يُمثِّل شهر شعبان منزلةً عظيمةً في قلوب المسلمين، فهو الجسر الذي يَعبرون به إلى شهر رمضان المبارك، ومحطة إيمانية لتجديد العهد مع الله تعالى، والتطهُّر من الذنوب استعدادًا لاستقبال أعظم شهور العام، ومع حلول هذا الشهر، تتجدد العزائم، وتلهج الألسن بالدعاء بأن يبلّغهم الله رمضان وهم في خير حال.
إن فضل هذا الشهر لا يكمن في كونه مجرد تمهيد لرمضان، بل له مكانته الخاصة التي بيّنتها السنة النبوية الشريفة، حيث تُرفع فيه أعمال العباد السنوية إلى الله عز وجل.
فضل شهر شعبان والأعمال المشروعة فيه
يغفل كثير من الناس عن فضل شهر شعبان، وقد نَبَّهَ إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم شهرًا من الشهور ما تصوم من شعبان، قال:
“ذلِكَ شَهْرٌ يَغفُلُ النَّاسُ عنهُ بينَ رجبٍ ورمضانَ، وَهوَ شَهْرٌ تُرفَعُ فيهِ الأعمالُ إلى ربِّ العالمينَ، فأحبُّ أن يُرفَعَ عمَلي وأَنا صائمٌ”
المصدر: سنن النسائي، حديث حَسَّنَهُ الألباني.
بناءً على هذا الحديث الشريف، فإن من أفضل الأعمال التي يُستحب للمسلم الإكثار منها في شعبان:
- الصيام: اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولأن الصيام من أعظم الأحوال التي يُحب الله أن يرى عبده عليها عند رفع عمله.
- الإكثار من الدعاء: فالدعاء هو مخ العبادة، وطلب العون من الله لبلوغ رمضان والتوفيق فيه من أعظم المطالب.
- تلاوة القرآن الكريم: كان السلف الصالح يسمّون شعبان “شهر القُرّاء”، حيث كانوا يُقبلون فيه على تلاوة القرآن استعدادًا لرمضان.
- التوبة والاستغفار: لتطهير القلب وتزكية النفس قبل الدخول في مدرسة رمضان الإيمانية.
صيغ دعاء شائعة في شهر شعبان
ينتشر بين الناس العديد من صيغ الدعاء التي يعبرون بها عن شوقهم لرمضان ورجائهم من الله في شعبان، ورغم أن الدعاء بأي صيغة طيبة لا تحتوي على محظور شرعي هو أمر جائز، إلا أنه من المهم معرفة أن هذه الصيغ لم ترد بنصها في مصادر التشريع المعتمدة، ومن هذه الأدعية المتداولة:
أدعية لاستقبال شعبان وبلوغ رمضان:
- اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَعْبَانَ وَبَلِّغْنَا رَمَضَانَ وَنَحْنُ فِي أَتَمِّ الْعَافِيَةِ، اللَّهُمَّ احْفَظْ أَحْبَابَنَا، وَأَغْنِنَا بِفَضْلِكَ، وَارْزُقْنَا السَّتْرَ وَالْغِنَى، وَامْنَحْ قُلُوبَنَا الطُّمَأْنِينَةَ وَأَرْوَاحَنَا السَّكِينَةَ.
- رَبِّ اجْعَلْ أَيَّامَ شَعْبَانَ مَلِيئَةً بِالْخَيْرَاتِ، وَأَوْقَاتَ رَمَضَانَ مَفْعَمَةً بِالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ، وَوَفِّقْنَا لِقِيَامِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا قَلْبًا نَقِيًّا، وَنَفْسًا مُطْمَئِنَّةً، وَاغْفِرْ ذُنُوبَنَا، وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ أَنْوَارِ رَحْمَتِكَ مَا يُضِيءُ دُرُوبَنَا.
- يَا رَبِّ، بَلِّغْنَا رَمَضَانَ وَنَحْنُ وَمَنْ نُحِبُّ فِي صِحَّةٍ وَعَافِيَةٍ وَرَاحَةِ بَالٍ، ارْزُقْنَا الطُّمَأْنِينَةَ فِي قُلُوبِنَا وَاجْعَلْنَا فِي كَنَفِ رِعَايَتِكَ يَا أَكْرَمَ الْأَكْرَمِينَ.
أدعية لتيسير الأمور وقضاء الحوائج:
- اللَّهُمَّ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الْمُبَارَكَةِ، ارْزُقْنَا رِزْقًا حَلَالًا مُبَارَكًا فِيهِ، وَامْلَأْ قُلُوبَنَا بِالسَّعَادَةِ وَالسَّكِينَةِ وَالرِّضَا، اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا بِشَفَاعَةِ نَبِيِّكَ وَاجْعَلْنَا فِي حِفْظِكَ وَحِمَايَتِكَ يَا وَاسِعَ الرَّحْمَةِ.
- اللَّهُمَّ بَلِّغْنَا رَمَضَانَ وَأَعِنَّا فِيهِ عَلَى الصِّيَامِ وَالْقِيَامِ، وَاجْعَلْ أَعْمَالَنَا كُلَّهَا خَالِصَةً لِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ، اللَّهُمَّ اسْتُرْنَا فَوْقَ الْأَرْضِ وَتَحْتَ الْأَرْضِ وَيَوْمَ الْعَرْضِ عَلَيْكَ.
- اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ أَنْ تَرْزُقَنِي مِنْ وَاسِعِ رِزْقِكَ، وَأَنْ تُكْرِمَنِي بِزَوْجٍ/زَوْجَةٍ صَالِحٍ/صَالِحَةٍ تَقَرُّ بِهِ/بِهَا عَيْنِي، وَأَنْ تَكْتُبَ لِي الْخَيْرَ وَالتَّوْفِيقَ فِي كُلِّ شُؤُونِي.
تنبيه هام حول الأدعية المنتشرة
تنبيه وإخلاء مسؤولية: الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي كافية ومباركة وشاملة لخيري الدنيا والآخرة، ويجوز للمسلم أن يدعو بما يفتح الله عليه من الأدعية الطيبة التي لا تخالف الشرع.
حكم دعاء “اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان”
ينتشر بين الناس حديث يُنسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا دخل رجب قال:
“اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان”
الحكم الشرعي: هذا الحديث مروي في “مسند الإمام أحمد” وغيره، ولكن سنده ضعيف، وقد ضعّفه جمع من كبار المحدثين، ومع ذلك، فإن معنى الدعاء صحيح ولا حرج فيه، فطلب البركة في الوقت وبلوغ رمضان أمر مشروع ومطلوب، لذلك، يجوز الدعاء بهذه الصيغة على أنها دعاء عام، دون الاعتقاد بأنها سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم بخصوصها.
كيف نستعد لرمضان في شهر شعبان؟
الاستعداد لرمضان في شعبان هو مفتاح الفوز في الشهر الكريم، ومن أفضل سبل الاستعداد:
- التوبة والاستغفار: المحافظة على الاستغفار تُطهر القلب وتُهيئه لاستقبال نفحات رمضان بنفسٍ نقية.
- المحافظة على الصلوات: الحرص على أداء الصلوات في وقتها يُعوِّد النفس على الانضباط، مما يسهل أداء الفرائض والنوافل بخشوع في رمضان.
- قيام الليل: من يعتاد على قيام الليل في شعبان، ولو بركعتين، يجد سهولة في أداء صلاة التراويح والتهجد في رمضان.
- حمد الله وشكره: استشعار نعمة الله في بلوغ هذه الأيام المباركة يزيد من الشوق للطاعة ويجعل العبد أكثر حرصًا على اغتنامها.
- الإحسان إلى الخلق: التعامل مع الناس بخلق حسن، والعفو والصفح، يُنقي القلب ويجعله أكثر قابلية لاستشعار روحانية رمضان.
المصادر والمراجع
- حديث أسامة بن زيد في فضل صيام شعبان، (سنن النسائي، كتاب الصيام، حديث رقم 2357، حسنه الألباني، يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “اللهم بارك لنا في رجب وشعبان”، (مسند الإمام أحمد، حديث رقم 2346، وهو حديث ضعيف، يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة حول شهر شعبان
ما هو أفضل دعاء في شهر شعبان؟
لم يثبت دعاء محدد خاص بشهر شعبان، وأفضل الدعاء هو ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، مثل أدعية طلب المغفرة والرحمة، كقوله تعالى:
“رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ” [الأعراف: 23]
، بالإضافة إلى الدعاء بخيري الدنيا والآخرة.
هل الصيام في شعبان كله سُنَّة؟
كان النبي صلى الله عليه وسلم يُكثر من الصيام في شعبان، حتى قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: “فما رأيت رسول الله استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر منه صيامًا في شعبان” (متفق عليه)، ويُكره صيام يوم أو يومين قبل رمضان مباشرة لمن لم تكن له عادة، لقوله صلى الله عليه وسلم: “لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين”.
ما الحكمة من رفع الأعمال في شهر شعبان؟
هذا من تقدير الله وحكمته، وقد يكون ذلك لتهيئة النفوس وتنبيه الغافلين قبل دخول شهر رمضان، ليتداركوا ما فاتهم ويستعدوا لشهر المغفرة والرحمة بقلوب مُقبلة على الله.


