يُعدّ اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء قبل النوم من أعظم أسباب الطمأنينة والسكينة، وهو هدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم، حيث كان يحرص على أذكار وأدعية مخصوصة تحصّن المسلم وتمنحه راحة البال، إن الدعاء الصادق المبني على الاتباع يُذهب القلق، ويطرد وساوس الشيطان، ويقوي صلة العبد بربه، فيبيت على ذكرٍ وخير.
في هذا المقال، نستعرض الأدعية الصحيحة الثابتة في السنة النبوية المطهرة، والآيات القرآنية التي يُستحب قراءتها قبل النوم، مع توثيق مصادرها الشرعية بدقة، ليكون المسلم على بصيرة من أمره في عبادته.
أدعية وأذكار النوم الصحيحة الواردة في السنة النبوية
كان للنبي صلى الله عليه وسلم هديٌ ثابت في أذكار النوم، وهي كافية وشافية لمن لزمها، وفيما يلي أبرز ما صح عنه:
- الدعاء عند وضع الجنب على الفراش:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ، فَلْيَنْفُضْ فِرَاشَهُ بِدَاخِلَةِ إِزَارِهِ، فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ:بِاسْمِكَ رَبِّ وَضَعْتُ جَنْبِي، وَبِكَ أَرْفَعُهُ، إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ.
المصدر: صحيح البخاري (6320)، وصحيح مسلم (2714).
درجة الحديث: صحيح. - الدعاء الجامع الذي يختم به اليوم:
عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ، وَقُلْ:اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لا مَلْجَأَ وَلا مَنْجَا مِنْكَ إِلا إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ.
وأضاف النبي صلى الله عليه وسلم: “فَإِنْ مُتَّ، مُتَّ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَقُولُ”.
المصدر: صحيح البخاري (247)، وصحيح مسلم (2710).
درجة الحديث: صحيح. - دعاء قضاء الدين وطلب الغنى من الفقر:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يأمُرُنا إذا أرادَ أحَدُنا أنْ يَنامَ أنْ يَضطجِعَ على شِقِّهِ الأيمَنِ، ثمَّ يقولُ:اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَرَبَّ الْأَرْضِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ، وَأَغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ.
المصدر: صحيح مسلم (2713).
درجة الحديث: صحيح. - دعاء الحماية من عذاب الله:
عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام وضع يده تحت رأسه ثم يقول:اللَّهُمَّ قِنِي عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَكَ.
ويُستحب تكرار هذا الدعاء ثلاث مرات كما ورد في بعض الروايات.
المصدر: سنن الترمذي (3398)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
درجة الحديث: صحيح.
آيات قرآنية يُستحب قراءتها قبل النوم
إلى جانب الأدعية النبوية، حث النبي صلى الله عليه وسلم على قراءة آيات وسور من القرآن الكريم قبل النوم، لما لها من فضل عظيم في الحفظ والسكينة.
- آية الكرسي:
وهي أعظم آية في القرآن، وقد ورد في الحديث الصحيح أن من قرأها قبل نومه لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح.اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ.
[سورة البقرة: 255].
- آخر آيتين من سورة البقرة:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: “مَنْ قَرَأَ بِالآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ” (رواه البخاري ومسلم)، ومعنى “كفتاه”: أي كفتاه من كل سوء ومكروه، وقيل كفتاه عن قيام الليل.آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286).
[سورة البقرة: 285-286].
- المعوذات (سورة الإخلاص والفلق والناس):
ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة، جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ فيهما “قل هو الله أحد” و”قل أعوذ برب الفلق” و”قل أعوذ برب الناس”، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات.
أمثلة على أدعية منتشرة لطلب السكينة
إضافة إلى ما ورد من أدعية ثابتة، قد يدعو المسلم الله تعالى بما يفتح عليه من صيغ طيبة، وهذه بعض الأمثلة على الأدعية العامة التي يتداولها البعض لطلب السكينة وراحة القلب:
- “اللَّهُمَّ يَا وَدُودُ يَا ذَا الْعَرْشِ الْمَجِيدِ، يَا فَعَّالًا لِمَا تُرِيدُ، أَسْأَلُكَ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي مَلَأَ أَرْكَانَ عَرْشِكَ، وَبِقُدْرَتِكَ الَّتِي قَدَرْتَ بِهَا عَلَى جَمِيعِ خَلْقِكَ، وَبِرَحْمَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ، أَنْ تَمْلَأَ قَلْبِي سَكِينَةً وَطُمَأْنِينَةً.”.
- “يَا رَبِّ، أَنْتَ وَلِيُّ أَمْرِي وَمَلَاذِي، عَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، اللَّهُمَّ هَبْ لِقَلْبِي طُمَأْنِينَةً لَا تَزُولُ، وَسَكِينَةً تَغْمُرُ رُوحِي، يَا مَنْ تُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاكَ.”.
- “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ، وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ لَيْلِي هَادِئًا وَنَوْمِي عَمِيقًا، وَاحْفَظْنِي بِحِفْظِكَ يَا خَيْرَ الْحَافِظِينَ.”.
تنبيه هام وحكم الدعاء بصيغ غير مأثورة
تنبيه هام: هذه الصيغ المذكورة في القسم السابق هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة توقيفية، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة.
الحكم الشرعي: يجوز للمسلم أن يدعو بصيغ لم ترد في السنة بشرطين أساسيين:
- أن يكون معناها صحيحاً ولا يخالف العقيدة الإسلامية أو أحكام الشريعة.
- ألا يعتقد الداعي أنها سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو أن لها فضلاً خاصاً، أو يلتزم بها في وقت معين أو عدد محدد لم يرد به دليل شرعي.
لذلك، يبقى الأفضل والأعظم أجراً للمسلم هو حفظ الأدعية النبوية الصحيحة والحرص عليها، فهي أجمع للخير وأعظم في البركة.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 255 (آية الكرسي).
- سورة البقرة، الآيتان 285-286.
- حديث “باسمك ربي وضعت جنبي…”، صحيح البخاري (6320)، وصحيح مسلم (2714)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “اللهم أسلمت نفسي إليك…”، صحيح البخاري (247)، وصحيح مسلم (2710)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “اللهم رب السماوات…”، صحيح مسلم (2713)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك”، سنن الترمذي (3398)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة (FAQs)
ما هو أفضل وقت لقول أذكار النوم؟
أفضل وقت لقول أذكار النوم هو عند الاستعداد للنوم والاستلقاء على الفراش، ويُستحب أن تكون هذه الأذكار هي آخر ما يتكلم به المسلم، كما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه: “وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَقُولُ”.
ما هو البديل الصحيح للأدعية المنتشرة؟
نعم، البديل الصحيح والأكمل هو الاكتفاء بالأدعية الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهي جامعة لخيري الدنيا والآخرة، ومباركة لأنها من كلام من لا ينطق عن الهوى، والالتزام بها هو عين الاتباع الذي يُؤجر عليه المسلم.
هل يجوز أن أدعو بلغتي الخاصة أو بما في قلبي؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله تعالى بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة بلغته الخاصة وبما يجول في خاطره، فالله تعالى عليم بذات الصدور ويسمع دعاء عبده، لكن، لا شك أن الدعاء بالمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم هو أفضل وأكمل وأعظم أجراً.
هل هناك عدد معين لتكرار هذه الأدعية؟
يجب الالتزام بالعدد الذي ورد في السنة النبوية، مثل تكرار “اللهم قني عذابك…” ثلاث مرات، وقراءة المعوذات ثلاث مرات، أما الأدعية التي لم يرد فيها عدد محدد، فالأصل أن تُقال مرة واحدة، ولا يجوز تحديد عدد معين من عند النفس واعتقاد أن له فضيلة خاصة، لأن ذلك قد يدخل في باب الابتداع في الدين.
