يُعَدُّ يوم التروية، وهو اليوم الثامن من شهر ذي الحجة، محطة إيمانية عظيمة وبداية لأعظم مناسك الإسلام، وهو الحج، سُمِّي بهذا الاسم لأن الحجاج كانوا يرتوون فيه بالماء في مكة ويحملونه معهم إلى منى استعدادًا للوقوف بعرفة، وهو يقع ضمن الأيام العشر الأولى من ذي الحجة، التي أقسم الله بها في كتابه لعظيم فضلها، وهي أفضل أيام الدنيا للعمل الصالح.

أدعية مأثورة ومشروعة من القرآن والسنة

لم يرد في السنة النبوية دعاء محدد خاص بيوم التروية بعينه، ولكن لكونه من الأيام العشر الفاضلة، يُستحب فيه الإكثار من الدعاء والذكر والعمل الصالح بشكل عام، والأفضل للمسلم أن يدعو بالأدعية الجامعة من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، ومنها:

• الدعاء بخيري الدنيا والآخرة: وهو من أكثر الأدعية التي كان يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلم، خاصة في مناسك الحج.
  

  “وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” [البقرة: 201].

  .

• دعاء شامل لطلب الهداية والصلاح: وهو دعاء نبوي عظيم يجمع أصول الفلاح.
  

  “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى” (رواه مسلم).

  .

• دعاء لرفع الحرج وطلب المغفرة: وهو من ختام سورة البقرة، وفيه تضرع وابتهال إلى الله.
  

  “رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّnَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ” [البقرة: 286].

  .

• الإكثار من التهليل والتكبير والتحميد: يُستحب الإكثار من ذكر الله في هذه الأيام بقول:“الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد”.

  وقد ثبت أن الصحابة كابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما كانوا يجهرون بالتكبير في هذه الأيام.

أمثلة على صيغ دعاء منتشرة

يتداول بعض الناس صيغًا معينة للدعاء في يوم التروية، ورغم أن معانيها قد تكون حسنة، إلا أنه من المهم معرفة حكمها الشرعي، من هذه الصيغ:

• “اللَّهُمَّ في يوم التروية، اروِ قلوبنا بفيض من رحمتك، واغفر لنا ذنوبنا، وزدنا نورًا وهدايةً وإيمانًا يا أكرم الأكرمين، ونسألك أن تستجيب دعواتنا وتقبل أعمالنا.”.
• “اللَّهُمَّ ارزقنا في هذا اليوم العظيم قلوبًا مطمئنة، وصبرًا على قضائك، ورضا بقسمتك، واغفر لنا خطايانا وتجاوز عن تقصيرنا، إنك أنت الغفور الرحيم.”.
• “أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، نسألك يا ربنا الثبات على التوحيد والإيمان حتى نلقاك.”.

تنبيه هام وحكم هذه الأدعية

تنبيه: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه أنها خاصة بيوم التروية، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية ومباركة وشاملة لكل خير، ويجوز للمسلم أن يدعو بما يفتح الله عليه من الأدعية الطيبة التي لا تحتوي على محظور شرعي، دون أن ينسبها للسنة أو يخص بها وقتًا معينًا لم يخصصه الشرع.

أبرز الأعمال المستحبة في يوم التروية

تختلف الأعمال المستحبة في هذا اليوم بين الحاج وغير الحاج، على النحو التالي:

1، أعمال الحاج في يوم التروية:

يوم التروية هو يوم انطلاق الحجاج لأداء مناسك الحج، وأعمالهم فيه كالتالي:

• الإحرام بالحج: من كان متمتعًا بالعمرة وتحلل منها، فإنه يحرم بالحج ضحى يوم التروية من مكانه الذي هو فيه.
• التلبية: يكثر الحاج من التلبية قائلًا: “لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك”.
• التوجه إلى مِنى: يتوجه الحاج إلى مِنى ويصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء، كل صلاة في وقتها، مع قصر الصلوات الرباعية (الظهر والعصر والعشاء) إلى ركعتين.
• المبيت في مِنى: يُسن للحاج أن يبيت في مِنى ليلة التاسع من ذي الحجة (ليلة عرفة)، وهو من سنن الحج المؤكدة.
• صلاة الفجر والانطلاق إلى عرفة: يصلي الحاج الفجر في مِنى، ثم ينتظر حتى تطلع الشمس، وبعد طلوعها يتوجه إلى صعيد عرفات للوقوف به، وهو الركن الأعظم للحج.

2، أعمال غير الحاج في يوم التروية:

للمسلمين الذين لم يكتب لهم الحج، يُستحب اغتنام فضل هذا اليوم بالأعمال الصالحة الآتية:

• الصيام: يُستحب صيام الأيام التسعة الأولى من ذي الحجة، ويوم التروية من ضمنها، لما فيه من أجر عظيم.
• الذكر والدعاء: الإكثار من ذكر الله، خاصة التكبير والتهليل والتحميد، والدعاء بخشوع وتضرع.
• الصدقة وقراءة القرآن: وغيرها من أعمال البر التي يتضاعف أجرها في هذه الأيام المباركة.
• الصلاة على النبي: الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في كل وقت وحين.

هدي النبي صلى الله عليه وسلم في يوم التروية

أعمال النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع هي الدليل والمرجع الأساسي لأعمال الحج، وقد ورد في السنة ما يوضح هديه في هذا اليوم:

• عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه في وصفه لحجة النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
  

  “فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا، إِلَّا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى، فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ” (رواه مسلم).

  وهذا يوضح أن من كان قارنًا أو مفردًا ومعه الهدي بقي على إحرامه، أما المتمتع فأحرم بالحج في هذا اليوم.

• أما عن صيامه في هذه الأيام أثناء الحج، فقد ثبت أنه كان مفطرًا؛ فعن أم الفضل بنت الحارث رضي الله عنها:
  

  “أَنَّ نَاسًا تَمَارَوْا (اختلفوا) عِنْدَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ فِي صَوْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ صَائِمٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ بِصَائِمٍ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ بِقَدَحِ لَبَنٍ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ، فَشَرِبَهُ” (متفق عليه).

  وهذا دليل على أن الفطر للحاج أقوى له على العبادة وأولى من الصيام.

إن يوم التروية مفتاح لأعظم أيام الله، وهو فرصة للحاج للاستعداد للوقوف بعرفة، ولغير الحاج لاغتنام فضل الزمان بالعبادة والتقرب إلى الله الذي قال في كتابه الكريم:

“وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ” [البقرة: 186].

نسأل الله أن يتقبل من الحجاج حجهم، وأن يوفقنا جميعًا لاغتنام هذه الأيام المباركة، وأن يملأ قلوبنا بالإيمان والطاعة.

المصادر والمراجع

أسئلة شائعة

ما هو الدعاء الخاص بيوم التروية؟

لم يثبت في السنة النبوية دعاء مخصص ليوم التروية، والمشروع هو الإكثار من الأدعية العامة من القرآن والسنة، والذكر، والتكبير، والاستغفار، باعتباره من الأيام العشر الفاضلة من ذي الحجة.

ما حكم صيام يوم التروية لغير الحاج؟

صيام يوم التروية لغير الحاج مستحب وسنة، لأنه اليوم الثامن من الأيام التسعة الأولى من شهر ذي الحجة التي يُسن صيامها، لما لها من فضل عظيم وثواب جزيل.

لماذا سمي يوم التروية بهذا الاسم؟

سُمي بذلك لأن الحجاج كانوا يرتوون فيه من الماء ويحملونه معهم من مكة إلى منى، استعدادًا ليوم عرفة الذي لم يكن به ماء في ذلك الوقت، وقيل أيضًا لأن إبراهيم عليه السلام رأى في منامه ليلة التروية أنه يذبح ابنه، فأصبح يروّي في نفسه (أي يفكر) أهذا الحلم من الله أم من الشيطان.

عن احمد نصر

بقلم: أحمد نصر باحث ومحرر محتوى إسلامي متخصص في قسم الأدعية بموقع [أُوني]، يكرس جهوده لجمع وتدقيق الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتقديمها للمسلمين في إطار موثوق وسهل الفهم، يسعى أحمد لتقديم محتوى ديني يعزز الصلة بالله ويستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة.

جميع مقالات احمد نصر