يواجه الإنسان في مسيرة حياته العديد من التحديات والضغوط، ومن أشدها وطأةً التعسر المالي وتراكم الديون، وفي ظل هذه الظروف، يظل اللجوء إلى الله تعالى والتضرع إليه بالدعاء هو أعظم أسباب الفرج وسعة الرزق، فالدعاء هو العبادة، وهو صلة العبد بربه الذي بيده خزائن السماوات والأرض.
في هذا المقال، نستعرض مجموعة من الأدعية الصحيحة والمأثورة التي وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، والتي تُعين المسلم بإذن الله على قضاء دينه وتفريج كربه، مع التنبيه على أهمية تحري ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، والابتعاد عن كل ما لم يثبت بدليل شرعي.
أدعية صحيحة من السنة النبوية لقضاء الدين
إن أفضل ما يدعو به المسلم هو ما ورد على لسان النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أُوتي جوامع الكلم، وفي أدعيته الخير والبركة والكفاية، ومن هذه الأدعية المباركة:
1، دعاء “اللهم اكفني بحلالك عن حرامك”
هذا الدعاء من أشهر الأدعية وأعظمها في طلب قضاء الدين والاستغناء عن الناس، وقد علّمه النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه.
“أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صِيرٍ دَيْنًا أَدَّاهُ اللَّهُ عَنْكَ؟ قُلْ: اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ.”
المصدر: سنن الترمذي، حديث حسن.
2، دعاء “اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن”
كان هذا الدعاء من أكثر أدعية النبي صلى الله عليه وسلم، وهو دعاء جامع للاستعاذة من كل ما يكدر صفو حياة المسلم، ومن أعظمها غلبة الدين وقهر الرجال.
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ.”
المصدر: صحيح البخاري.
3، دعاء “اللهم مالك الملك”
وهو دعاء عظيم يُظهر افتقار العبد إلى ربه، واعترافه بأن الملك كله لله يؤتيه من يشاء، وفيه طلب رحمة خاصة من الله تغني عن رحمة من سواه.
“اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ، وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ، وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ، وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ، بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، رَحْمَانَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَرَحِيمَهُمَا، تُعْطِيهِمَا مَنْ تَشَاءُ، وَتَمْنَعُ مِنْهُمَا مَنْ تَشَاءُ، ارْحَمْنِي رَحْمَةً تُغْنِينِي بِهَا عَنْ رَحْمَةِ مَنْ سِوَاكَ.”
المصدر: رواه الطبراني في المعجم الصغير، وقال المنذري: إسناده جيد، وحسنه الألباني.
4، دعاء قضاء الدين الذي علّمه النبي لأبي أمامة
روى أبو سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل ذات يوم المسجد، فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة، فقال: “يا أبا أمامة، ما لي أراك جالسًا في المسجد في غير وقت الصلاة؟” فقال: هموم لزمتني، وديون يا رسول الله، قال: “أفلا أعلمك كلامًا إذا أنت قلته أذهب الله عز وجل همك، وقضى عنك دينك؟” قال: قلت: بلى يا رسول الله، قال:
“قُلْ إِذَا أَصْبَحْتَ، وَإِذَا أَمْسَيْتَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ، وَقَهْرِ الرِّجَالِ.”
المصدر: سنن أبي داود، والحديث في سنده ضعف، ولكن متنه صحيح لشواهده (وهو نفس دعاء صحيح البخاري المذكور أعلاه).
صيغ وأدعية عامة يمكن الاستعانة بها
إلى جانب الأدعية النبوية المحددة، يمكن للمسلم أن يدعو الله تعالى بأي صيغة تجمع خيري الدنيا والآخرة، ما دامت لا تحتوي على محظور شرعي، وهذه بعض الأمثلة:
- “اللَّهُمَّ يَا رَبَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ، وَأَغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ.” (ملاحظة: هذا دعاء نبوي صحيح من صحيح مسلم، ويُقال عند النوم).
- “اللهم ارزقني رزقًا واسعًا حلالًا طيبًا من غير كدٍّ، واستجب دعائي من غير ردٍّ، وأعوذ بك من الفقر والدَّين.”.
- “اللهم يا رازق السائلين، ويا راحم المساكين، ويا ذا القوة المتين، ويا خير الناصرين، يا ولي المؤمنين، يا غيّاث المستغيثين، إياك نعبد وإياك نستعين، اللهم اقضِ ديني ودين كل مديون.”.
حول ما يُشاع عن سور وفضائل خاصة بقضاء الدين
ينتشر بين الناس أن قراءة سور معينة مثل سورة “الواقعة” أو “يس” لها فضل خاص في جلب الرزق أو قضاء الدين، وهنا لا بد من التوضيح:
- قراءة القرآن الكريم: لا شك أن قراءة القرآن كلها خير وبركة، وهي من أعظم أسباب انشراح الصدر وتيسير الأمور.
- الأحاديث الواردة: الأحاديث التي تخص سورة الواقعة بأنها “تمنع الفقر” أو أن “من قرأها كل ليلة لم تصبه فاقة أبدًا” هي أحاديث ضعيفة عند جمهور أهل العلم بالحديث.
تنبيه هام: هذه الفضائل المحددة لم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، الدعاء والعبادة أمر توقيفي، والأصل فيه الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة لمن أخذ بها، والخير كل الخير في الاتباع، لا في الابتداع أو التمسك بما لم يثبت.
العوامل المؤدية إلى تراكم الديون على الأفراد
تتعدد الأسباب التي قد تدفع الأفراد إلى الاستدانة، وفهمها يساعد في تجنبها قدر الإمكان، من أبرز هذه الأسباب:
- ضيق الحال وعدم كفاية الدخل لتغطية الاحتياجات الأساسية للأسرة من طعام وشراب ومسكن.
- ضعف الرواتب الشهرية مقارنة بارتفاع تكاليف المعيشة ومتطلباتها المتزايدة.
- الالتزامات الطارئة التي لا تحتمل التأجيل، مثل النفقات الطبية العاجلة أو إصلاحات ضرورية.
- غياب التخطيط المالي السليم، والإنفاق على الكماليات بما يفوق القدرة المالية.
- ضعف التكافل الاجتماعي، مما يضطر المحتاج إلى اللجوء للاقتراض بدلًا من تلقي المساعدة.
حكم التأخر في سداد الديون مع القدرة
يُعدُّ التأخير في سداد الديون مع القدرة على الوفاء بها من الظلم المحرم شرعًا، فحقوق العباد مبنية على المشاحة، وقد حذر الشرع من ذلك أشد التحذير، قال الله تعالى في الحديث القدسي:
“يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا.”
المصدر: صحيح مسلم.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلْمٌ” (صحيح البخاري)، لذا، يجب على المدين أن يبادر بسداد دينه متى ما تيسر له ذلك، فإن عجز فعليه أن يستأذن صاحب الحق ويطلعه على حاله، فالأصل في الدين هو الوفاء والأمانة.
المصادر والمراجع
- صحيح البخاري، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن أبي داود، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- المعجم الصغير للطبراني، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة (FAQs)
ما هو أفضل وقت للدعاء لقضاء الدين؟
الدعاء مشروع في كل وقت، ولكن هناك أوقات يُرجى فيها إجابة الدعاء أكثر من غيرها، مثل: الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، وآخر ساعة من يوم الجمعة، كما أن دعاء “اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن…” يُستحب قوله في الصباح والمساء.
هل هناك صلاة مخصصة تسمى “صلاة قضاء الدين”؟
لم يثبت في السنة النبوية الصحيحة وجود صلاة مخصصة بكيفية معينة أو في وقت معين لقضاء الدين، ولكن يمكن للمسلم أن يصلي صلاة الحاجة، وهي ركعتان، ثم يدعو الله بعدها بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة، ومن ذلك قضاء الدين.
ما هو البديل الصحيح للممارسات غير الثابتة (مثل قراءة سور معينة)؟
البديل الصحيح والأكمل هو الالتزام بما ثبت في السنة: الإكثار من الأدعية النبوية الصحيحة المذكورة أعلاه، مع اليقين وحسن الظن بالله، والأخذ بالأسباب المادية المشروعة من عمل وسعي جاد لكسب الرزق الحلال، مع التوكل التام على الله سبحانه وتعالى.

