يبلغ الإنسان تمام النضج ورفعة المنزلة حين يُعرض عن سفاسف الأمور، ويجتنب الذنوب التي تحرمه الأجر والثواب، وكلما انشغل العبد بإصلاح نفسه وترك تتبع عيوب الآخرين، وتفرغ للعبادة والطاعة، وجد في قلبه سكينة وطمأنينة لا مثيل لها، فمن ذاق حلاوة التوبة الصادقة، أدرك شعورًا فريدًا من الراحة والرضا.
حكم تخصيص يوم الثلاثاء بأدعية معينة
قبل استعراض الأدعية، من الأهمية بمكان توضيح مسألة شرعية أساسية تتعلق بتخصيص الأيام بأدعية أو عبادات معينة، الأصل في العبادات أنها توقيفية، أي أنها مبنية على ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن صحابته الكرام، تخصيص يوم الثلاثاء بأدعية أو أذكار محددة.
وعليه، فإن اعتقاد أن هناك أدعية خاصة بيوم الثلاثاء لها فضل معين هو أمر لا أصل له في الشرع، ولكن، باب الدعاء مفتوح في كل وقت وحين، والمسلم مدعو لذكر الله ودعائه في كل أيامه، بما في ذلك يوم الثلاثاء، مستخدمًا الأدعية الجامعة من القرآن والسنة، أو ما يفتح الله به عليه من دعاء طيب لا يخالف الشرع.
أدعية صحيحة من القرآن والسنة لكل يوم
بدلًا من البحث عن أدعية مخصصة ليوم لم يخصصه الشرع، الأولى بالمسلم أن يحرص على الأدعية الثابتة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بها، وهي كافية وشاملة لخيري الدنيا والآخرة، ومن هذه الأدعية المباركة:
- الدعاء الجامع لخيري الدنيا والآخرة: وهو من أكثر الأدعية التي كان يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلم.
“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”
(سورة البقرة، الآية 201)، أخرجه البخاري في صحيحه..
- دعاء تفريج الهم والكرب: دعاء عظيم يُقال عند الشعور بالهم والحزن.
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ”
(حديث صحيح، رواه البخاري)..
- سيد الاستغفار: وهو أفضل صيغ الاستغفار كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
“اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ”
(حديث صحيح، رواه البخاري)..
أمثلة على أدعية عامة يمكن الدعاء بها
هذه مجموعة من الأدعية العامة ذات المعاني الطيبة، والتي يمكن للمسلم أن يدعو بها في أي وقت، بما في ذلك يوم الثلاثاء، دون تخصيص أو اعتقاد فضل معين لهذا اليوم.
- “اللَّهُمَّ يَا جَبَّارَ الْقُلُوبِ، اجْعَلْ قُلُوبَنَا مُتَعَلِّقَةً بِكِتَابِكَ، وَافْتَحْ لَنَا كُلَّ بَابٍ مُغْلَقٍ، وَاغْمُرْنَا بِرَحْمَتِكَ، وَارْزُقْنَا مِنْ وَاسِعِ فَضْلِكَ، وَوَفِّقْنَا لِطَاعَتِكَ، وَاغْفِرْ لَنَا زَلَّاتِنَا، وَأَدْخِلْنَا جَنَّاتِ النَّعِيمِ.”.
- “اللَّهُمَّ اجْعَلِ الْإِسْلَامَ مُعَزَّزًا وَالْمُسْلِمِينَ مَنْصُورِينَ، وَأَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا، وَارْضَ عَنَّا يَا كَرِيمُ، وَثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ، وَاجْعَلْنَا مِنْ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ سُنَّةَ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.”.
- “اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا مُرَافَقَةَ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْفِرْدَوْسِ الْأَعْلَى، وَأَبْعِدْ عَنْ قُلُوبِنَا كُلَّ حُزْنٍ وَضِيقٍ، وَأَسْأَلُكَ يَا وَاسِعَ الْجُودِ وَالْكَرَمِ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ سَأَلَكَ مِنْهُ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ.”.
- “اللَّهُمَّ احْفَظْنَا مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَنَجِّنَا بِحِفْظِكَ، وَاعْفُ عَنْ زَلَّاتِنَا، وَاصْرِفْ عَنَّا الْمِحَنَ، وَأَصْلِحْ لَنَا قُلُوبَنَا وَطَهِّرْهَا مِنَ الْغِلِّ وَالْحَسَدِ، وَاكْتُبْ لَنَا الْخَيْرَ حَيْثُمَا كَانَ.”.
تنبيه هام: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي من الأدعية العامة التي لم ترد في السنة النبوية بهذا النص، ولكن معانيها صحيحة، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة، مع جواز الدعاء بأدعية أخرى طيبة المعنى لم تخالف الشرع.
فضل الاستغفار والمداومة عليه
المؤمن الصادق هو الذي يجعل الاستغفار جزءًا لا يتجزأ من يومه، يرجو به مغفرة الله له وللمسلمين، فالإنسان في حاجة دائمة للجوء إلى ربه، وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم:
“فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا”
(سورة نوح، الآيات 10-12).
ومن صيغ الاستغفار العامة التي يمكن ترديدها في كل وقت:
- “أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ اقْتَرَفْتُهُ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ مَعْصِيَةٍ ارْتَكَبْتُهَا، اللَّهُمَّ طَهِّرْ قَلْبِي مِنَ الذُّنُوبِ، وَأَبْعِدْ عَنِّي وَسَاوِسَ الشَّيْطَانِ.”.
- “رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.” (من السنة النبوية، يُقال مئة مرة في المجلس).
- “اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي زَلَّاتِي وَتَجَاوَزْ عَنْ أَخْطَائِي، وَغَيِّرْ حَالِي إِلَى مَا تَرْضَاهُ، اللَّهُمَّ أَعِذْنِي مِنَ الظُّلْمِ وَأَهْلِهِ، وَنَجِّنِي مِنَ الشُّرُورِ.”.
- “اللَّهُمَّ بِرَحْمَتِكَ أَسْأَلُكَ أَنْ تَغْفِرَ لِي، وَأَنْ تَجْبُرَ كَسْرَ قَلْبِي، وَأَنْ تَرْزُقَنِي عِوَضًا جَمِيلًا بَعْدَ الصَّبْرِ، وَأَنْ تَجْعَلَ لِي مِنْ بَعْدِ الضِّيقِ فَرَجًا.”.
على المسلم أن يلجأ إلى الله في كل وقت، في السراء والضراء، فالتقرب من الله بالدعاء والذكر يبارك في الحياة وييسر الأمور، وكلما ازداد العبد شكرًا لنعم الله، زاده الله من فضله، فالحمد والشكر يجلبان المزيد من النعم، والجود والعطاء يباركان في الرزق والعمر.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 201.
- سورة نوح، الآيات 10-12.
- صحيح البخاري، كتاب الدعوات، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة
هل هناك دعاء مخصص ليوم الثلاثاء؟
لا، لم يثبت في القرآن الكريم أو السنة النبوية الصحيحة أي دعاء أو ذكر مخصص ليوم الثلاثاء، والأصل هو عدم تخصيص زمان أو مكان بعبادة إلا بدليل شرعي صحيح.
ما هي أفضل الأدعية التي يمكنني قولها كل يوم؟
أفضل الأدعية هي ما وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، مثل دعاء “ربنا آتنا في الدنيا حسنة…”، وسيد الاستغفار، وأدعية الصباح والمساء الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهي جامعة لخيري الدنيا والآخرة.
هل يجوز الدعاء بصيغ عامة غير مأثورة؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يشاء من الأدعية الطيبة التي لا تحتوي على إثم أو قطيعة رحم، بشرط ألا يعتقد أنها من السنة أو أن لها فضلًا خاصًا مرتبطًا بزمان أو مكان معين لم يأت به الشرع.


