الإصابة بالعين والحسد حق، وهي من الأمور التي قد تؤثر على حياة الإنسان وصحته ورزقه، وهي ثابتة في القرآن الكريم والسنة النبوية، وقد أرشدنا الشرع الحنيف إلى أهمية المداومة على ذكر الله تعالى والتحصن بالأدعية والأذكار المأثورة للوقاية منها وطلب الشفاء، نستعرض في هذا المقال الأدعية الصحيحة الثابتة، ونوضح حكم الصيغ المنتشرة، مع بيان مفهوم العين وأعراضها وكيفية علاجها بالرقية الشرعية المعتمدة على الدليل.
أدعية التحصين من العين والحسد الثابتة في القرآن والسنة
الأصل في الدعاء والرقية هو الالتزام بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهو خير الهدي وأكمله، وفيما يلي أهم ما يقرأ للتحصين والرقية من العين والحسد:
1، الرقية بسور القرآن الكريم
قراءة بعض السور والآيات القرآنية بنية الرقية والشفاء هي من أنفع العلاجات، ومن أهمها:
- سورة الفاتحة: فهي الشافية والكافية.
- آية الكرسي: وهي أعظم آية في القرآن، تحفظ قارئها من الشياطين.
“اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ…” [البقرة: 255]
.
- آخر آيتين من سورة البقرة: فقد ورد في فضلها أنها تكفي من قرأها في ليلته.
“آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ…” [البقرة: 285-286]
.
- المعوذات (الإخلاص، الفلق، الناس): كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بهن، وهي من أعظم ما يُحصّن به المسلم نفسه.
2، أدعية من السنة النبوية الصحيحة
وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم أدعية جامعة للتحصين من كل شر، ومنها العين والحسد:
- دعاء تحصين الأبناء (ويمكن قوله على النفس): كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوّذ الحسن والحسين فيقول:
“أُعِيذُكُمَا بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ.”
(المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 3371)، وعندما يقوله الشخص لنفسه يقول: “أعوذ بكلمات الله التامة…”.
- دعاء جبريل عليه السلام لرقية النبي:
“بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ، مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ، اللهُ يَشْفِيكَ، بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ.”
(المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 2186).
- الدعاء العام للحفظ:
“بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.” (ثلاث مرات صباحًا ومساءً)
(المصدر: سنن الترمذي، حديث حسن صحيح).
صيغ وأدعية شائعة ومنتشرة
يتداول بعض الناس صيغاً وأدعية معينة للعين والحسد، ورغم أن معانيها قد تكون صحيحة في مجملها، إلا أنها لم ترد بهذه الصياغة المحددة في القرآن أو السنة، ومن أمثلة ذلك:
- دعاء لإبطال أثر العين: اللَّهُمَّ أَبْطِلْ أَثَرَ كُلِّ عَيْنٍ حَاسِدَةٍ، اللَّهُمَّ أَخْرِجْ كُلَّ عَيْنٍ لَامَّةٍ، اللَّهُمَّ أَخْرِجْ كُلَّ عَيْنٍ أَصَابَتْ بِضَرَرٍ، اللَّهُمَّ أَخْرِجْ كُلَّ عَيْنٍ قَوِيَّةٍ نَفَذَتْ بِقُوَّتِهَا، اللَّهُمَّ أَخْرِجْ كُلَّ عَيْنٍ قَدِيمَةٍ، اللَّهُمَّ أَخْرِجْ كُلَّ عَيْنٍ نَظَرَتْ وَاسْتَحْسَنَتْ فَرَكَزَتْ فَأَضَرَّتْ..
- دعاء لدفع الحسد: بِسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ دَاءٍ يُؤْذِيكَ، وَمِنْ كُلِّ بَلَاءٍ يُصِيبُكَ، وَمِنْ كُلِّ شَرٍّ وَشَقَاءٍ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدَةٍ أَوْ نَفْسٍ حَاقِدَةٍ، يَا مُفَرِّجَ الْكُرُوبِ وَيَا مُجِيبَ دُعَاءِ الْمُضْطَرِّينَ..
- دعاء لحفظ الأبناء: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَوْدِعُكَ أَبْنَائِي فَهُمْ قِطْعَةٌ مِنْ قَلْبِي، فَاحْفَظْهُمْ بِحِفْظِكَ الَّذِي لَا تُرَامُ، وَاكْلَأْهُمْ بِرِعَايَتِكَ الَّتِي لَا تُضَامُ، وَاحْفَظْهُمْ مِنْ كُلِّ شَرٍّ وَسُوءٍ وَمَكْرُوهٍ..
تنبيه هام وحكم هذه الأدعية
تنبيه هام: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، والدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة، ويجوز للمسلم أن يدعو بأدعية عامة بمعانٍ صحيحة لا تخالف الشرع، ولكن لا يجوز تخصيصها بفضل معين أو نسبتها إلى السنة دون دليل.
نص دعاء العين مكتوب
من أفضل ما يُقال للرقية والتحصين هو الجمع بين الآيات القرآنية والأدعية النبوية المأثورة، وفيما يلي تجميع لأهمها:
- أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ.
- أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ.
- بِسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ، مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ، اللهُ يَشْفِيكَ، بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ.
- اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ، أَذْهِبِ الْبَأْسَ، اشْفِهِ وَأَنْتَ الشَّافِي، لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا.
- حَسْبِيَ اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ.
مفهوم العين وتعريفها
العين في المفهوم الشرعي هي نظرة استِحسان أو إعجاب مشوبة بالحسد من شخص خبيث الطبع، أو حتى نظرة إعجاب مجردة دون حسد، إذا لم يصحبها ذكر الله تعالى (كقول: ما شاء الله، تبارك الله)، فتؤثر في الشخص المنظور إليه (المَعِين) بإذن الله الكوني القدري.
وقد ثبت تأثيرها بقول النبي صلى الله عليه وسلم:
“الْعَيْنُ حَقٌّ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ.”
(صحيح مسلم)، وهذا يوجب على المسلم أخذ الحيطة والحذر والتحصن الدائم بالأذكار الشرعية.
تصنيفات العين وأنواعها
يمكن تقسيم العين بناءً على مصدرها وأثرها إلى أنواع، وإن كان العلاج والوقاية منها واحداً:
- العين المُعجبة: وهي التي تصدر من شخص مُحب وغير حاسد، ولكن بسبب شدة إعجابه بشيء دون أن يذكر الله (يُبرّك)، قد يقع الضرر، لذا أُرشدنا إلى قول “ما شاء الله لا قوة إلا بالله” أو “بارك الله لك” عند رؤية ما يعجبنا.
- العين الحاسدة: وهي التي تصدر من نفس خبيثة تتمنى زوال النعمة عن الغير، وهذا النوع هو الأكثر انتشارًا وضرراً، ويجمع بين الإعجاب والحسد.
- العين القاتلة (السمية): وهي أشد الأنواع، وتصدر من حاسد شديد العداوة والخبث، وقد يكون لها تأثير بالغ الخطورة بإذن الله.
العلامات الدالة على الإصابة بالعين
هناك بعض الأعراض التي قد تدل على الإصابة بالعين أو الحسد، وهي ليست قطعية، فقد تتشابه مع أمراض عضوية أو نفسية أخرى، لذا، يجب على المسلم الجمع بين الرقية الشرعية والأخذ بالأسباب الطبية، ومن هذه الأعراض:
الأعراض الجسدية
- شحوب واصفرار في الوجه.
- صداع متنقل وثقل في مؤخرة الرأس والأكتاف.
- خفقان في القلب وتعرق زائد، خاصة في منطقة الظهر.
- ظهور كدمات زرقاء أو خضراء على الجسد دون سبب معروف.
- خمول وكسل دائم وشعور بالإرهاق.
- برودة أو حرارة غير طبيعية في الأطراف.
- آلام متنقلة في المفاصل والبطن.
التأثيرات النفسية للإصابة بالعين
قد تظهر على المصاب تغيرات نفسية وسلوكية ملحوظة، منها:
- ضيق شديد في الصدر وحزن وكآبة دون سبب واضح.
- النفور من الأهل والمجتمع والميل إلى العزلة.
- فقدان الرغبة في العمل أو الدراسة أو ممارسة الهوايات المعتادة.
- النسيان وضعف التركيز بشكل ملحوظ.
- نوبات بكاء أو غضب غير مبررة وتقلبات مزاجية حادة.
- رؤية أحلام مزعجة متكررة، كأن يرى عيوناً تنظر إليه أو حيوانات تطارده.
أساليب علاج العين من خلال القرآن الكريم
العلاج والوقاية من العين يكونان باتباع الهدي النبوي، ويمكن تلخيصه في النقاط التالية:
أولاً: الوقاية والتحصين (قبل الإصابة)
- المداومة على أذكار الصباح والمساء: فهي حصن المسلم المنيع.
- الدعاء بالبركة: عند رؤية ما يعجبك في نفسك أو مالك أو ولدك أو أخيك، قل: “ما شاء الله لا قوة إلا بالله، اللهم بارك له/عليه”.
- قراءة آية الكرسي والمعوذات: دبر كل صلاة وعند النوم.
- ستر محاسن من يُخشى عليه العين: وهو من باب الأخذ بالأسباب.
ثانياً: العلاج بالرقية الشرعية (بعد الإصابة)
- الاغتسال من أثر العائن: إذا عُرف العائن، يُؤمر بأن يتوضأ أو يغتسل، ثم يؤخذ الماء الذي اغتسل به ويُصب على المصاب من خلفه، وهذا ثابت في السنة.
- الرقية الشرعية: أن يقرأ المصاب على نفسه، أو يقرأ عليه غيره، بالآيات والأدعية المأثورة المذكورة سابقاً (الفاتحة، آية الكرسي، المعوذات، أدعية السنة) مع النفث على الجسد ومسح مكان الألم.
- الإلحاح في الدعاء: التوجه إلى الله بصدق ويقين وطلب الشفاء منه، فهو وحده الشافي.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 255 (آية الكرسي).
- سورة البقرة، الآيتان 285-286.
- صحيح البخاري، حديث رقم 3371، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 2186 وحديث رقم 2188، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، حديث رقم 3388، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة
ما هو أفضل وقت للتحصين من العين؟
أفضل الأوقات هي بعد صلاة الفجر (أذكار الصباح) وبعد صلاة العصر (أذكار المساء)، وكذلك عند النوم، المداومة على هذه الأذكار هي الحصن الواقي بإذن الله.
هل العين والحسد حقيقة في الإسلام؟
نعم، العين والحسد حقيقة ثابتة بالقرآن والسنة، قال تعالى: “وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ” [الفلق: 5]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “العين حق”.
ما الفرق بين العين والحسد؟
الحسد أعم من العين، فكل عائن حاسد وليس كل حاسد عائناً، الحسد هو تمني زوال النعمة عن الغير، وقد يحدث دون رؤية، أما العين فتكون بالنظر والإعجاب الذي قد يصحبه حسد أو لا، ولكن يقع بسببه الضرر.
هل يجوز استخدام أدعية غير مأثورة للرقية؟
يجوز الدعاء بأدعية عامة بمعانٍ صحيحة لا تخالف الشرع، ولكن الأفضل والأكمل هو الالتزام بالأدعية والآيات المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، لأنها جامعة للخير والبركة، وهي وحي من الله.

