مع اقتراب شهر رمضان المبارك، يحرص المسلمون على استغلال أيامه الفضيلة في التقرب إلى الله بالأعمال الصالحة، ويُعدُّ الصيام من أعظم هذه الأعمال، وركنه الأساسي الذي لا يصح إلا به هو “النية”، وهي عزم القلب على الصيام طاعةً لله تعالى وامتثالاً لأمره.
في هذا المقال، نوضح الحكم الشرعي لنّية صيام شهر رمضان، وقتها وكيفيتها، مع التمييز بين ما ورد في السنة الصحيحة وما اشتهر بين الناس.
ما هي النية وما حكمها في الصيام؟
النية هي القصد وعزم القلب على فعل العبادة تقربًا إلى الله تعالى، وهي شرط أساسي وركن من أركان الصيام، فلا يصح صيام من لم ينوِ الصيام، الدليل على ذلك هو قول النبي صلى الله عليه وسلم:
“إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى…”
المصدر: متفق عليه (رواه البخاري ومسلم) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
- محل النية: النية محلها القلب، ولا يُشترط التلفظ بها باللسان، بل يكفي أن يعقد المسلم العزم في قلبه على صيام اليوم التالي من رمضان.
- حكم التلفظ بالنية: ذهب جمهور العلماء إلى أن التلفظ بالنية ليس بواجب ولا شرط لصحتها، بل هو مُستحب عند بعض الفقهاء (كالشافعية والحنابلة) لمساعدة القلب على استحضار القصد.
وقت وكيفية عقد نية صيام رمضان
لصحة صيام الفرض، كصيام رمضان، يجب عقد النية من الليل، أي في الفترة ما بين غروب الشمس وقبل طلوع الفجر الصادق، ويُطلق على هذا الشرط “تبييت النية”، والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:
“مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ، فَلَا صِيَامَ لَهُ”.
المصدر: رواه النسائي وصححه الألباني.
- تجديد النية يوميًا: يرى جمهور الفقهاء (الشافعية والحنابلة والحنفية) وجوب تجديد النية لكل يوم من أيام رمضان، لأن كل يوم عبادة مستقلة.
- نية واحدة للشهر كله: يرى المالكية أنه تكفي نية واحدة في أول ليلة من رمضان لصيام الشهر كله، ما لم يقطع الصيام عذر شرعي (كسفر أو مرض)، فإن انقطع وجب عليه تجديد النية عند العودة للصيام، والأحوط هو تجديد النية كل ليلة خروجًا من الخلاف.
صيغ شائعة للدعاء بنية الصيام
ينتشر بين بعض المسلمين صيغ وأدعية محددة يتلفظون بها عند عقد نية الصيام، من المهم معرفة أن النية عمل قلبي كما أسلفنا، وهذه الصيغ لم ترد في السنة النبوية، نذكرها هنا للعلم بها مع التنبيه على حكمها.
- “اللهم إني نويت أن أصوم رمضان كاملًا لوجهك الكريم إيمانًا واحتسابًا، فتقبله مني واغفر لي وأعني على طاعتك.”.
- “نويت صيام غدٍ من شهر رمضان إيمانًا واحتسابًا لله رب العالمين.”.
- “اللهم إني عقدت نيتي على صيام شهر رمضان المبارك خالصًا لوجهك الكريم، فاجعلني من المقبولين ويسر لي الصيام والقيام.”.
تنبيه هام وحكم هذه الصيغ
لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أصحابه الكرام صيغة لفظية محددة لنية الصيام. النية عمل قلبي، ومجرد عزمك في قلبك قبل الفجر على أنك ستصوم غدًا من رمضان هو النية المطلوبة شرعًا، هذه الصيغ المتداولة هي من اجتهاد بعض الناس، والأصل في العبادات هو الاتباع لا الابتداع، الخير كله في هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وما ورد في القرآن والسنة كافٍ وشافٍ.
الدعاء الثابت عند رؤية هلال رمضان
من السنة عند رؤية هلال شهر جديد، ومنه هلال رمضان، أن يدعو المسلم بالدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال قال:
“اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ علَيْنَا بِالأَمْنِ والإِيمَانِ، وَالسَّلامَةِ والإِسْلامِ، رَبِّي ورَبُّكَ اللَّه”.
المصدر: رواه الترمذي وقال: “حديث حسن”.
هذا هو الدعاء المشروع والمستحب عند استقبال الشهر، وهو يجمع خيري الدنيا والآخرة.
أحكام فقهية هامة تتعلق بنية الصيام
لصحة الصيام، هناك شروط وأحكام دقيقة تتعلق بالنية يجب على المسلم معرفتها:
- التبييت: وهو شرط أساسي في صيام الفرض، ويعني عقد النية من الليل (قبل الفجر)، كما سبق بيانه.
- التعيين: يجب على المسلم أن يحدد ويعيّن نوع الصيام الذي ينويه، ففي رمضان ينوي “صيام رمضان”، وفي القضاء ينوي “صيام قضاء”، وهكذا.
- الجزم: يجب أن تكون النية جازمة وغير مترددة، فلا يصح أن يعلّق نيته على شرط، كأن يقول: “إن كان غدًا من رمضان فأنا صائم”، وهو شاكٌّ في ثبوت الشهر.
- حكم قطع النية: من نوى الإفطار أثناء نهار رمضان وعزم عليه عزمًا أكيدًا، فقد بطل صومه حتى لو لم يأكل أو يشرب، لأنه قطع ركن النية، أما مجرد الخاطر العابر فلا يبطل الصوم.
- تعليق النية بمشيئة الله: إذا قال: “سأصوم غدًا إن شاء الله” قاصدًا التبرك والاستعانة بالله، فنيته صحيحة، أما إن قالها على سبيل الشك والتردد، لم تصح نيته.
المصادر والمراجع
- صحيح البخاري، حديث رقم 1، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 1907، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن النسائي، حديث رقم 2331، وصححه الألباني، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، حديث رقم 3451، وقال عنه: “حديث حسن”، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة حول نية الصيام
- 1، هل يجب أن أتلفظ بنية الصيام كل ليلة؟
- لا يجب التلفظ بالنية، فالنية محلها القلب، مجرد استيقاظك للسحور أو عزمك قبل النوم على صيام الغد يُعتبر نية كافية وصحيحة.
- 2، ما هو آخر وقت لعقد نية صيام رمضان؟
- آخر وقت لعقد نية صيام الفرض (رمضان) هو قبل طلوع الفجر الصادق، لا يصح عقد النية بعد طلوع الفجر.
- 3، هل تكفي نية واحدة في أول رمضان لصيام الشهر كله؟
- هذه مسألة خلافية بين العلماء، جمهور الفقهاء على وجوب تجديد النية لكل يوم، وهو الأحوط والأبرأ للذمة، وبعض العلماء ك المالكية قالوا بجواز نية واحدة للشهر كله ما لم يقطعه عذر.
- 4، نسيت أن أنوي الصيام بالليل، فماذا أفعل؟
- إذا نسيت عقد النية قبل الفجر، فصيامك لذلك اليوم غير صحيح عند جمهور العلماء ويجب عليك قضاؤه، وعليك الإمساك بقية اليوم احترامًا لحرمة الشهر.


