الزواج نعمة عظيمة وسُنّة من سنن الأنبياء، يضفي على الحياة طابعًا من الألفة والمودة، فالإنسان بفطرته يحتاج إلى شريك يشاركه رحلة حياته، ويقف بجانبه في السراء والضراء، وتزداد العلاقة الزوجية استقرارًا ورسوخًا حين تُبنى على أسس من التفاهم والاحترام والرحمة، كما قال تعالى في كتابه الكريم:
“وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” [الروم: 21].
وعندما يمنّ الله على عبده بالعثور على الشريك المناسب وتيسير أمور الزواج، فإن شكر هذه النعمة من تمام الإيمان، ومن أشهر العبارات التي يجري على الألسن في مثل هذه المناسبات السعيدة قول: “الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات”.
أصل مقولة “الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات” وحكمها
هذه العبارة هي من جميل الحمد والثناء على الله عند حصول النعم واكتمال الأمور الطيبة، وقد وردت في حديث عن السيدة عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى ما يُحب قال: “الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ”، وإذا رأى ما يكره قال: “الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ”.
الحكم الشرعي: الحديث المذكور قد ضعّفه بعض أهل العلم من حيث السند، ولكن معناه صحيح وتداوله السلف الصالح والعلماء كصيغة للحمد عند حصول ما يسرّ الإنسان، لذا، فلا حرج في استخدامها عند عقد القران أو أي مناسبة سارة أخرى كنوع من الشكر العام لله تعالى على فضله ونعمته.
الدعاء المأثور من السنة النبوية للتهنئة بالزواج
الأكمل والأفضل عند تهنئة المتزوجين هو استخدام الدعاء الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهو دعاء جامع ومبارك، فعن أبي هريرة رضي الله عنه:
“أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَفَّأَ الإِنْسَانَ إِذَا تَزَوَّجَ قَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ، وَبَارَكَ عَلَيْكَ، وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ”، (حديث صحيح، رواه أبو داود والترمذي).
وهذا الدعاء هو أفضل ما يُهنأ به الزوجان، حيث يتضمن الدعاء بالبركة لهما في حياتهما، وأن يجمع الله بينهما على الطاعة والخير والمودة.
صيغ وعبارات شائعة للإعلان عن الزواج والتهنئة به
تنبيه هام: هذه الصيغ هي من العبارات الطيبة التي يتداولها الناس للتعبير عن الفرح والتهنئة، وهي جائزة من باب الدعاء العام، والأكمل والأفضل هو الالتزام بالدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم عند التهنئة بالزواج، كما سبق بيانه.
فيما يلي أمثلة على العبارات التي يمكن استخدامها للإعلان عن هذه المناسبة السعيدة أو لتهنئة الآخرين:
- الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، بفضل الله وتوفيقه تم عقد قراني اليوم، أسأل الله أن يملأ حياتنا بالمودة والرحمة، وأن يرزقنا السعادة والبركة.
- الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، اليوم بدأت مرحلة جديدة من حياتي بإتمام عقد قراني، أسأل الله أن يجعلها بداية خير وسعادة، وأن يبارك لي في شريكي ويبارك له فيّ.
- الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، أكرمني الله بإتمام عقد قراني على من ارتضيتُها شريكة لحياتي، وأدعوه سبحانه أن يكتب لنا الخير والتوفيق في كل خطوة.
- الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، تم عقد قران صديقي وأخي الغالي، أسأل الله أن يبارك لهما ويبارك عليهما ويجمع بينهما في خير، وأن يرزقهما الذرية الصالحة.
أهمية الزواج ومكانته في الإسلام
للزواج في الإسلام شأن عظيم، فهو ليس مجرد عقد اجتماعي، بل هو ميثاق غليظ وركن أساسي لبناء أسرة مسلمة تكون نواة لمجتمع صالح، وتتجلى أهميته في عدة جوانب شرعية واجتماعية:
- تحقيق السكينة والاستقرار النفسي: الزواج هو السبيل الشرعي لتحقيق السكن النفسي والطمأنينة، حيث يجد كل من الزوجين في الآخر ملاذًا وأنسًا.
- حفظ النسل واستمراريته: هو الوسيلة المشروعة التي أقرها الله لاستمرار الجنس البشري، وتكوين أجيال تعمر الأرض وتعبد الله.
- إعفاف النفس وغض البصر: حث النبي صلى الله عليه وسلم الشباب على الزواج لأنه “أغض للبصر وأحصن للفرج”.
- باب من أبواب الرزق: وعد الله تعالى من يسعى للزواج طلبًا للعفاف بأن يغنيه من فضله، فقال سبحانه:
“إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ” [النور: 32].
.
- تقوية الروابط الاجتماعية: الزواج يوسع دائرة العلاقات الأسرية من خلال المصاهرة، مما يعزز التكافل والترابط في المجتمع.
لهذه الأسباب وغيرها، يُعد إتمام الزواج نعمة جليلة تستوجب الشكر والحمد، وهو ما يعبر عنه المسلم بقوله “الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات”، مستشعرًا فضل الله عليه في تيسير هذا الأمر العظيم.
المصادر والمراجع
- سورة الروم، الآية 21.
- سورة النور، الآية 32.
- حديث تهنئة الزواج “بارك الله لك…”، (يمكن مراجعته في سنن الترمذي، حديث رقم 1091، على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات”، (يمكن مراجعته في سنن ابن ماجه، حديث رقم 3803، مع التنبيه على حكم المحدثين بضعفه).
الأسئلة الشائعة (FAQs)
ما هو الدعاء الصحيح للتهنئة بالزواج؟
الدعاء الصحيح والمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم هو: “بَارَكَ اللَّهُ لَكَ، وَبَارَكَ عَلَيْكَ، وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ”، وهو أفضل ما يُقال لتهنئة المتزوجين.
هل يجوز قول “الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات” عند الزواج؟
نعم، يجوز قولها كعبارة عامة لشكر الله على نعمة إتمام الزواج، فمعناها صحيح وجاء استعمالها عن السلف، ولكن عند تهنئة شخص آخر، فإن الدعاء النبوي المذكور أعلاه هو الأولى والأفضل.
ما هو الوقت الأفضل للدعاء للزوجين؟
يُستحب الدعاء للزوجين عند عقد القران، وعند لقائهما بعد الزواج، وفي أي وقت يجتمع فيه المسلم بهما، فالدعاء بالبركة والخير مشروع في كل حين.



