الدعاء هو العبادة، وهو الصلة المباشرة بين العبد وخالقه، ففيه يناجي المسلم ربه ويسأله من فضله، سواء كان ذلك لطلب حاجة دنيوية كسعة الرزق والصحة والعافية، أو لأمر أخروي كالنجاة من النار والفوز بالجنة، وقد حثّ الله تعالى عباده على الدعاء ووعدهم بالإجابة، فقال سبحانه:
“وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ”
[غافر: 60].
وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم عظيم مكانة الدعاء، فقال في الحديث الصحيح:
“الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ”
(رواه الترمذي، حديث صحيح)، لذا، ينبغي على المسلم أن يُكثر من الدعاء في كل أحواله، مخلصًا قلبه لله ومتيقنًا بالإجابة، خاصة في أوقات الفضل كيوم عرفة، وشهر رمضان، والثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة.
أدعية من القرآن الكريم
إن خير ما يدعو به المسلم هو ما ورد في كتاب الله تعالى، فهي أدعية مباركة جامعة دعا بها الأنبياء والصالحون، ومن هذه الأدعية:
- دعاء شامل لخيري الدنيا والآخرة:
“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”
[سورة البقرة: 201].
- دعاء لطلب المغفرة والرحمة والثبات:
“رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ”
[سورة البقرة: 286].
- دعاء موسى عليه السلام لطلب تيسير الأمور:
“رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي”
[سورة طه: 25-28].
- دعاء لطلب المغفرة للوالدين والمؤمنين:
“رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ”
[سورة نوح: 28].
- دعاء لطلب الثبات على الحق:
“رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ”
[سورة آل عمران: 8].
أدعية ثابتة من السنة النبوية الشريفة
كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بجوامع الكلم، وقد وردت عنه أدعية عظيمة ثابتة في الأحاديث الصحيحة، وهي من أفضل ما يمكن للمسلم أن يحافظ عليه في حالاته المختلفة.
- دعاء تفريج الكروب والهموم:
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ”
(رواه البخاري، حديث صحيح).
- من أدعية القنوت الجامعة:
“اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ”
(رواه أبو داود والترمذي، حديث صحيح).
- دعاء لطلب خيري الدنيا والآخرة:
“اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ”
(رواه مسلم، حديث صحيح).
- دعاء طلب محبة الله:
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَالْعَمَلَ الَّذِي يُبَلِّغُنِي حُبَّكَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ حُبَّكَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي وَأَهْلِي، وَمِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ”
(رواه الترمذي، حديث حسن).
أدعية عامة وصيغ مأثورة
إلى جانب الأدعية الواردة في القرآن والسنة، يمكن للمسلم أن يدعو الله بما يفتح عليه من صيغ تجمع خيري الدنيا والآخرة، ما لم يكن فيها اعتداء أو إثم، وهذه بعض الأمثلة على الأدعية العامة التي يمكن مشاركتها عبر واتساب وغيرها من المنصات:
- اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَغْفِرُكَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ يُبْعِدُنِي عَنْكَ، وَيَحْرِمُنِي عَفْوَكَ، فَارْحَمْنِي بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
- اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذَا الْيَوْمِ: فَتْحَهُ، وَنَصْرَهُ، وَنُورَهُ، وَبَرَكَتَهُ، وَهُدَاهُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا فِيهِ وَشَرِّ مَا بَعْدَهُ، (مأخوذ من حديث حسن رواه أبو داود).
- اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ، وَمِنْ أَوْلِيَائِكَ الْمُقَرَّبِينَ، الَّذِينَ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ.
- اللَّهُمَّ اسْتُرْ عُيُوبَنَا، وَآمِنْ رَوْعَاتِنَا، وَاحْفَظْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِينَا وَمِنْ خَلْفِنَا، وَعَنْ أَيْمَانِنَا وَعَنْ شَمَائِلِنَا، وَمِنْ فَوْقِنَا، وَنَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ نُغْتَالَ مِنْ تَحْتِنَا.
- رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، (ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوله في المجلس الواحد مائة مرة، رواه الترمذي وهو حديث صحيح).
- اللَّهُمَّ طَهِّرْ قَلْبِي مِنَ النِّفَاقِ، وَعَمَلِي مِنَ الرِّيَاءِ، وَلِسَانِي مِنَ الْكَذِبِ، وَعَيْنِي مِنَ الْخِيَانَةِ، فَإِنَّكَ تَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ.
تنبيه وإخلاء مسؤولية
تنبيه هام: الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة، أما الصيغ العامة المنتشرة، فيجوز الدعاء بها ما دامت معانيها صحيحة ولا تخالف الشرع، ولكن لا يجوز نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو تخصيص فضل معين لها دون دليل شرعي صحيح.
فضل الدعاء وآدابه الشرعية
الدعاء من أعظم القربات وأجلّ الطاعات، وله فضل عظيم وثمرات جليلة في الدنيا والآخرة، فهو سبب لتفريج الكروب، ورفع البلاء، وجلب الأرزاق، وطمأنينة القلب، ولكي يكون الدعاء أرجى للقبول، ينبغي للمسلم أن يلتزم بآدابه، ومنها:
- الإخلاص لله تعالى: أن يقصد الداعي وجه الله وحده بدعائه.
- اليقين بالإجابة: أن يدعو وهو موقن بأن الله سيستجيب له.
- حضور القلب: التضرع والخشوع أثناء الدعاء، وتجنب الدعاء بقلب غافلٍ لاهٍ.
- البدء بحمد الله والثناء عليه: ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قبل البدء في سؤاله.
- الإلحاح في الدعاء: تكرار الدعاء وعدم استعجال الإجابة.
- تحري أوقات الإجابة: مثل الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وعند نزول المطر.
- أكل الحلال: فإن أكل الحرام من موانع إجابة الدعاء.
المصادر والمراجع
- سورة غافر، الآية 60.
- سورة البقرة، الآية 201.
- سورة البقرة، الآية 286.
- سورة طه، الآيات 25-28.
- سورة نوح، الآية 28.
- سورة آل عمران، الآية 8.
- جامع الترمذي، كتاب الدعوات، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح البخاري، كتاب الدعوات، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن أبي داود، كتاب الصلاة، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة (FAQs)
ما هو الفرق بين الأدعية الثابتة والأدعية العامة؟
الأدعية الثابتة هي التي وردت بنصها في القرآن الكريم أو السنة النبوية الصحيحة، ولها فضل خاص، أما الأدعية العامة، فهي صيغ ينشئها المسلم أو يتناقلها، وتكون جائزة ما دامت معانيها صحيحة ولا تخالف الشرع، ولكن لا يجوز أن يُنسب لها فضل معين لم يرد به دليل.
هل يجوز الدعاء بغير اللغة العربية؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بلغته التي يفهمها، فالله سبحانه وتعالى يعلم ما في القلوب ويسمع جميع اللغات، ولكن الأفضل والأكمل هو الدعاء بالصيغ المأثورة باللغة العربية لمن استطاع ذلك.
ماذا أفعل إذا دعوت ولم أرَ استجابة لدعائي؟
على المسلم أن يثق بأن الله يستجيب لعبده دائمًا، ولكن صورة الاستجابة تتنوع؛ فقد يعجل الله له ما طلب، أو يدخر له الأجر في الآخرة، أو يصرف عنه من السوء بمثل ما دعا به، لذا، يجب الاستمرار في الدعاء وعدم اليأس، فالدعاء عبادة في ذاته.







