دعاء من أصابته مصيبة مكتوب (ادعية المبتلى)

الحياة دار ابتلاء واختبار، جعلها الله تعالى سبيلاً لتمحيص العباد ورفع درجاتهم، وهي الجسر الذي يعبره المؤمن إلى الدار الآخرة، بالصبر والرضا، يرجو العبد الفوز برحمة الله وجنته، لهذه الابتلاءات حكم عظيمة تنطلق من لطف الله بعباده، فهي في حقيقتها خير للعبد؛ تقوّي إيمانه، وترفع درجته، وتكفّر خطاياه، وقد أكّد الله تعالى في كتابه العزيز، ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم في سنته الشريفة، أن الصبر على البلاء مفتاح الأجر العظيم والمنزلة الرفيعة، فالابتلاء وإن بدا في ظاهره شدة، فإن في طياته رحمة وحكمة إلهية بالغة.

أدعية ثابتة من القرآن والسنة عند المصائب والابتلاءات

الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهي أدعية جامعة مباركة، فيها الخير والكفاية، ومن هذه الأدعية الصحيحة:

1، دعاء الاستعاذة من شدة البلاء

كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله من صعوبة البلاء وسوء العواقب، وهو دعاء جامع للوقاية من كل شر.

“اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ جَهْدِ البَلاَءِ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءِ القَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ”

المصدر: حديث صحيح، رواه البخاري ومسلم.

2، دعاء الكرب وتفريج الهم

هذا الدعاء العظيم هو دعاء نبي الله يونس عليه السلام وهو في بطن الحوت، وقد وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ما دعا به مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له.

“لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ”

المصدر: سورة الأنبياء، الآية 87.

3، دعاء لإذهاب الهم والحزن

هذا الدعاء من الأدعية النبوية العظيمة التي تُذهب الهموم والغموم، وتجلب الفرج، وتُبدل الحزن سروراً بإذن الله.

“اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي”

المصدر: حديث صحيح، رواه الإمام أحمد وصححه الألباني.

4، دعاء الاستعاذة من العجز والهم

كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من هذا الدعاء لما فيه من استعاذة بالله من كل ما يُضعف الإنسان ويُثقل كاهله.

“اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ وَالحَزَنِ، وَالعَجْزِ وَالكَسَلِ، وَالجُبْنِ وَالبُخْلِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ”

المصدر: حديث صحيح، رواه البخاري، وهو من أذكار الصباح والمساء.

أدعية نبوية صحيحة للمبتلى عند المصيبة

صيغ وأدعية عامة للمبتلى

تنبيه هام: هذه الصيغ التالية هي مما يتداوله الناس، وهي أدعية حسنة المعنى، ولكنها لم تثبت بنصها عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأفضل والأكمل هو الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية ومباركة، ويجوز للمسلم أن يدعو بما يفتح الله عليه من أدعية طيبة لا تخالف الشرع.

  • اللهم يا فارج الهم، ويا كاشف الغم، ويا مذهب الحزن، نسألك أن ترفع البلاء، وأن تكشف عنا همنا، وتُذهب عنا غمنا، اللهم يا صبور، ارزقنا الصبر على الابتلاء، وامنحنا القوة لتحمل ما امتحنتنا به، أنت أرحم الراحمين.
  • يا رب، يا من تسمع كل شكوى، وتعلم كل ما هو مخفي في الصدور، يا كاشف الكرب والهم عن عبادك، أسألك بذلٍ وانكسار، دعاء محتاج يتوسل إليك.
  • اللهم ارزقني فرجًا من كل ضيق، ومخرجًا من كل كرب، واغمرني برزق واسع لم أكن أحتسبه، واغفر لي ذنوبي، وأزح عن قلبي كل هم، وثبّت يقيني بك يا أرحم الراحمين.
  • يا الله، أنت وحدك العالم بخفايا نفسي وما يعتري قلبي، وما لا أستطيع أن أعبر عنه أنت به أعلم، فارزقني من رحمتك ما يخفف همي ويجبر كسري، ودبّر لي أمري فإنني لا أحسن التدبير.

الحكمة من الابتلاء في الإسلام

بعد أن استعرضنا الأدعية التي يمكن للمسلم أن يدعو بها، نتناول الحكمة العميقة وراء الابتلاءات كما وردت في المصادر الشرعية:

  • تكفير الذنوب والخطايا: الابتلاءات وسيلة لتطهير المسلم من ذنوبه، قال النبي صلى الله عليه وسلم:

    “مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ”

    (رواه البخاري).

  • رفع الدرجات وزيادة الحسنات: من أعظم حكم الابتلاء هو رفع درجات المؤمن، أشد الناس بلاءً هم الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، مما يدل على أن البلاء علامة على محبة الله للعبد وفرصة للتقرب منه.
  • تمييز المؤمن الصادق: يُميز الله بالابتلاء بين المؤمن الصادق الذي يصبر ويثبت، وبين ضعيف الإيمان الذي يجزع ويسخط، قال تعالى:

    “أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ”

    (العنكبوت: 2).

  • تذكير العبد للرجوع إلى الله: قد يكون الابتلاء رسالة تنبيه للعبد الغافل ليعود إلى ربه ويتوب من ذنوبه، فيكون بذلك سبباً في إصلاح حاله وتقربه من الله عز وجل.

الحكمة من الابتلاء وأنواعه في الإسلام

أنواع الابتلاءات

الابتلاءات التي تمر بالإنسان متعددة، وكلها اختبار من الله تعالى لقياس صبر العبد وشكره، ومنها:

  • الابتلاء بالتكاليف الشرعية: وهي العبادات التي فرضها الله كالصلاة والصيام والزكاة، وامتحانها في مدى التزام العبد بها وإخلاصه فيها رغم المشقة.
  • الابتلاء بالمصائب: ويشمل ذلك فقدان الأحبة، أو المرض، أو الفقر، أو الخسائر المادية، وهي اختبارات تهدف لتذكير الإنسان بضعفه وحاجته لخالقه، وتدفعه للدعاء واللجوء إليه.
  • الابتلاء بالنعم: وهو الابتلاء بالخير كالمال والصحة والذرية، يُمتحن العبد في شكره لهذه النعم، وهل يستخدمها فيما يرضي الله أم يطغى وينسى، قال تعالى:

    “وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ”

    (الأنبياء: 35).

موقف المؤمن من الابتلاء

المؤمن الحق يواجه الابتلاءات بموقف إيماني راسخ، يقوم على أسس متينة:

  • الصبر والرضا: يتحلى المؤمن بالصبر الذي أمر الله به، مستحضراً وعده العظيم:

    “إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ”

    (الزمر: 10).

  • حمد الله وشكره: المؤمن يشكر الله في السراء والضراء، يقيناً منه بأن كل قضاء الله له خير، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي أن الله يقول لملائكته إذا قبضوا ولد عبده:

    “…فَيَقُولُ: فَمَاذَا قَالَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ، فَيَقُولُ اللَّهُ: ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الجَنَّةِ، وَسَمُّوهُ بَيْتَ الحَمْدِ”

    (حديث حسن، رواه الترمذي).

  • الدعاء واللجوء إلى الله: يتوجه إلى الله بقلب صادق، يطلب منه العون والثبات، مدركاً أن الله وحده كاشف الضر.
  • التوبة والاستغفار: يراجع المؤمن نفسه ويتوب إلى الله، فقد تكون الذنوب سبباً في نزول البلاء، والتوبة ترفعه.

يختبر الله عباده ليتبين الصادق في إيمانه، الذي يجمع بين الشكر في الرخاء والصبر في الشدة، وهذه الصفات الرفيعة ترفع درجات العبد عند ربه في الدنيا والآخرة.

المصادر والمراجع

الأسئلة الشائعة

ما هو أفضل دعاء عند وقوع مصيبة؟

أفضل الأدعية هي ما وردت في القرآن والسنة الصحيحة، ومن أعظمها دعاء نبي الله يونس عليه السلام: “لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ”، وكذلك الأدعية النبوية المأثورة مثل “اللهم إني أعوذ بك من جهد البلاء…” و “إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها”.

هل يجوز أن أدعو الله بأسلوبي الخاص عند البلاء؟

نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يفتح عليه من كلام طيب وبأسلوبه الخاص، ما دام معنى الدعاء صحيحاً ولا يخالف الشريعة الإسلامية، ولكن، يبقى الدعاء بالمأثور من القرآن والسنة هو الأفضل والأكمل والأعظم أجراً.

ما الحكمة من أن الله يبتلي عباده الصالحين؟

ابتلاء الصالحين يكون لرفع درجاتهم، وتكفير سيئاتهم، وزيادة أجرهم، وليكونوا قدوة لغيرهم في الصبر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل”، فالابتلاء علامة حب من الله لعبده ليمتحن إيمانه ويرفع منزلته.

عن احمد نصر

بقلم: أحمد نصر باحث ومحرر محتوى إسلامي متخصص في قسم الأدعية بموقع [أُوني]، يكرس جهوده لجمع وتدقيق الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتقديمها للمسلمين في إطار موثوق وسهل الفهم، يسعى أحمد لتقديم محتوى ديني يعزز الصلة بالله ويستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة.

0 0 التصويت
Article Rating
الاشتراك في تنبيهات التعليقات
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
الأقدم
الأحدث الأكثر تصويتا
التعليقات المضمنة
عرض جميع التعليقات