إن من أعظم نعم الله على عباده أن يسبغ عليهم ستره، فيصونهم من انكشاف العيوب والفضيحة؛ فالله سبحانه وتعالى “سِتِّيرٌ” يحب الستر والحياء، ومهما بلغ المؤمن في إيمانه، فإنه يبقى في حاجة دائمة إلى ستر الله وعفوه، فالإنسان بطبعه يقع في الغفلة والزلل، لذا كان اللجوء إلى الله بالدعاء لطلب الستر والعافية في الدنيا والآخرة من أهم العبادات.
وقد ورد في السنة النبوية ما يؤكد هذا المعنى، فعن يَعْلَى بنِ أُمَيَّةَ رضي الله عنه أَنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
“إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ، يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ، فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ.”
(رواه أبو داود والنسائي، وصححه الألباني).
أدعية صحيحة ومأثورة لطلب الستر والعافية
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي جامعة لخيري الدنيا والآخرة، ومباركة، وكافية للمسلم، ومن هذه الأدعية المباركة:
1، دعاء النبي لطلب الستر والأمان
كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الذي يواظب عليه صباحاً ومساءً أن يقول:
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي، وَآمِنْ رَوْعَاتِي، اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ، وَمِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي، وَعَنْ شِمَالِي، وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي.”
المصدر: سنن أبي داود وسنن ابن ماجه، وهو حديث صحيح.
2، دعاء مأثور عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه
من الأدعية المأثورة عن السلف الصالح، ما كان يدعو به أبو بكر الصديق رضي الله عنه:
“اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ عُمْرِي آخِرَهُ، وَخَيْرَ عَمَلِي خَوَاتِمَهُ، وَخَيْرَ أَيَّامِي يَوْمَ أَلْقَاكَ فِيهِ.”
وهذا الدعاء فيه طلب لحسن الخاتمة، والتي هي من أعظم صور الستر الإلهي للعبد.
3، الدعاء بأسماء الله الحسنى
يمكن للمسلم أن يدعو الله بأسمائه الحسنى التي تناسب حاجته، مثل “يا ستير”، “يا غفار”، “يا عفو”، “يا حليم”، فيقول: “يا ستير استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك”.
صيغ منتشرة للدعاء بالستر
يتداول بعض الناس صيغاً وأدعية متنوعة لطلب الستر، خصوصاً في مناسبات معينة كالزواج، ومن أمثلة هذه الصيغ العامة:
- “اللهم يا من لا تراه العيون، ولا تخالطه الظنون، ولا يصفه الواصفون، أسألك الستر في الدنيا والآخرة.”.
- “ربي أسألك بعزك الذي لا يرام، وملكك الذي لا يضام، ونورك الذي ملأ أركان عرشك، أن تسترني وتجبر كسري وتعتقني من النار برحمتك.”.
- (دعاء للزواج): “اللهم ارزقني زوجًا صالحًا يكون سترًا لي في الدنيا، وأعني وإياه على طاعتك، وبارك لنا في حياتنا.”.
- (دعاء لحفظ النفس): “اللهم احفظني بسترك الذي لا ينكشف، وحصني بحصنك الذي لا يُخترق، وأسبغ عليَّ نعمك، واصرف عني كل سوء.”.
تنبيه هام وحكم تخصيص هذه الأدعية
تنبيه هام: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه كتخصيص لمناسبة معينة أو فضل محدد، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة، ويجوز للمسلم أن يدعو بما يفتح الله عليه من صيغ عامة لا تخالف الشرع، ولكن دون أن يعتقد لها فضلاً خاصاً أو ينسبها إلى السنة.
أسباب عملية لنيل ستر الله في الدنيا والآخرة
إلى جانب الدعاء، هناك أعمال صالحة وأخلاق كريمة تعد من أعظم الأسباب التي ينال بها العبد ستر الله وتوفيقه، الجزاء من جنس العمل، ومن سعى في ستر الناس، كان أهلاً لستر الله له.
- ستر المسلمين: من أعظم الأسباب، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.”
(صحيح مسلم).
- كظم الغيظ: التحكم في النفس عند الغضب سبب مباشر لستر الله، قال صلى الله عليه وسلم:
“وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ.”
(حديث حسن).
- اجتناب تتبع عورات الناس: الانشغال بعيوب النفس عن عيوب الآخرين من أسباب السلامة، قال صلى الله عليه وسلم:
“يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الإِيمَانُ قَلْبَهُ، لاَ تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلاَ تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنِ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ.”
(سنن أبي داود، حديث حسن).
- صدقة السر: الإنفاق في الخفاء دون رياء من أسباب دفع البلاء ونيل رضا الله وستره، وقد ورد في الحديث:
“صَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ.”
(صححه الألباني).
- التوبة الصادقة والاستغفار: الإقلاع عن الذنب والندم عليه والعزم على عدم العودة إليه يمحو أثره ويجلب ستر الله ومغفرته، قال تعالى:
“إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا”
[الفرقان: 70].
- حفظ أسرار البيوت: العلاقة الزوجية لها خصوصيتها، وإفشاء أسرارها من الأمور التي تمحق البركة وتكشف الستر.
شروط وضوابط الستر على الآخرين
الستر على المسلم خلق إسلامي رفيع، ولكنه مقيد بضوابط شرعية ليكون محمودًا:
- ألا يكون فيه تضييع للحقوق: لا يجوز الستر في المواضع التي تقتضي الشهادة لإثبات حق أو دفع ظلم، فكتمان الشهادة هنا محرم.
- ألا يكون المجاهر بالمعصية: من يجاهر بفسقه وفجوره لا يستحق الستر، بل قد يكون في التحذير منه مصلحة عامة.
- ألا يؤدي الستر إلى تمادي المخطئ: إذا كان الستر على المخطئ سيجعله يتمادى في غيه وإضراره بالناس، فالأولى هنا نصحه وإن لم يستجب يتم رفع أمره لمن يستطيع ردعه.
المصادر والمراجع
- سورة الفرقان، الآية 70.
- حديث “إن الله حيي ستير يحب الحياء والستر”، (سنن أبي داود، 4012)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي”، (سنن أبي داود، 5074)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “من ستر مسلماً ستره الله”، (صحيح مسلم، 2580)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “ومن كف غضبه ستر الله عورته”، (قضاء الحوائج لابن أبي الدنيا، وحسنه الألباني)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “لا تتبعوا عورات المسلمين”، (سنن أبي داود، 4880)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة (FAQs)
ما هو أفضل وأصح دعاء لطلب الستر؟
أفضل دعاء هو ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو دعاء الصباح والمساء: “اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي، وَآمِنْ رَوْعَاتِي…” لأنه دعاء نبوي صحيح جامع وشامل.
هل يجوز أن أدعو بالستر بصيغة من عندي؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بما شاء من خيري الدنيا والآخرة بلغته وأسلوبه الخاص، ما لم يكن في دعائه إثم أو قطيعة رحم، لكن الدعاء بالمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم يبقى هو الأفضل والأكمل والأعظم بركة.
ما الفرق بين ستر الدنيا وستر الآخرة؟
ستر الدنيا هو أن يحفظك الله من انكشاف عيوبك وذنوبك أمام الخلق، ويقيك من الفضائح والمواقف المخزية، أما ستر الآخرة، فهو أعظم، ويعني أن الله يغفر لك ذنوبك يوم القيامة ولا يفضحك بها على رؤوس الأشهاد، ويدخلك الجنة برحمته.

