الحمد لله على كل حال قدر الله و ما شاء فعل بخط جميل

يحرص المسلم الحق على شكر الله -عزَّ وجلَّ- والرضا بقضائه في جميع أحواله، سواء في أوقات اليسر أو العسر، ينبع هذا من يقينه التام بأن كل ما يصيبه من الله -سبحانه وتعالى- يحمل في طياته الخير، سواء أدرك حكمته في الحال أم ظهرت له لاحقًا، إن التسليم للقضاء والقدر بنفسٍ مطمئنةٍ راضية هو من أعظم صور الإيمان، وهو إدراك بأن كل ما كُتب للإنسان هو جزء من رحمة الله الواسعة وعنايته التي لا تنقطع، فالله أرحم بعبده من أمه.

يدرك المؤمن أن للبلاء حِكمًا عظيمة، فقد يكون لرفع درجاته، أو تكفير سيئاته، أو لدفع شر أكبر كان سيصيبه، لذا، يُسلّم أمره لله ويثق بأن في كل قضاءٍ لطفًا إلهيًا، ويصبر ويوقن بأن الفرج قريب، فيرى نعم الله تتضاعف عليه ويُبدله الله حالًا أفضل من حاله، فالرحمة الإلهية لا يوازيها شيء، وهذه الأقدار هي بركة ولطف يرافقان المؤمن الذي يُحسن الظن بربه الكريم.

الأصل الشرعي لقول “قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ”

إن عبارة “قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ” ليست مجرد قول مأثور، بل هي توجيه نبوي كريم ورد في السنة الصحيحة، وهي أساس عظيم في باب الإيمان بالقضاء والقدر، الأصل في هذا القول هو حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:

“الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجِزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ؛ فَإِنَّ ‘لَوْ’ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ.”

المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 2664، (حديث صحيح).

يعلمنا هذا الحديث الشريف أن المؤمن مأمور بالأخذ بالأسباب والسعي فيما ينفعه، مع الاستعانة بالله، فإذا وقع بعد ذلك أمر لم يكن يتوقعه أو يرغبه، فعليه التسليم لقضاء الله وقول: “قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ”، فهذا القول يقطع وساوس الشيطان التي تأتي في صورة التحسر والندم بقول “لو أني فعلت كذا”.

فضل الحمد لله على كل حال

إن حمد الله في السراء والضراء من أعظم مقامات العبودية، ودليل على كمال إيمان العبد ورضاه عن ربه، وقد ورد في فضل الحمد عند المصيبة أجر عظيم، كما في الحديث الحسن الذي رواه أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:

“إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ، قَالَ اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ: قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: مَاذَا قَالَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ، فَيَقُولُ اللَّهُ: ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ، وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ.”

المصدر: سنن الترمذي، حديث رقم 1021، (حديث حسن).

وهذا يدل على أن قول “الحمد لله” في أوقات الشدة ليس مجرد كلمة، بل هو عبادة يترتب عليها هذا الجزاء العظيم من الله تعالى.

عبارة الحمد لله على كل حال قدر الله وما شاء فعل مكتوبة بخط جميل

صيغ وأدعية للرضا والتسليم

يمكن للمسلم أن يدعو الله ويعبر عن رضاه بقضائه بأدعية تجمع بين الحمد والتسليم، وهذه بعض الأمثلة التي يمكن الدعاء بها، وهي من الأدعية العامة التي تجمع خيري الدنيا والآخرة:

  • “الحَمْدُ لِلهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ حَتَّى تَرْضَى، وَلَكَ الحَمْدُ إِذَا رَضِيتَ، وَلَكَ الحَمْدُ بَعْدَ الرِّضَا.”.
  • “الحَمْدُ لِلهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ حَالِ أَهْلِ النَّارِ، الحَمْدُ لِلهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ.”.
  • “قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، الحَمْدُ لِلهِ عَلَى مَا قَضَيْتَ وَمَا قَدَّرْتَ، الحَمْدُ لِلهِ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَفِي الشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ.”.
  • “الحَمْدُ لِلهِ دَائِمًا وَأَبَدًا، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الحَامِدِينَ الشَّاكِرِينَ الصَّابِرِينَ، وَارْزُقْنَا الرِّضَا بِمَا قَسَمْتَ لَنَا.”.

المواضع التي يُقال فيها “قدر الله وما شاء فعل”

تُقال هذه العبارة الإيمانية العظيمة في مواقف محددة لترسيخ عقيدة القضاء والقدر في قلب المؤمن:

  • عند فوات أمر محبوب: إذا سعى الإنسان في أمر نافع وبذل جهده ثم لم يُكتب له النجاح فيه، يقولها تسليمًا لأمر الله.
  • عند وقوع مكروه: إذا أصابته مصيبة أو بلاء، يرددها ليُذكّر نفسه بأن هذا بتقدير الله وحكمته.
  • لإغلاق باب الندم والتحسر: بدلًا من قول “لو فعلت كذا لكان كذا”، يقول “قدر الله وما شاء فعل” ليقطع وساوس الشيطان.
  • لتقوية القلب عند الشدائد: تمنح هذه الكلمات المؤمن طمأنينة وقوة نفسية، وتجعله يركز على المستقبل بدلًا من البكاء على الماضي.

إن تكرار هذه العبارات النبوية يربط قلب المسلم بالله، ويجعله يرى حكمة الله في المنع والعطاء، ويدرك أن الفرح والحزن كلاهما جزء من تقدير الله الذي يحمل الخير دائمًا، وإن خفيت حكمته عن العقول.

نص دعاء الحمد لله على كل حال للرضا بقضاء الله وقدره

أسئلة شائعة (FAQs)

ما هو المصدر الصحيح لقول “قدر الله وما شاء فعل”؟

المصدر هو حديث صحيح رواه الإمام مسلم في صحيحه (حديث رقم 2664) عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، حيث وجه النبي -صلى الله عليه وسلم- بقولها عند وقوع ما لا يرغبه الإنسان، بدلًا من قول “لو”.

هل قول “الحمد لله على كل حال” يعني ألا أحزن؟

لا، الحزن شعور إنساني طبيعي لا ينافي الإيمان، الرضا بالقضاء هو عمل قلبي وقول لساني، ويعني عدم الاعتراض أو السخط على قدر الله، يمكن للقلب أن يحزن والعين أن تدمع، مع بقاء اللسان حامدًا والقلب راضيًا بقضاء الله.

ما هو البديل الصحيح لقول “لو أني فعلت كذا…”؟

البديل الصحيح الذي علمنا إياه النبي -صلى الله عليه وسلم- هو أن نقول: “قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ”، هذا القول يغلق باب عمل الشيطان ويمنح النفس الطمأنينة والتسليم.

المصادر والمراجع

عن احمد نصر

بقلم: أحمد نصر باحث ومحرر محتوى إسلامي متخصص في قسم الأدعية بموقع [أُوني]، يكرس جهوده لجمع وتدقيق الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتقديمها للمسلمين في إطار موثوق وسهل الفهم، يسعى أحمد لتقديم محتوى ديني يعزز الصلة بالله ويستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة.

0 0 التصويت
Article Rating
الاشتراك في تنبيهات التعليقات
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
الأقدم
الأحدث الأكثر تصويتا
التعليقات المضمنة
عرض جميع التعليقات