الدعاء هو جوهر العبادة، والصلة المباشرة التي تربط العبد بربه دون وسيط، وقد حثّ الله سبحانه وتعالى عباده على دعائه، ووعدهم بالإجابة، فقال تعالى:
“وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ”
[غافر: 60]، ولكي يكون الدعاء أرجى للقبول، ينبغي للمسلم أن يتحرى شروط الاستجابة وآدابها، وأن يلتزم بما ورد في كتاب الله وسنة نبيه الصحيحة.
من أهم أسباب قبول الدعاء إخلاص النية لله، وحضور القلب، واليقين التام بالإجابة، وحسن الظن بالله، بالإضافة إلى طيب المطعم والمشرب والملبس، واجتناب المعاصي والآثام، أما أسباب عدم الاستجابة فمنها الدعاء بقلب غافلٍ لاهٍ، أو الدعاء بإثم أو قطيعة رحم، أو الاستعجال وترك الدعاء.

أمثلة على الصيغ المنتشرة لدعاء “يا ودود”
ينتشر بين بعض الناس دعاء يُنسب إليه فضل في تفريج الكروب وقضاء الحوائج، ويُعرف بدعاء “يا ودود يا ذا العرش المجيد”، ومن الصيغ التي يتداولونها ما يلي:
- “اللَّهُمَّ يَا وَدُودُ يَا وَدُودُ يَا وَدُودُ، يَا ذَا الْعَرْشِ الْمَجِيدِ، يَا مُبْدِئُ يَا مُعِيدُ، يَا فَعَّالًا لِمَا تُرِيدُ، أَسْأَلُكَ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي مَلَأَ أَرْكَانَ عَرْشِكَ، وَأَسْأَلُكَ بِقُدْرَتِكَ الَّتِي قَدَرْتَ بِهَا عَلَى جَمِيعِ خَلْقِكَ، وَأَسْأَلُكَ بِرَحْمَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، يَا مُغِيثُ أَغِثْنِي، يَا مُغِيثُ أَغِثْنِي، يَا مُغِيثُ أَغِثْنِي.”.
- “يَا وَدُودُ يَا ذَا الْعَرْشِ الْمَجِيدِ، أَسْأَلُكَ أَنْ تُجَدِّدَ لِي الْأَمَلَ فِي حَيَاتِي وَتَفْتَحَ أَمَامِي أَبْوَابَ الرَّحْمَةِ وَالْفَرَجِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِي نَصِيبًا مِنْ عَافِيَتِكَ وَاصْرِفْ عَنِّي كُلَّ بَلَاءٍ أَوْ مَكْرُوهٍ.”.
- “يَا ذَا الْعَرْشِ الْمَجِيدِ يَا فَعَّالًا لِمَا تُرِيدُ، قَوِّنِي يَا اللَّهُ عَلَى تَجَاوُزِ الصِّعَابِ، وَأَزِلْ عَنْ قَلْبِي كُلَّ غَمٍّ وَهَمٍّ، وَاجْبُرْ كَسْرِي وَدَاوِ قَلْبِي وَارْزُقْنِي مِنْ فَيْضِ عَطَايَاكَ.”.

ما صحة دعاء “يا ودود يا ذا العرش المجيد”؟
إن القصة التي يُستدل بها على فضل هذا الدعاء، والتي تروي حكاية رجل استغاث الله بهذه الكلمات فنجّاه من لص، هي قصة لم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه، وقد ذكرها بعض أهل العلم في كتبهم كابن أبي الدنيا، ولكن أسانيدها ضعيفة جداً أو موضوعة، ولا يصح الاعتماد عليها في إثبات فضل خاص لهذا الدعاء بهذه الصيغة المحددة.
تنبيه هام وإخلاء مسؤولية: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس بناءً على تلك القصة غير الثابتة، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة، وفيها غنية عن الأدعية التي لم يثبت فضلها بدليل شرعي صحيح.
ومع ذلك، فإن الدعاء بأسماء الله الحسنى وصفاته العليا، مثل “يا ودود” أو “يا ذا العرش المجيد”، هو أمر مشروع وجائز، بل هو من أعظم أسباب إجابة الدعاء، فالمحذور هو اعتقاد فضل خاص أو كيفية معينة لهذه الصيغة لم يرد بها دليل صحيح.

أدعية صحيحة وثابتة لتفريج الكرب وقضاء الحاجات
الحمد لله، في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كنوز من الأدعية الصحيحة التي تُعد أعظم وأفضل ما يلجأ به العبد إلى ربه في الشدائد، ومن هذه الأدعية المباركة:
1، دعاء نبي الله يونس عليه السلام (دعاء ذي النون)
وهو من أعظم الأدعية لتفريج الكروب، وقد قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: “دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له”، (رواه الترمذي، حديث صحيح).
“لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ”
[الأنبياء: 87]
2، دعاء الكرب من السنة النبوية
كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول هذا الدعاء عند الكرب، وهو دعاء عظيم يجمع بين التوحيد وتعظيم الله.
“لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ”
(رواه البخاري ومسلم، حديث صحيح).
3، دعاء الهم والحزن
وهو دعاء نبوي جامع يُذهب الله به الهم والحزن ويُبدله فرحاً وسروراً.
“اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي”
(رواه أحمد، حديث صحيح).

الدروس والعبر المستفادة من الدعاء الصحيح
إن اللجوء إلى الله بالأدعية الثابتة في القرآن والسنة يورث المسلم دروساً عظيمة وعِبراً جليلة، منها:
- اليقين بالله: يزداد يقين المؤمن بأن الله هو الملجأ الوحيد في الشدائد، وأنه سبحانه القادر على كشف الضر وجلب الخير.
- التوحيد الخالص: الأدعية النبوية تركز على توحيد الله وتعظيمه، مما يعمق عقيدة المسلم ويقوي صلته بربه.
- الدعاء بأسماء الله الحسنى: تعلمنا السنة كيفية التوسل إلى الله بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، وهو من أعظم آداب الدعاء.
- التوكل المطلق: الدعاء الصحيح يعمق مفهوم التوكل على الله وتفويض الأمر إليه، مما يورث القلب طمأنينة وسكينة.
- الاتباع لا الابتداع: الالتزام بالأدعية المأثورة هو اتباع لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه السلامة من الوقوع في البدع والمحدثات في الدين.
فالمسلم الذي يُخلص في دعائه، ويتحرى ما صح عن نبيه، ويبتعد عن الذنوب، هو عبدٌ يرجو رحمة ربه ويحسن الظن به، مدركاً أن القرب من الله والتمسك بسنة رسوله هما مفتاح النجاة والفلاح في الدنيا والآخرة.
المصادر والمراجع
- سورة الأنبياء، الآية 87.
- سورة غافر، الآية 60.
- صحيح البخاري، حديث رقم 6346، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 2730، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- مسند الإمام أحمد، حديث رقم 3712، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، حديث رقم 3505، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة
ما صحة قصة دعاء يا ودود يا ذا العرش المجيد؟
القصة المتداولة حول رجل نادَى الله بهذا الدعاء فنجاه من لص هي قصة لا تصح، وأسانيدها ضعيفة جداً أو موضوعة، ولا يجوز نسبتها إلى الدين أو بناء فضل خاص للدعاء عليها.
هل يجوز الدعاء بعبارة “يا ودود يا ذا العرش المجيد”؟
نعم، يجوز الدعاء بهذه العبارات وغيرها من أسماء الله وصفاته، “الودود” و”ذو العرش المجيد” من صفات الله تعالى، والتوسل بها في الدعاء أمر مشروع، المحذور هو اعتقاد أن لهذه الصيغة المحددة فضلاً خاصاً أو قصة ثابتة لم يرد بها دليل صحيح.
ما هي الأدعية الصحيحة التي تقال عند الكرب؟
من أفضل ما يُقال عند الكرب دعاء نبي الله يونس “لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين”، ودعاء الكرب الثابت في الصحيحين “لا إله إلا الله العظيم الحليم…”، بالإضافة إلى دعاء الهم والحزن وغيرها من الأدعية الصحيحة الواردة في السنة النبوية.