دعاء اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك

يُعَدُّ السِّترُ نِعمةً جليلةً ومِنَّةً عظيمةً يَمُنُّ اللهُ بها على عباده في الدنيا والآخرة، فهو سبحانه “السِّتِّير” الذي يُحبُّ السَّتر على عباده، ولذلك، فإنَّ لجوء المسلم إلى ربه داعيًا إياه أن يستره ويحفظه من انكشاف العيوب والزلات هو من صميم العبادة، ويعكس يقين العبد بحاجته إلى عون الله وفضله في كل حين، خاصةً في المواطن التي تنكشف فيها الأعمال وتُعرض فيها الصحائف.

ومن أعظم ما يرجوه المؤمن هو أن يمنحه الله ستره الجميل الذي يشمل حياته كلها، بدءًا من أسراره وعيوبه في الدنيا، مرورًا بأهوال القبر وظلمته، وانتهاءً بالموقف العظيم يوم القيامة حين يقف الخلق جميعًا للحساب بين يدي الله عز وجل.

دعاء “اللهم استرنا”: معناه وأصله الشرعي

من الأدعية الشائعة على ألسنة الناس دعاء بصيغة: “اللَّهُمَّ اسْتُرْنَا فَوْقَ الْأَرْضِ، وَتَحْتَ الْأَرْضِ، وَيَوْمَ الْعَرْضِ عَلَيْكَ”، هذا الدعاء، على الرغم من انتشاره، لم يَرِد بهذه الصيغة المحددة في كتب السنة النبوية المعتمدة، بل هو من الأدعية العامة التي جَرَت على الألسن لمعناه الصحيح ومقصده الجليل، ويحمل هذا الدعاء معانٍ إيمانية عميقة تتلخص في طلب الستر الشامل من الله في ثلاث مراحل حاسمة:

  • “فَوْقَ الْأَرْضِ”: أي في الحياة الدنيا، والمقصود به أن يستر الله على عبده عيوبه وذنوبه فلا يُفتضح بها بين الناس، وأن يحفظه من الوقوع في الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وقد حثَّ الإسلام على الستر، وجعل جزاءه عظيمًا، كما جاء في الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

    “…وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.”

    (متفق عليه).

  • “تَحْتَ الْأَرْضِ”: والمقصود به مرحلة ما بعد الموت وفي القبر، وهو أول منازل الآخرة، فالدعاء هنا هو طلب للنجاة من فتنة القبر وعذابه، وأن يكون القبر روضة من رياض الجنة، وقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الاستعاذة من عذاب القبر في كل صلاة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو:

    “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ.”

    (رواه مسلم).

  • “وَيَوْمَ الْعَرْضِ عَلَيْكَ”: وهو الموقف الأعظم يوم القيامة، حين يقف العباد للحساب، والدعاء هنا هو تضرع إلى الله بأن يتجاوز عن السيئات، ويغفر الزلات، ولا يفضح عبده على رؤوس الأشهاد، وأن يُدخله الجنة برحمته.

دعاء اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك مكتوب بالتشكيل

فضل الدعاء بالستر وحكمه الشرعي

الدعاء بطلب الستر من الله تعالى أمر مشروع ومستحب، بل هو من صميم العبودية، وهو يدل على معرفة العبد بصفات ربه “السِّتِّير” الذي يحب الستر، وقد وردت نصوص شرعية كثيرة تؤكد على هذا المعنى، منها:

  • الله تعالى “السِّتِّير”: عن يعلى بن أمية رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

    “إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ، يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ.”

    (رواه أبو داود والنسائي، وصححه الألباني)، هذا الحديث أصل في أن الستر صفة يحبها الله تعالى من عباده ولنفسه.

  • هدي النبي ﷺ في الستر: كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم الستر على المخطئين وعدم التشهير بهم، فكان إذا بلغه عن أحد شيء، لا يواجهه به على الملأ، بل يقول:

    “مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَقُولُونَ كَذَا وَكَذَا.”

    (رواه البخاري)، وهذا تعليم للأمة بأهمية الستر في الإصلاح.

  • فضل ستر المسلم: حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على ستر المسلمين، ورتَّب على ذلك أجرًا عظيمًا، وهو أن يستر الله من يفعل ذلك يوم القيامة، كما في الحديث المتفق عليه المذكور سابقًا.

وبناءً على هذه الأدلة، فإن دعاء المسلم ربه أن يستره في دنياه وآخرته هو عمل صالح يثاب عليه، ما دام الداعي صادقًا في توبته، عازمًا على ترك المعصية، وليس مستهزئًا أو مصرًّا على ذنبه.

أدعية مأثورة لطلب الستر من الله تعالى

أدعية الستر الثابتة في السنة النبوية

الأفضل للمسلم دائمًا أن يدعو بالأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهي جامعة لخيري الدنيا والآخرة، ومباركة لثبوتها عنه، ومن أعظم الأدعية النبوية في طلب الستر والعافية هو الدعاء الذي كان يواظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم في الصباح والمساء:

  • عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يَدَعُ هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح:

    “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي، وَآمِنْ رَوْعَاتِي، اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ، وَمِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي، وَعَنْ شِمَالِي، وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي.”

    (رواه أبو داود وابن ماجه، وصححه الألباني).

هذا الدعاء النبوي الشريف هو الكنز الحقيقي لمن أراد الستر والأمان والعافية في كل شؤونه، وفيه طلب مباشر من الله بستر العورات، وهي تشمل العورات الحسية والمعنوية كالعيوب والذنوب.

صيغ شائعة للدعاء بالستر

بالإضافة إلى الصيغ النبوية، يتداول الناس أدعية عامة كثيرة لطلب الستر، مثل: “يا رب استرني بسترك الذي لا ينكشف”، أو “اللهم إني أسألك الستر في الدنيا والآخرة”، هذه الأدعية جائزة لأن معناها صحيح.

تنبيه هام: هذه الصيغ، بما في ذلك دعاء “اللهم استرنا فوق الأرض…”، هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية ومباركة وجامعة لكل خير.

فضل الدعاء بالستر في الإسلام وأهميته للمسلم

المصادر والمراجع

الأسئلة الشائعة (FAQs)

ما حكم دعاء “اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك”؟

الدعاء بهذه الصيغة جائز شرعًا لأن معناه صحيح ولا يخالف الشريعة، فهو طلب للستر من الله في جميع مراحل حياة الإنسان وما بعدها، ومع ذلك، فهو لم يثبت كنصٍّ عن النبي صلى الله عليه وسلم، والأكمل والأفضل هو الالتزام بالأدعية المأثورة الواردة في السنة الصحيحة.

ما هو أفضل دعاء للستر ورد في السنة النبوية؟

أعظم دعاء ثابت في السنة لطلب الستر هو دعاء الصباح والمساء الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يواظب عليه، وفيه قوله: “اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي، وَآمِنْ رَوْعَاتِي”، هذا الدعاء جامع، يطلب فيه العبد من ربه ستر عيوبه الجسدية والمعنوية، وتأمين مخاوفه.

هل يمكنني أن أدعو الله بالستر بصيغة من عندي؟

نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله تعالى بما يفتح عليه من صيغ وألفاظ لطلب الستر أو أي حاجة أخرى، بشرط ألا يكون في دعائه اعتداء أو مخالفة شرعية، ولكن يبقى الدعاء بالمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم هو الأعلى منزلة والأعظم بركة.

عن احمد نصر

بقلم: أحمد نصر باحث ومحرر محتوى إسلامي متخصص في قسم الأدعية بموقع [أُوني]، يكرس جهوده لجمع وتدقيق الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتقديمها للمسلمين في إطار موثوق وسهل الفهم، يسعى أحمد لتقديم محتوى ديني يعزز الصلة بالله ويستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة.

0 0 التصويت
Article Rating
الاشتراك في تنبيهات التعليقات
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
الأقدم
الأحدث الأكثر تصويتا
التعليقات المضمنة
عرض جميع التعليقات