الدعاء للأم المريضة بصدق وإلحاح هو من أعظم صور البر بها، وهو سلاح المؤمن الذي يلجأ به إلى الله تعالى طلبًا للشفاء وتفريج الكروب، إن مرض الأم، التي هي نبع الحنان ومصدر الأمان في كل بيت، يترك أثرًا عميقًا في نفوس أبنائها، فيسارعون إلى الأخذ بالأسباب الطبية، ويتضرعون إلى الله الشافي المعافي ليكشف عنها الضر، في هذا المقال، نستعرض الأدعية الصحيحة والمأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية، مع بيان أهمية الدعاء وفضل بر الوالدين.
أدعية مأثورة من القرآن والسنة لشفاء الأم
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهو جوامع الكلم والخير والبركة، عند الدعاء للأم المريضة، يُستحب البدء بهذه الأدعية الصحيحة والموثوقة:
- الدعاء النبوي العام للمريض: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عاد مريضًا يدعو له بهذا الدعاء، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كَانَ إِذَا أَتَى مَرِيضًا أَوْ أُتِيَ بِهِ، قَالَ:
“أَذْهِبِ البَاسَ رَبَّ النَّاسِ، اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِي، لاَ شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا.”
(المصدر: صحيح البخاري، 5675؛ صحيح مسلم، 2191).
- الرقية بوضع اليد على مكان الألم: من السنة أن يضع الداعي يده على الموضع الذي يؤلم المريض ويدعو له، عن عثمان بن أبي العاص الثقفي أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعًا يجده في جسده منذ أسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِي تَأَلَّمَ مِنْ جَسَدِكَ، وَقُلْ بِاسْمِ اللهِ ثَلَاثًا، وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ: أَعُوذُ بِاللهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ.”
(المصدر: صحيح مسلم، 2202).
- الدعاء باسم الله الشافي: الدعاء بأسماء الله الحسنى وصفاته العليا من أسباب الإجابة، ومنها اسم “الشافي”، ويمكن الاستئناس بقوله تعالى على لسان نبيه إبراهيم عليه السلام:
“وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ”
[سورة الشعراء: 80].
أدعية عامة وصيغ شائعة لشفاء الأم
إلى جانب الأدعية المأثورة، يتداول الناس العديد من صيغ الدعاء الطيبة التي تحمل معاني الابتهال والرجاء إلى الله، يمكن الدعاء بهذه الصيغ وأمثالها، فباب الدعاء واسع، ما لم يكن في لفظها محذور شرعي.
- اللَّهُمَّ اشْفِ أُمِّي وَأَلْبِسْهَا ثَوْبَ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ، وَاحْفَظْهَا بِعَيْنِكَ الَّتِي لَا تَنَامُ، وَارْفَعْ عَنْهَا كُلَّ بَأْسٍ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
- يَا رَبِّ، أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الْأَعْظَمِ الَّذِي إِذَا دُعِيتَ بِهِ أَجَبْتَ، وَإِذَا سُئِلْتَ بِهِ أَعْطَيْتَ، أَنْ تَشْفِيَ أُمِّي وَتُعَافِيَهَا مِنْ كُلِّ مَرَضٍ وَأَلَمٍ، وَأَنْ تُبَدِّلَ تَعَبَهَا رَاحَةً وَضَعْفَهَا قُوَّةً.
- اللَّهُمَّ يَا شَافِي، يَا مُعَافِي، يَا مَنْ بِيَدِهِ الْأَمْرُ كُلُّهُ، نَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ فِي جَسَدِ أُمِّي عَافِيَةً دَائِمَةً، وَفِي قَلْبِهَا سَكِينَةً وَطُمَأْنِينَةً يَا كَرِيمُ.
- رَبِّ، إِنِّي وَضَعْتُ أُمِّي فِي وَدَائِعِكَ، فَاحْفَظْهَا وَاشْفِهَا وَعَافِهَا، وَأَمِدَّ فِي عُمْرِهَا عَلَى طَاعَتِكَ، وَارْزُقْهَا الصِّحَّةَ وَالْقُوَّةَ.
تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله الناس ويجوز الدعاء بها لمعناها الطيب، ولكنها لم تثبت بنصها الحرفي عن النبي صلى الله عليه وسلم، والأكمل والأفضل هو الالتزام بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة الصحيحة، فهي جامعة للخير والبركة، وهي كافية ومباركة.
صور تحمل دعاء مكتوب: يا رب اشفِ أمي
تُعد مشاركة الصور التي تحمل أدعية لشفاء الأم وسيلة طيبة للتعبير عن مشاعر الحب والرجاء، ودعوة الآخرين للمشاركة في الدعاء، فالدعاء بظهر الغيب مستجاب بإذن الله، وقد تكون دعوة صادقة من أحدهم سببًا في تفريج الكرب ورفع البلاء.


عند مشاركة هذه الصور، يُستحسن التأكد من أن نص الدعاء المكتوب صحيح لغويًا وشرعيًا، إن الهدف هو التضرع إلى الله بقلب خاشع، ونشر الأمل والدعاء الصادق الذي قد يوافق ساعة إجابة.

فضل الدعاء للأم ومكانة بر الوالدين
الدعاء للأم المريضة ليس مجرد طلب للشفاء، بل هو عبادة جليلة وأحد أعظم أبواب بر الوالدين الذي حث عليه الإسلام، وقد بيّنت السنة النبوية المطهرة المكانة العظيمة للأم ووجوب الإحسان إليها.
- وصية الله بالأمهات: عن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
“إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ -ثَلَاثًا-، إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِآبَائِكُمْ، إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ.”
(المصدر: سنن ابن ماجه، 3661، وصححه الألباني).
- البر سبب لدخول الجنة: بر الأم من أقصر الطرق إلى الجنة، كما يتضح من قصة حارثة بن النعمان رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“نِمْتُ فَرَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ، فَسَمِعْتُ صَوْتَ قَارِئٍ يَقْرَأُ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ.” فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “كَذَاكَ الْبِرُّ، كَذَاكَ الْبِرُّ.” وَكَانَ أَبَرَّ النَّاسِ بِأُمِّهِ.
(المصدر: مسند أحمد، 24243، وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين).
- التقصير في حق الوالدين من أسباب الخسارة: حذر النبي صلى الله عليه وسلم من إدراك الوالدين عند الكبر ثم التقصير في حقهما، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
“رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ.” قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: “مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ، أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا، فَلَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ.”
(المصدر: صحيح مسلم، 2551).
إن الدعاء للأم، والاهتمام بعلاجها، والحرص على راحتها، كل ذلك من البر الذي يفتح أبواب الرزق والبركة، ويُفرّج الكروب، ويرفع الدرجات عند الله تعالى.
ثمار بر الوالدين في الدنيا والآخرة
إن بر الوالدين، وخاصة الأم، يعود على الإنسان بفوائد عظيمة وثمار يانعة في حياته وبعد مماته، ومن أبرزها:
- رضا الله تعالى: رضا الله من رضا الوالدين، وهو مفتاح كل خير وتوفيق في الدنيا والآخرة.
- البركة في العمر والرزق: بر الوالدين وصلة الرحم من أسباب بسط الرزق والبركة في العمر.
- بر الأبناء: من برّ بوالديه، برّ به أبناؤه جزاءً وفاقًا، وهي سنة الله في خلقه.
- أحب الأعمال إلى الله: يأتي بر الوالدين في منزلة عظيمة بعد الصلاة على وقتها، كأحد أحب الأعمال إلى الله.
- سبب لدخول الجنة: هو باب من أوسع أبواب الجنة، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة.
- تفريج الكروب: يُعد بر الوالدين من الأعمال الصالحة التي يتوسل بها العبد إلى الله في الشدائد لتفريج الكروب، كما في قصة أصحاب الغار.
المصادر والمراجع
- سورة الشعراء، الآية 80.
- صحيح البخاري، حديث رقم 5675، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 2191 و 2202 و 2551، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن ابن ماجه، حديث رقم 3661، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- مسند الإمام أحمد، حديث رقم 24243، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة (FAQs)
ما هو أفضل دعاء لشفاء الأم؟
أفضل الدعاء وأكمله هو ما ثبت في السنة النبوية الصحيحة، وعلى رأسه دعاء النبي صلى الله عليه وسلم للمريض: “اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أَذْهِبِ البَاسَ، اشْفِهِ وَأَنْتَ الشَّافِي، لاَ شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا”، فهو دعاء جامع ومبارك، ويُرجى به الشفاء التام بإذن الله.
هل يجوز أن أدعو لأمي بالعامية أو بصيغة من عندي؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يفتح عليه من صيغ طيبة وبلهجته العامية، فالله سبحانه وتعالى يعلم ما في القلوب ويسمع كل الدعوات، المهم أن لا يحتوي الدعاء على اعتداء أو محذور شرعي، ومع ذلك، يبقى الالتزام بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة هو الأفضل والأعظم أجرًا.
ما هي أوقات استجابة الدعاء التي يُنصح بتحريها؟
يُستحب تحري أوقات وأحوال إجابة الدعاء، ومنها: الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود أثناء الصلاة، وآخر ساعة من يوم الجمعة، وعند نزول المطر، الإلحاح في الدعاء في هذه الأوقات من أسباب القبول بإذن الله.

