الدعاء هو جوهر العبادة والصلة المباشرة بين العبد وربه، وهو الوسيلة التي يلجأ بها المؤمن إلى خالقه في السراء والضراء، طمعًا في رحمته ومغفرته وتوفيقه، ولأن الدعاء عبادة، فإن الأصل فيه الاتباع والالتزام بما ورد في مصادر التشريع الأساسية، القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي الكافية والشافية والمباركة.
إن التوجه إلى الله بأدعية مأثورة وثابتة يمنح القلب طمأنينة ويجعل الدعاء أقرب للقبول، وقد ورد في كتاب الله قوله تعالى:
“وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ” [غافر: 60]
، مما يؤكد على عظم هذه العبادة، في هذا المقال، نستعرض مجموعة من الأدعية الصحيحة والمأثورة، مع بيان مصادرها لتعزيز الموثوقية وتقديم محتوى إيماني رصين وموثوق.
أدعية جامعة من القرآن الكريم والسنة النبوية
هذه مجموعة من الأدعية الصحيحة الواردة في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، وهي من جوامع الكلم التي تجمع خيري الدنيا والآخرة.
- دعاء نبي الله موسى عليه السلام لطلب تيسير الأمور: وهو دعاء عظيم يُقال عند مواجهة الصعاب وطلب العون من الله.
“قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ﴿٢٥﴾ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ﴿٢٦﴾” [طه: 25-26]
.
- دعاء طلب العافية: من الأدعية النبوية الجامعة التي كان النبي ﷺ يواظب عليها صباحًا ومساءً.
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي…”
(حديث صحيح، رواه أبو داود وابن ماجه).
- دعاء الاستعاذة من الهم والحزن: كان النبي ﷺ يُكثر من هذا الدعاء، وهو حصن للمسلم من منغصات الحياة.
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ.”
(حديث صحيح، رواه البخاري).
- دعاء الاستعاذة من زوال النعم: دعاء نبوي عظيم للحفاظ على نعم الله وشكرها.
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ.”
(حديث صحيح، رواه مسلم).
- دعاء سؤال الهدى والتقى: من الأدعية النبوية الجامعة التي تجمع أصول الفلاح.
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى.”
(حديث صحيح، رواه مسلم).
- دعاء أذكار الصباح والمساء: وهو دعاء عظيم للحفظ من الشيطان وشر النفس.
“اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي، وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ.”
(حديث صحيح، رواه الترمذي وأبو داود).
أدعية قرآنية ونبوية مؤثرة
الدعاء هو ملجأ المؤمن في كل أحواله، وهذه باقة من الأدعية الثابتة التي تُعين على تفريج الكروب وطلب الرحمة والمغفرة.
- دعاء نبي الله يونس (دعاء الكرب): ما دعا به مسلم في كرب إلا فرّج الله عنه.
“لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ” [الأنبياء: 87]
.
- دعاء ليلة القدر: وهو أفضل ما يُقال في الليالي المرجوة من رمضان.
“اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي.”
(حديث صحيح، رواه الترمذي).
- دعاء تفويض الأمر إلى الله: من أعظم أدعية الكرب والشدة.
“اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو، فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ.”
(حديث حسن، رواه أبو داود).
- دعاء الكرب العظيم: كان النبي ﷺ يقوله عند الكرب.
“لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ.”
(حديث صحيح، متفق عليه).
- دعاء طلب البركة في الرزق والذرية:
“اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالِي، وَوَلَدِي، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَنِي.”
(حديث صحيح، رواه البخاري في الأدب المفرد).
صيغ شائعة وأدعية عامة
يتداول الناس بعض الأدعية والصيغ التي لم ترد بنصها في القرآن أو السنة الصحيحة، ولكنها تحمل معانٍ طيبة ولا تخالف الشرع، يمكن الدعاء بها على سبيل العموم، مع اليقين بأن الأدعية المأثورة هي الأفضل والأكمل، ومن أمثلة ذلك:
- “اللهم طهّر قلبي من كل ما لا يرضيك، يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك.”.
- “يا رب اجبر خواطرنا، وعوضنا عن كل فقدٍ بخير، وبارك لنا في كل عزيز لدينا.”.
- “اللهم ارزقني من فرح يعقوب، وفرج يونس، وصبر أيوب، وثبات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.”.
- “اللهم اجعل أبنائي قرة عين لنا، وبارك فيهم، واحفظهم من كل سوء.”.
حكم الأدعية غير المأثورة والمنتشرة
تنبيه هام: الصيغ المذكورة أعلاه وغيرها مما يتداوله بعض الناس، لم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة توقيفية، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة، يجوز للمسلم أن يدعو بما يفتح الله عليه من كلام طيب لا إثم فيه ولا اعتداء، ولكن لا يجوز نسبة أي صيغة لم ترد بها السنة إلى الدين أو تخصيصها بفضل أو وقت معين لم يثبت بالدليل الشرعي.
دعاء السفر المأثور
من السنة عند توديع المسافر أن يُقال له:
“أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ.”
(حديث صحيح، رواه الترمذي).
أما دعاء المسافر لنفسه عند ركوب دابته (سيارته أو طائرته)، فهو:
“اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى، اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا، وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ، وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْمَالِ وَالْأَهْلِ.”
(حديث صحيح، رواه مسلم).
أدعية دينية على الظالم
الظلم من كبائر الذنوب، وقد أباح الشرع للمظلوم أن يدعو على من ظلمه دون اعتداء في الدعاء، ومن الأدعية المأثورة في هذا الباب دعاء النبي ﷺ:
“اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، سَرِيعَ الْحِسَابِ، اهْزِمِ الأَحْزَابَ، اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ.”
(حديث صحيح، متفق عليه).
ويمكن للمظلوم أن يدعو بما يناسب حاله، مثل: “يا رب، أنت حسبي ووكيلي، فوضت أمري إليك، فانصرني على من ظلمني.”
آداب الدعاء وشروط قبوله
ليكون الدعاء أقرب للإجابة، يُستحب للمسلم مراعاة بعض الآداب المستمدة من هدي النبي ﷺ، ومنها:
- الإخلاص لله تعالى: أن يكون الدعاء خالصًا لوجه الله وحده.
- البدء بالثناء على الله والصلاة على النبي: حمد الله وتمجيده ثم الصلاة على النبي ﷺ في أول الدعاء وآخره.
- اليقين بالإجابة وحضور القلب: أن يدعو المسلم وهو موقن بأن الله سيستجيب، وأن يكون قلبه حاضرًا غير غافل.
- الإلحاح في الدعاء: تكرار الدعاء وعدم الاستعجال في طلب الإجابة.
- تحري أوقات الإجابة: مثل الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وآخر ساعة من يوم الجمعة، وعند نزول المطر.
- اجتناب الحرام: أن يكون مطعم الداعي ومشربه وملبسه من حلال، فالمال الحرام من موانع إجابة الدعاء.
- عدم الدعاء بإثم أو قطيعة رحم: ألا يكون في الدعاء اعتداء أو ظلم.
أدعية قصيرة للوالدين
بر الوالدين من أعظم القربات، والدعاء لهما من أجل صور البر، سواء في حياتهما أو بعد مماتهما، ومن الأدعية القرآنية الجامعة لهما:
“رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا” [الإسراء: 24]
“رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ” [إبراهيم: 41]
ويمكن الدعاء لهما بصيغ عامة مثل: “اللهم ارزق والديّ الصحة والعافية، وبارك في أعمارهما، واختم لهما بالصالحات، واجزهما عنا خير الجزاء.”
فضل الدعاء ومكانته في الإسلام
للدعاء منزلة عظيمة في الإسلام، فهو العبادة التي تظهر افتقار العبد لربه وتعلّقه به، وقد بيّن النبي ﷺ عِظَم فضل الدعاء في الحديث القدسي الذي يرويه عن ربه عز وجل:
“يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي، غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ مِنْكَ وَلا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ، لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا، ثُمَّ لَقِيتَنِي لا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا، لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً.”
(حديث حسن، رواه الترمذي).
وهذا يدل على أن الدعاء والاستغفار مع التوحيد من أعظم أسباب مغفرة الذنوب ونيل رحمة الله الواسعة.
دعاء نزول المطر
وقت نزول المطر من أوقات استجابة الدعاء التي ينبغي للمسلم اغتنامها، ومن السنة أن يقول عند رؤية المطر:
“اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا.”
(حديث صحيح، رواه البخاري).
ويمكن للمسلم أن يدعو بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة، فهو وقت مبارك تُرجى فيه الإجابة.
المصادر والمراجع
- سورة غافر، الآية 60.
- سورة طه، الآيتان 25-26.
- سورة الأنبياء، الآية 87.
- سورة الإسراء، الآية 24.
- سورة إبراهيم، الآية 41.
- صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن الترمذي، وسنن أبي داود، وسنن ابن ماجه، (يمكن مراجعة الأحاديث على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة (FAQs)
ما هو أفضل وقت للدعاء؟
من أفضل أوقات الدعاء التي يُرجى فيها الإجابة: الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، وآخر ساعة بعد العصر من يوم الجمعة، وعند نزول المطر.
هل يجوز الدعاء بغير اللغة العربية؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بلغته التي يفهمها، فالله سبحانه وتعالى يعلم جميع اللغات ويسمع دعاء عباده، ولكن الدعاء بالمأثور من القرآن والسنة باللغة العربية هو الأفضل والأكمل.
ما هو البديل الصحيح للأدعية المنتشرة غير الثابتة؟
البديل الصحيح والأفضل دائمًا هو الالتزام بالأدعية الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي جامعة لخيري الدنيا والآخرة، وفيها البركة والاتباع، كما يمكن للمسلم أن يدعو بما يشاء من الخير لنفسه وأهله بأسلوبه الخاص، ما لم يكن في دعائه إثم أو اعتداء.
هل الدعاء يغير القدر؟
نعم، الدعاء من الأسباب القوية التي قد يغير الله بها القدر المعلّق، وقد ورد في الحديث: “لَا يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ” (حديث حسن، رواه الترمذي)، وهذا يدل على عظم شأن الدعاء وأثره في حياة المسلم.




