يولي المسلمون اهتمامًا بالغًا بالأعمال الصالحة في العشر الأوائل من ذي الحجة، فهي أيام مباركة أقسم الله بها في كتابه، وعظّم شأنها نبيّه صلى الله عليه وسلم، ومن أعظم هذه الأعمال الصيام، الذي يبدأ بعقد النية الصادقة في القلب لاستثمار هذه الفترة العظيمة بكل عملٍ يضاعف الحسنات ويزيد القرب من الله تعالى، إن إقبال العبد على الطاعات والفرائض يجعله أقرب إلى الله، وينعكس ذلك بركةً وسكينةً في حياته الدنيا، ورفعةً في درجات الآخرة، وقد ورد في فضل العمل الصالح في هذه الأيام ما يرويه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
“مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ -يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ- قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ”، (رواه البخاري).
وهذا الحديث الصحيح يؤكد على أن العمل الصالح، ومنه الصيام، في هذه الأيام هو من أحب الأعمال إلى الله عز وجل، مما يشجع المسلم على اغتنامها لتكون له رصيدًا نافعًا في الدارين.
حكم التلفظ بنية الصيام وأفضل صيغة لها
قبل استعراض أي صيغ للدعاء، من المهم توضيح الأصل الشرعي في “نية الصيام”، أجمع العلماء على أن النية محلها القلب، ولا يُشترط التلفظ بها باللسان، فمجرد عزم المسلم في قلبه قبل أذان الفجر على صيام اليوم التالي من عشر ذي الحجة، فهذه هي النية الشرعية الصحيحة والمقبولة.
لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن صحابته الكرام صيغة دعاء محددة تُقال عند عقد نية الصيام، والأصل في العبادات هو الاتباع، فخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك، لا حرج على المسلم أن يدعو الله بأدعية عامة يطلب فيها العون والتوفيق والقبول، وهذا من تمام العبودية لله تعالى.
أمثلة على أدعية عامة للإعانة على الطاعة
يمكن للمسلم أن يستفتح إقباله على هذه الأيام المباركة بأدعية مأثورة تطلب العون من الله على العبادة بشكل عام، وهي أدعية صحيحة وثابتة يمكن الدعاء بها في كل وقت، ومنها:
- دعاء طلب العون على العبادة: وهو دعاء أوصى به النبي ﷺ معاذ بن جبل رضي الله عنه، أن يقوله دبر كل صلاة:
“اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ”، (حديث صحيح، رواه أبو داود والنسائي).
.
- دعاء رؤية هلال شهر جديد: وهو مناسب عند دخول شهر ذي الحجة:
“اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ علَيْنَا بِالأَمْنِ والإِيمَانِ، وَالسَّلامَةِ والإِسْلامِ، رَبِّي ورَبُّكَ اللَّهُ”، (حديث حسن، رواه الترمذي).
.
صيغ شائعة ومنتشرة تتعلق بنية الصيام
يتداول بعض الناس صيغًا محددة للدعاء عند نية الصيام، ورغم جمال معانيها، فمن المهم معرفة حكمها الشرعي، نورد هنا بعض الأمثلة المتداولة بغرض التوضيح:
- “اللهم إني نويت أن أصوم العشر من ذي الحجة إيمانًا واحتسابًا، فاغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر.”.
- “يا رب العالمين، نويت صيام هذه الأيام المباركة طمعًا في رضاك، فتقبل مني وأعني على إتمامها على خير.”.
- “اللهم إني عقدت نية صيام العشر الأوائل من ذي الحجة، فيسّر لي أمري، وتقبل عملي، واجعلني من عتقائك من النار.”.
تنبيه هام وحكم شرعي
تنبيه هام: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، وهي كافية ومباركة وشاملة لخيري الدنيا والآخرة.
إن تخصيص دعاء معين بصيغة معينة في وقت معين لم يرد به الشرع قد يدخل في باب المحدثات، لذلك، الأفضل للمسلم أن يعقد النية بقلبه، ثم يدعو الله بأدعية عامة ومأثورة لطلب القبول والتوفيق، أو يدعو بما يفتح الله عليه من خير الدعاء دون تخصيص صيغة محددة واعتقاد أن لها فضلًا خاصًا.
أدعية قرآنية ونبوية جامعة يمكن الدعاء بها في كل وقت
بدلًا من البحث عن صيغ غير ثابتة، يمكن للمسلم أن يلجأ إلى كنوز الأدعية في القرآن والسنة، فهي الأفضل والأكثر بركة، وهذه بعض الأمثلة:
- دعاء جامع لخيري الدنيا والآخرة من القرآن الكريم:
“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”، [البقرة: 201]
.
- دعاء لطلب صلاح العمل والذرية من القرآن الكريم:
“رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ”، [الأحقاف: 15]
.
- دعاء نبوي لطلب الهداية والتقوى:
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى، وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى”، (حديث صحيح، رواه مسلم).
.
أبرز الأعمال الصالحة والمستحبة خلال العشر من ذي الحجة
تُعد العشر الأوائل من ذي الحجة موسمًا عظيمًا للطاعات، ويستحب للمسلم بجانب الصيام أن يكثر من الأعمال الصالحة الأخرى، ومن أبرزها:
1، الإكثار من الذكر: التكبير والتهليل والتحميد
- يُستحب الإكثار من قول: “الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد”، وقد كان الصحابة كابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما.
2، تلاوة القرآن الكريم وتدبره
- تخصيص ورد يومي لقراءة القرآن من أعظم الأعمال، فالحرف بحسنة، والحسنة بعشر أمثالها، والله يضاعف لمن يشاء.
3، الصدقة وإعانة المحتاجين
- الصدقة في هذه الأيام الفاضلة لها أجر عظيم، وهي من أسباب دخول السرور على قلوب المسلمين وتفريج كروبهم.
4، الدعاء وطلب المغفرة
- هذه الأيام من أوقات إجابة الدعاء، خاصة يوم عرفة لغير الحاج، فينبغي للمسلم أن يلح على الله بالدعاء لنفسه وأهله والمسلمين، طالبًا المغفرة والعتق من النار.
5، المحافظة على الفرائض والإكثار من النوافل
- أداء الصلوات في أوقاتها، والحرص على السنن الرواتب، وقيام الليل، كلها أعمال ترفع الدرجات وتزيد القرب من الله تعالى.
إن اغتنام هذه الأيام المباركة يبدأ بالنية الصادقة في القلب، ويُترجم إلى عمل صالح دؤوب، مع لسان ذاكر وقلب خاشع، سائلين الله القبول والإخلاص.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 201.
- سورة الأحقاف، الآية 15.
- حديث فضل العمل في عشر ذي الحجة: صحيح البخاري، حديث رقم 969، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث دعاء طلب العون: سنن أبي داود، حديث رقم 1522، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث دعاء رؤية الهلال: سنن الترمذي، حديث رقم 3451، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث طلب الهدى والتقى: صحيح مسلم، حديث رقم 2721، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة (FAQs)
س1: هل يوجد دعاء مخصص لنية صيام العشر من ذي الحجة؟
ج: لا، لم يرد في السنة النبوية الصحيحة دعاء مخصص يُقال عند نية صيام العشر من ذي الحجة، النية محلها القلب، وتكفي نية المسلم وعزمه على الصيام قبل الفجر.
س2: ما حكم التلفظ بالصيغ المنتشرة لنية الصيام؟
ج: هذه الصيغ لم تثبت عن النبي ﷺ، وتخصيصها واعتقاد أن لها فضلًا خاصًا غير مشروع، الأفضل هو عقد النية بالقلب، والدعاء بأدعية عامة ومأثورة لطلب العون والقبول.
س3: متى يجب عقد نية صيام عشر ذي الحجة؟
ج: صيام عشر ذي الحجة هو صيام تطوع، ويصح بنية من النهار عند بعض العلماء ما لم يكن قد أكل أو شرب، ولكن الأفضل والأحوط هو تبييت النية من الليل (قبل أذان الفجر) لكل يوم، أو عقد نية صيام الأيام التسعة كاملة في أول ليلة من الشهر.
س4: ما هو أفضل بديل للأدعية غير الثابتة؟
ج: أفضل بديل هو اللجوء للأدعية الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، مثل “رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً…” و “اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ”، فهي جامعة للخير وأعظم بركة.

