إنَّ ذكر الله تعالى من أعظم العبادات وأجلِّ القربات، وهو سبب لسكينة القلب وطمأنينة النفس، وجلب البركة في حياة المسلم، وقد حثَّ الشرع على لزوم الذكر في كل الأحوال، ومن المواطن التي يُستحب فيها ذكر الله تعالى “الأسواق”، لأنها أماكن يغلب عليها الغفلة والانشغال بأمور الدنيا، فيكون الذاكر لله فيها منارةً للإيمان.

وقد ورد في السنة النبوية دعاءٌ مخصوص يُقال عند دخول السوق، اختلف العلماء في درجة صحته، مع وجود أدعية وأذكار عامة أخرى يمكن للمسلم أن يلهج بها لسانه في كل وقت وحين.

دعاء دخول السوق الثابت في السنة النبوية

الدعاء المأثور الذي يُستحب للمسلم أن يردده عند دخوله السوق هو ما ورد في الحديث النبوي الشريف، لما فيه من فضل عظيم وثواب جزيل.

«لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»

المصدر والحكم الشرعي: هذا الحديث رواه الإمام الترمذي في سننه (رقم: 3428) وابن ماجه (رقم: 2235)، وقد اختلف أهل العلم في درجة صحته؛ فبينما ضعّفه فريق من المحدثين، فقد حسّنه آخرون بمجموع طرقه، ومنهم الإمام الألباني في “صحيح الجامع”، وبناءً على ذلك، يُعد هذا الدعاء من الأذكار التي يُستحب العمل بها ويُرجى لمن قاله الأجر المذكور في الحديث، وهو: “كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ حَسَنَةٍ، وَمَحَا عَنْهُ أَلْفَ أَلْفِ سَيِّئَةٍ، وَرَفَعَ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ دَرَجَةٍ”.

أدعية مأثورة وأذكار عامة نافعة

إلى جانب الدعاء المخصص لدخول السوق، هناك العديد من الأدعية الصحيحة والأذكار العامة التي يمكن للمسلم أن يدعو بها في كل وقت وحين، والتي وردت في سياقات مختلفة ولكنها تحمل خيراً كثيراً، ومنها:

• دعاء جامع للوقاية من الشرور: وهو من الأدعية النبوية الثابتة التي تجمع خيري الدنيا والآخرة.
  

  «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمِنْ دُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَمِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعِ»

  المصدر: حديث صحيح، رواه الترمذي في سننه (رقم: 3482).

• دعاء الكرب وقضاء الدين: وهو دعاء عظيم يُقال عند الشدائد أو قبل النوم.
  

  «اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَرَبَّ الْأَرْضِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ، وَأَغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ»

  المصدر: حديث صحيح، رواه مسلم في صحيحه (رقم: 2713).

تنبيه هام بخصوص أدعية منتشرة

ينتشر بين الناس دعاء عند دخول الأماكن العامة بصيغة: “أعوذُ باللهِ العظيمِ وبوجههِ الكريمِ وسُلطانهِ القديمِ من الشيطانِ الرجيمِ…”.

توضيح وإخلاء مسؤولية: وجب التنبيه على أن هذه الصيغة هي دعاء دخول المسجد، كما ورد في حديث صحيح رواه أبو داود في سننه (رقم: 466)، وليست مخصصة لدخول السوق، والأصل في العبادات التوقيف، فينبغي على المسلم الالتزام بما ورد في السنة لكل موطن، وهو كافٍ ومبارك.

أما الأدعية العامة الأخرى التي لم يرد بها نص محدد، فيجوز الدعاء بها لأنها تحمل معاني طيبة، مثل:

• “اللهمَّ اجعَل لي وللمسلمينَ من كلِّ همٍّ فرجًا، ومن كلِّ ضيقٍ مخرجًا، ومن كلِّ بلاءٍ عافيةً”.
• “اللهمَّ إنّا نسألُك نفوسًا مطمئنةً تؤمنُ بلقائِك، وتَقْنعُ بعطائِك، وتَرْضى بقضائِك”.

آداب الدعاء وشروط الاستجابة

للدعاء آداب يُستحب للمسلم مراعاتها لتكون أرجى للقبول بإذن الله تعالى، من أبرز هذه الآداب:

• الإخلاص لله تعالى: أن يكون الدعاء خالصًا لوجه الله، لا رياء فيه ولا سمعة.
• الطهارة: يُستحب أن يكون الداعي على طهارة، وأن يستقبل القبلة ويرفع يديه.
• البدء بالثناء على الله والصلاة على نبيه: يبدأ دعاءه بحمد الله والثناء عليه، ثم يصلي على النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
• الإقرار بالذنب والاستغفار: الاعتراف بالتقصير وطلب المغفرة من الله تعالى.
• الإلحاح في الدعاء واليقين بالإجابة: أن يكرر المسلم دعاءه ويلحّ في طلبه، وهو موقن بأن الله سيستجيب له.
• تحري أوقات الإجابة: مثل الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، ويوم الجمعة.

الأحكام والآداب الشرعية للمتسوقين

نظَّم الإسلام جميع جوانب الحياة، بما فيها التعاملات في الأسواق، ووضع لها ضوابط تحفظ الحقوق وتمنع الوقوع في المحرمات، ومن أهم هذه الآداب:

• قصد السوق للحاجة: يُفضل عدم الإكثار من ارتياد الأسواق إلا لحاجة، تجنبًا للغفلة والانشغال عن ذكر الله.
• الالتزام بالضوابط الشرعية: على المرأة المسلمة الالتزام بالحجاب الشرعي، وعلى الجميع غض البصر وتجنب ما حرم الله.
• أداء الصلاة في وقتها: لا يجوز أن يشغل التسوق المسلم عن أداء الصلوات في أوقاتها، خاصة صلاة الجمعة.
• الصدق والسماحة في البيع والشراء: حث النبي صلى الله عليه وسلم على السماحة، فقال: “رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى” (صحيح البخاري).
• تجنب الغش والإسراف: يجب تجنب كل أشكال الغش والتدليس، والاعتدال في الإنفاق وتجنب الإسراف المنهي عنه.
• إفشاء السلام وحسن الخلق: نشر السلام والتعامل بلين وحسن خلق مع الباعة والمشترين.
• تجنب الديون إلا لضرورة: الحرص على عدم الاستدانة إلا لحاجة ملحة، لما يترتب على الدين من همّ ومسؤولية.

أسئلة شائعة (FAQs)

ما صحة حديث دعاء دخول السوق؟

حديث دعاء دخول السوق رواه الترمذي وغيره، وقد اختلف العلماء في درجة صحته، بعضهم ضعّفه، وبعضهم حسّنه بمجموع طرقه، مثل الإمام الألباني، لذلك، يُستحب قوله رجاءً لثوابه العظيم.

هل هناك دعاء مخصص للخروج من السوق؟

لم يرد في السنة النبوية الصحيحة دعاءٌ مخصص للخروج من السوق، ويمكن للمسلم أن يذكر الله بأي ذكر عام، مثل الاستغفار والتسبيح والتهليل.

ما الحكمة من تخصيص السوق بالذكر؟

الحكمة، والله أعلم، هي أن الأسواق أماكن للغفلة واللهو والانشغال بالدنيا، فمَن ذكر الله فيها كان له أجر عظيم، لأنه أحيا سنة في موطن غفلة، وكان من الذاكرين لله بينما الناس لاهون.

هل يجوز الدعاء بأدعية لم ترد في السنة؟

نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة، ما لم يكن في دعائه إثم أو قطيعة رحم، ولكن، الالتزام بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة هو الأفضل والأكمل والأعظم أجراً.

عن احمد نصر

بقلم: أحمد نصر باحث ومحرر محتوى إسلامي متخصص في قسم الأدعية بموقع [أُوني]، يكرس جهوده لجمع وتدقيق الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتقديمها للمسلمين في إطار موثوق وسهل الفهم، يسعى أحمد لتقديم محتوى ديني يعزز الصلة بالله ويستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة.

جميع مقالات احمد نصر