يَحمل شهر شعبان مكانة خاصة في السنة الإسلامية، حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يُكثر فيه من العبادة، وخاصة الصيام، وقد ورد عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت:
“فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ”
(متفق عليه)، وتُعد ليلة النصف من شعبان من الليالي التي ورد في فضلها بعض الأحاديث، مما يدفع المسلمين للتقرب إلى الله فيها بالعبادات المشروعة كالدعاء والذكر والصلاة.
فضل ليلة النصف من شعبان وحكم إحيائها
ورد في فضل ليلة النصف من شعبان حديث صحيح يُبيّن سعة مغفرة الله تعالى لعباده في هذه الليلة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“يَطَّلِعُ اللَّهُ إِلَى خَلْقِهِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ”
(رواه الطبراني وابن حبان، وصححه الألباني)، والمشاحن هو صاحب العداوة والبغضاء.
أما بخصوص تخصيص هذه الليلة بعبادات معينة كصلاة خاصة أو احتفالات جماعية، فقد اختلف أهل العلم في حكمها، جمهور الفقهاء على أن تخصيصها بعبادة لم ترد في السنة الصحيحة يُعد من الأمور المحدثة (البدع)، قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: “فأما الاجتماع في المساجد على صلاة مقدرة..، فهذا بدعة لم يستحبها أحد من الأئمة”.
والصواب هو أن يجتهد المسلم في العبادة بشكل فردي كما كان يفعل بعض السلف، دون تخصيص صلاة معينة بعدد ركعات محدد، بل يصلي ما تيسر له من قيام الليل، ويدعو، ويقرأ القرآن، ويستغفر الله تعالى.
أدعية قرآنية ونبوية يُستحب الدعاء بها
الأفضل للمسلم أن يدعو بالأدعية الثابتة في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي جامعة لخيري الدنيا والآخرة، وهذه بعض الأمثلة التي يمكن الدعاء بها في هذه الليلة وغيرها من الأوقات:
- دعاء جامع من القرآن الكريم:
 “رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” [البقرة: 201]. 
- دعاء لطلب العفو والمغفرة: عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله، أرأيتَ إن علمتُ أي ليلةٍ ليلةُ القدر ما أقول فيها؟ قال:
 “قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي” (رواه الترمذي، حديث صحيح)، وهذا الدعاء مناسب لليالي التي يُرجى فيها العفو والمغفرة. 
- سيد الاستغفار: وهو من أعظم صيغ الاستغفار، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
 “سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ” (رواه البخاري). 
- دعاء تفريج الكروب:
 “لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ” (متفق عليه). 
صيغ وأدعية شائعة لم تثبت صحتها
تنتشر بين الناس صيغ أدعية مخصصة لهذه الليلة، ومن أشهرها الدعاء التالي:
- (اللَّهُمَّ يَا ذَا الْمَنِّ وَلَا يُمَنُّ عَلَيْهِ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، يَا ذَا الطَّوْلِ وَالْإِنْعَامِ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ظَهْرَ اللَّاجِئينَ، وَجَارَ الْمُسْتَجِيرِينَ، وَأَمَانَ الْخَائِفِينَ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ كَتَبْتَنِي عِنْدَكَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ شَقِيًّا أَوْ مَحْرُومًا أَوْ مَطْرُودًا أَوْ مُقَتَّرًا عَلَيَّ فِي الرِّزْقِ، فَامْحُ اللَّهُمَّ بِفَضْلِكَ شَقَاوَتِي وَحِرْمَانِي وَطَرْدِي وَإِقْتَارَ رِزْقِي، وَأَثْبِتْنِي عِنْدَكَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ سَعِيدًا مَرْزُوقًا مُوَفَّقًا لِلْخَيْرَاتِ، فَإِنَّكَ قُلْتَ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ فِي كِتَابِكَ الْمُنَزَّلِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكَ الْمُرْسَلِ: ﴿يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾…).
تنبيه هام وحكم هذه الصيغ
تنبيه هام: هذه الصيغة المشهورة هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة توقيفية، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة، ومعاني هذا الدعاء صحيحة في مجملها، فيجوز الدعاء بها وبغيرها من الصيغ العامة التي لا تخالف الشرع، ولكن دون اعتقاد أن لهذه الصيغة فضلًا خاصًا أو أنها سنة مخصصة لهذه الليلة.
حكم صيام يوم النصف من شعبان
لم يثبت حديث صحيح في تخصيص يوم النصف من شعبان بالصيام، والحديث المروي في ذلك: “إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا يَوْمَهَا…” هو حديث ضعيف جدًا أو موضوع باتفاق أهل العلم.
وعليه، لا يُشرع تخصيص هذا اليوم بالصيام اعتقادًا بفضيلة خاصة، لكن يجوز صيامه ضمن صور أخرى مشروعة:
- أن يكون من عادة الشخص صيام أيام البيض (13، 14، 15) من كل شهر هجري، فيوافق يوم الخامس عشر منها.
- أن يكون من عادة الشخص صيام يومي الاثنين والخميس، فيوافق هذا اليوم أحدهما.
- أن يصومه بنية الصيام المطلق في شهر شعبان الذي يُستحب الإكثار من الصيام فيه بشكل عام، اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم.
أعمال صالحة مشروعة في كل وقت
ليلة النصف من شعبان فرصة طيبة للتقرب إلى الله، ويمكن للمسلم أن يغتنمها بالقيام بالأعمال الصالحة المشروعة في كل وقت، ومنها:
- قيام الليل: الصلاة في جوف الليل من أفضل القربات.
- قراءة القرآن الكريم: بتدبر وخشوع.
- الإكثار من الذكر: كالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير.
- الاستغفار والتوبة: الإنابة إلى الله وطلب المغفرة من الذنوب.
- الدعاء بإلحاح: سؤال الله تعالى من خيري الدنيا والآخرة للنفس والأهل والمسلمين.
- الصدقة: فهي تطفئ الخطيئة وتزيد في الرزق.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 201.
- صحيح البخاري، حديث رقم 1969، وصحيح مسلم، حديث رقم 1156 (حديث صيام شعبان)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “يطلع الله…” رواه الطبراني في المعجم الكبير وابن حبان في صحيحه، (صححه الألباني في السلسلة الصحيحة، حديث رقم 1144).
- سنن الترمذي، حديث رقم 3547 (حديث دعاء ليلة القدر).
- صحيح البخاري، حديث رقم 6306 (حديث سيد الاستغفار).
- صحيح البخاري، حديث رقم 6343، وصحيح مسلم، حديث رقم 2690 (حديث دعاء الكرب).
- ابن تيمية، مجموع الفتاوى (23/131).
أسئلة شائعة (FAQs)
س1: هل هناك صلاة خاصة بليلة النصف من شعبان؟
ج: لا، لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خصّ هذه الليلة بصلاة معينة بعدد ركعات محدد أو بكيفية خاصة، وما يُعرف بـ “الصلاة الألفية” أو “صلاة الرغائب” هو من البدع المحدثة، والمشروع هو قيام الليل المعتاد بما تيسر من الصلاة والدعاء والقرآن.
س2: ما هو أصح ما ورد في فضل ليلة النصف من شعبان؟
ج: أصح ما ورد هو حديث: “يطلع الله إلى خلقه في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن”، وهو حديث صحيح بمجموع طرقه، ويدل على فضل هذه الليلة وأنها موسم للمغفرة لمن سلم قلبه من الشرك والشحناء.
س3: هل يجوز قراءة الدعاء المشهور “اللهم يا ذا المن…”؟
ج: نعم، يجوز الدعاء به وبغيره من الأدعية التي تحمل معانٍ طيبة، لكن بشرط عدم الاعتقاد بأنه دعاء خاص بهذه الليلة أو أنه سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه لم يثبت بسند صحيح، فالأمر واسع في الدعاء بما يفتح الله به على عبده ما لم يكن فيه إثم أو قطيعة رحم.
 
		

