في أوقات الابتلاء والمرض، يجد العبد ملاذه في التقرب إلى الله عز وجل والتضرع إليه بالدعاء، ومن أعظم الأدعية القرآنية التي تجسد صدق اللجوء إلى الله دعاء نبيه أيوب -عليه السلام- الذي ورد في كتابه الكريم، هذا الدعاء المبارك يعلمنا كيفية الجمع بين الشكوى إلى الله والإقرار برحمته المطلقة، وهو منهج فريد في الصبر على البلاء والثقة في الفرج.
إن التوجه إلى الله بالدعاء عبادة في كل حين، لكنها في لحظات الضيق والشدة تبلغ ذروتها، حيث ينكسر القلب لله، ويرجو العبد ربه بيقين وإلحاح، دعاء نبي الله أيوب ليس مجرد كلمات تُقال، بل هو مدرسة في التوحيد والأدب مع الله، ويعكس قوة الإيمان وأثرها في نيل رحمة الله وكشف الكروب.
دعاء نبي الله أيوب عليه السلام ومصدره الشرعي
يُعد دعاء “رَبِّ إِنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ” من الأدعية القرآنية الثابتة التي دعا بها نبي الله أيوب عليه السلام ربه، وهو دعاء عظيم يجمع بين الإقرار بالحال والتوسل إلى الله بأعظم صفاته وهي الرحمة، وقد ورد هذا الدعاء في سياق الثناء على صبر أيوب عليه السلام في القرآن الكريم.
المصدر من القرآن الكريم:
“وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ” [سورة الأنبياء: 83-84].
تُظهر هذه الآيات الكريمة كيف أن أيوب عليه السلام، رغم ما أصابه من بلاء عظيم في جسده وماله وأهله، لم يزد على أن وصف حاله لربه وتوسل إليه برحمته التي وسعت كل شيء، فجاءت الاستجابة الإلهية فورية بكشف ضره وتعويضه خيرًا مما فقد، ليكون في ذلك رحمة به ودرسًا وعبرة لكل العابدين الصابرين.
فضل دعاء “ربي إني مسني الضر” وأهميته
إن الدعاء بهذا الدعاء القرآني المبارك له فضل عظيم وأهمية بالغة، ليس فقط لطلب الشفاء، بل لأنه يمثل عبادة جليلة تحمل في طياتها معاني إيمانية عميقة، ومن أبرز فضائله:
- تحقيق التوحيد والعبودية: الدعاء هو لب العبادة، وبهذا الدعاء يقر العبد بضعفه وحاجته المطلقة إلى الله، ويُقر لله بالقدرة والرحمة الكاملة.
- الاقتداء بالأنبياء: الداعي بهذه الصيغة يقتدي بنبي من أنبياء الله الصابرين، والله تعالى أمرنا بالاقتداء بهم، فقال: “أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ” [الأنعام: 90].
- سبب لكشف الكروب: كما استجاب الله لنبيه أيوب وكشف ما به من ضر، يُرجى لمن دعا بهذا الدعاء بصدق ويقين أن يكشف الله كربه ويُفرّج همه.
- نيل الأجر والثواب: ترديد دعاء من القرآن الكريم هو بحد ذاته عبادة يُثاب عليها المسلم، فهو يجمع بين الدعاء وتلاوة القرآن.
- بث الطمأنينة في النفس: اللجوء إلى الله والتوسل برحمته يبعث في قلب المؤمن السكينة واليقين بأن الفرج قريب، ويخفف من وطأة الألم والقلق.
أدعية عامة للشفاء من المرض
إلى جانب الدعاء القرآني الثابت عن نبي الله أيوب عليه السلام، يمكن للمسلم أن يدعو الله بما فتح عليه من صيغ طيبة لا تخالف الشرع، يسأل فيها ربه الشفاء والعافية له أو لغيره، فباب الدعاء واسع، والله يحب أن يسأله عبده ويلح عليه في الطلب، وفيما يلي أمثلة على أدعية عامة يمكن الاستئناس بها:
- اللَّهُمَّ يَا مُفَرِّجَ الْكُرُوبِ، وَيَا كَاشِفَ الْهُمُومِ، وَيَا سَامِعَ كُلِّ شَكْوَى، أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الشَّافِي أَنْ تُنْزِلَ شِفَاءً مِنْ عِنْدِكَ عَلَى كُلِّ مَرِيضٍ، وَأَنْ تَرْفَعَ عَنَّا الْبَلَاءَ وَالْوَبَاءَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
- اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ، أَذْهِبِ الْبَأْسَ، اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِي، لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا.
- أَسْأَلُ اللهَ الْعَظِيمَ، رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، أَنْ يَشْفِيَنِي وَيَشْفِيَ مَرْضَى الْمُسْلِمِينَ.
- يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، وَعَافِنِي فِي بَدَنِي، وَاشْفِنِي مِنْ مَرَضِي، وَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ.
- إِلَهِي، أَذْهِبِ الْبَأْسَ رَبَّ النَّاسِ، بِيَدِكَ الشِّفَاءُ، لَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا أَنْتَ، أَسْأَلُكَ شِفَاءً تَامًّا، وَعَافِيَةً كَامِلَةً، وَصِحَّةً دَائِمَةً.
تنبيه هام حول الأدعية العامة
تنبيه هام: الأدعية المذكورة أعلاه هي صيغ عامة ومأثورة، ولم تثبت جميعها بلفظها عن النبي صلى الله عليه وسلم، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة، ويجوز للمسلم الدعاء بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة ما لم يكن فيه إثم أو قطيعة رحم.
الدعاء بالشفاء لشخص مريض
من جميل الأخوة في الإسلام أن يدعو المسلم لأخيه المريض بظهر الغيب، ويمكن الدعاء له بالأدعية النبوية الثابتة أو بأي صيغة طيبة، ومن أمثلة ذلك:
- اللَّهُمَّ اشْفِ عَبْدَكَ (فلانًا)، وَخَفِّفْ عَنْهُ كُلَّ أَلَمٍ، وَأَلْبِسْهُ ثَوْبَ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ عَاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
- رَبَّنَا، نَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، أَنْ تَمُنَّ عَلَيْهِ بِالشِّفَاءِ الْعَاجِلِ، وَأَنْ تَجْعَلَ مَرَضَهُ كَفَّارَةً لِذُنُوبِهِ وَرِفْعَةً فِي دَرَجَاتِهِ.
- يَا شَافِي، يَا مُعَافِي، اشْفِ مَرِيضَنَا وَارْحَمْ ضَعْفَهُ وَقِلَّةَ حِيلَتِهِ، وَارْدُدْهُ إِلَى أَهْلِهِ سَالِمًا مُعَافًى بِقُدْرَتِكَ وَرَحْمَتِكَ.
- اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَوْدِعُكَ صِحَّتَهُ وَعَافِيَتَهُ، فَاحْفَظْهَا بِحِفْظِكَ وَاكْلَأْهُ بِرِعَايَتِكَ، وَأَنْزِلْ عَلَيْهِ سَكِينَةً وَطُمَأْنِينَةً.
شروط وآداب استجابة الدعاء
لكي يكون الدعاء أرجى للقبول عند الله تعالى، ينبغي للداعي أن يلتزم بآداب وشروط معينة، فهي من أسباب الإجابة، ومن أهم هذه الشروط والآداب:
- الإخلاص لله تعالى: أن يكون القصد من الدعاء وجه الله وحده، دون رياء أو سمعة.
- اليقين بالإجابة: أن يدعو العبد وهو موقن بأن الله سيستجيب له، كما ورد في الحديث: “ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ” (حديث حسن، سنن الترمذي).
- حضور القلب والخشوع: استحضار عظمة الله تعالى، والتركيز في الدعاء، وعدم الانشغال بأمور الدنيا.
- الإلحاح في الدعاء: تكرار الدعاء وعدم استعجال الإجابة، فالله يحب العبد اللحوح في دعائه.
- طيب المطعم والمشرب: تحري الحلال في الرزق، فهو من أعظم أسباب قبول الدعاء.
- الدعاء بما هو خير: أن يكون مضمون الدعاء خيرًا، وألا يدعو العبد بإثم أو قطيعة رحم.
المصادر والمراجع
- سورة الأنبياء، الآيات 83-84.
- سورة الأنعام، الآية 90.
- سنن الترمذي، حديث رقم 3479، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- تفسير القرآن العظيم، للإمام ابن كثير، في تفسير قصة أيوب عليه السلام.
أسئلة شائعة حول دعاء أيوب عليه السلام
ما هو فضل دعاء “ربي إني مسني الضر”؟
فضله يكمن في كونه دعاءً قرآنياً ثابتاً، وهو من أعظم صيغ التوسل إلى الله، ويجمع بين إظهار الضعف والافتقار إلى الله، والإقرار برحمته المطلقة، وهو من أسباب كشف الكروب بإذن الله.
هل هذا الدعاء مخصص للمرض فقط؟
لا، كلمة “الضُّرّ” في الآية عامة تشمل كل ما يصيب الإنسان من سوء في النفس أو الأهل أو المال، لذا، يمكن الدعاء به في كل شدة وكرب، وليس فقط عند المرض الجسدي.
ما هو البديل الصحيح للأدعية المنتشرة غير الثابتة؟
البديل الأمثل والأكمل هو الأدعية الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي جامعة لخيري الدنيا والآخرة، كما يمكن للمسلم أن يدعو بما يناسب حاله من كلام طيب لا يتعارض مع الشرع.

