  • اللهم أنعم علينا بقلوب سليمة، ونفوس مطمئنة، وارزقنا رزقًا حلالًا طيبًا مباركًا فيه.
  • اللهم إن كانت هذه ليلة القدر، فاقسم لنا فيها من خير ما قسمت، واختم لنا في قضائك من خير ما ختمت، واجعلنا من عتقائك من النار.
  • اللهم اعتق رقابنا ورقاب آبائنا وأمهاتنا وأزواجنا وذرياتنا من النار، واجعلنا ممن تباهي بهم ملائكتك يا أرحم الراحمين.

تنبيه هام: هذه الصيغ هي أدعية عامة مما يتداوله الناس، ولم تثبت بنصها عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة، ويجوز الدعاء بما سبق على أنه دعاء عام لا يُنسب إلى الشرع بخصوصه.

مكانة وفضل ليلة القدر في الإسلام

ليلة القدر هي أعظم الليالي، وقد أنزل الله في شأنها سورة كاملة، فقال تعالى:

“إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)” [سورة القدر].

وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم فضل قيامها إيمانًا واحتسابًا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال:

“مَن قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَانًا واحْتِسَابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ.” (متفق عليه: صحيح البخاري 2014، وصحيح مسلم 760)

ومعنى (إيمانًا) أي تصديقًا بوعد الله بالثواب عليه، و(احتسابًا) أي طلبًا للأجر والثواب، لا لغرض آخر من رياء أو سمعة.

فضل قيام ليلة القدر والعشر الأواخر من رمضان

أبرز علامات ليلة القدر كما ورد في السنة

وردت بعض العلامات التي قد يستدل بها على ليلة القدر، وإن كان الأهم هو الاجتهاد في العشر كلها، ومن هذه العلامات الثابتة في الأحاديث الصحيحة:

  • صفاء الليلة وهدوؤها: تكون ليلة ساكنة، معتدلة، لا حارة ولا باردة.
  • شروق الشمس في صبيحتها: تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها، كما ورد في حديث أُبي بن كعب رضي الله عنه، (صحيح مسلم، حديث رقم 762).
  • نور القمر: قد يلاحظ قوة الإضاءة والنور في تلك الليلة.

والحكمة في إخفاء موعدها هي تحفيز المسلمين على الاجتهاد في العبادة في العشر الأواخر كلها، لينالوا أجر الاجتهاد وفضل إدراكها.

آداب الدعاء وشروط استجابته

للدعاء آداب يُرجى بها القبول والإجابة، خاصة في الأوقات الفاضلة كليلة القدر، ومن أهم هذه الآداب:

  • البدء بحمد الله والثناء عليه: أن يبدأ الداعي بحمد الله وشكره.
  • الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: أن يصلي على النبي ﷺ في أول الدعاء وأوسطه وآخره.
  • الإخلاص وحضور القلب: أن يكون الدعاء بقلب حاضر، موقن بالإجابة.
  • التوبة ورد المظالم: فالمعاصي من موانع إجابة الدعاء.
  • الإلحاح في الدعاء: تكرار الدعاء وعدم استعجال الإجابة.
  • الدعاء بأسماء الله الحسنى: التوسل إلى الله بأسمائه وصفاته.
  • تحري أوقات الإجابة: مثل الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، وفي ليلة القدر.

المصادر والمراجع

أسئلة شائعة

ما هو أفضل دعاء في ليلة القدر؟

أفضل دعاء هو ما ورد في الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها: “اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي”.

هل يجب الالتزام بصيغة دعاء معينة في ليلة القدر؟

الأفضل هو الالتزام بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة الصحيحة، ومع ذلك، يجوز للمسلم أن يدعو بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة بالصيغة التي تناسبه، ما لم يكن في دعائه إثم أو قطيعة رحم.

كيف أعرف أنني أدركت ليلة القدر؟

لا يمكن الجزم بإدراكها، ولكن من اجتهد في العشر الأواخر كلها بالصلاة والدعاء والذكر، يُرجى له أن يكون قد وفق لإدراكها ونال فضلها العظيم، بعض العلامات كشروق الشمس بلا شعاع في صبيحتها قد تكون مؤشراً، ولكن العبرة بالاجتهاد في جميع الليالي.

عن احمد نصر

بقلم: أحمد نصر باحث ومحرر محتوى إسلامي متخصص في قسم الأدعية بموقع [أُوني]، يكرس جهوده لجمع وتدقيق الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتقديمها للمسلمين في إطار موثوق وسهل الفهم، يسعى أحمد لتقديم محتوى ديني يعزز الصلة بالله ويستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة.

0 0 التصويت
Article Rating
الاشتراك في تنبيهات التعليقات
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
الأقدم
الأحدث الأكثر تصويتا
التعليقات المضمنة
عرض جميع التعليقات