دعاء الغبار والريح الوارد عن الرسول

الرياح من آيات الله الكونية، يرسلها رحمةً أو نذيرًا، وتختلف في شدتها وأثرها، وقد أرشدنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى هديٍ واضح عند التعامل مع هذه الظاهرة، يتضمن أدعية محددة لطلب خيرها والاستعاذة من شرها، وبيانًا لأهمية اللجوء إلى الله تعالى في كل حال.

دعاء الريح والغبار الصحيح من السنة النبوية

إن الدعاء الأساسي والثابت الذي يُقال عند هبوب الريح، سواء كانت محملة بالغبار أم لا، هو ما ورد في السنة النبوية الصحيحة.

الدعاء الثابت عن النبي ﷺ

ثبت عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان النبي ﷺ إِذَا عَصَفَتِ الرِّيحُ، قَالَ:

«اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا، وَخَيْرَ مَا فِيهَا، وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ مَا فِيهَا، وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ».

المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 899.

شرح موجز: هذا الدعاء الجامع يتضمن طلب كل خير قد تأتي به هذه الريح (كتلقيح النبات أو تلطيف الجو)، والاستعاذة من كل شر قد تحمله (كالإتلاف أو الأمراض).

أدعية أخرى صحيحة تتعلق بأحوال الجو

وردت في السنة النبوية أدعية أخرى تتعلق بالظواهر الجوية، ومن المهم معرفة سياق كل منها:

  • عند نزول المطر: يُسن أن يقول المسلم:

    «اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا».

    المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 1032، (والصيِّب هو المطر).

  • لطلب الرياح الملقِّحة: ورد أن النبي ﷺ كان يقول:

    «اللَّهُمَّ لَقَحًا لَا عَقِيمًا».

    المصدر: حسّنه الألباني في “السلسلة الصحيحة”، (ومعناه: اللهم اجعلها رياحًا تحمل الخير واللقاح للنبات، لا رياحًا عقيمًا مُهلكة لا خير فيها).

دعاء الريح الصحيح من السنة النبوية مكتوب على خلفية سماء عاصفة

ما ورد عن الصحابة عند سماع الرعد

لم يثبت حديث مرفوع إلى النبي ﷺ عند سماع الرعد، ولكن وردت آثار صحيحة عن بعض الصحابة الكرام:

  • عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، أنه كان إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال:

    «سُبْحَانَ الَّذِي يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ».

    المصدر: صححه الألباني في “صحيح الأدب المفرد”، (وهذا أثر موقوف على الصحابي).

  • ورد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه كان يقول إذا سمع صوت الرعد:

    «سبحان من سَبَّحتَ له».

    .

صيغ منتشرة وحكمها الشرعي

تنتشر بين الناس بعض الصيغ والأدعية التي تُنسب إلى هذه المناسبة، ومن المهم بيان درجة ثبوتها.

دعاء “اللهم اجعلها رياحًا ولا تجعلها ريحًا”

يتداول البعض دعاء بصيغة: “اللهم اجعلها رياحًا ولا تجعلها ريحًا”، وقد ورد هذا المعنى في أثر عن ابن عباس رضي الله عنهما، ورواه الإمام الشافعي في كتاب “الأم”، ولكن سنده ضعيف، ومع أن معناه صحيح (لأن كلمة “رياح” غالبًا ما تأتي في القرآن للرحمة، وكلمة “ريح” للعذاب)، إلا أن نسبته إلى السنة النبوية كدعاء مخصص لا تصح.

تنبيه هام: الأصل في الأدعية هو الالتزام بما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهو كافٍ وشافٍ، ويمكن الدعاء بالمعاني الطيبة العامة دون تخصيصها بمناسبة لم يرد بها دليل، ودون نسبتها إلى النبي ﷺ.

أدعية عامة للجوء إلى الله عند الكرب

عند اشتداد الرياح أو الخوف من أي ظاهرة طبيعية، يشعر المسلم بحاجته إلى الله، فيمكنه أن يدعو بأدعية عامة تجمع خيري الدنيا والآخرة، هذه الأدعية التالية هي أمثلة على صيغ عامة للدعاء، ولم ترد مخصصة لهبوب الرياح.

  • اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ جَهْدِ الْبَلاَءِ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءِ الْقَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ.
  • يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، وَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ.
  • اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت.
  • اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ نَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ ﷺ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا اسْتَعَاذَ مِنْهُ نَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ ﷺ.

إخلاء مسؤولية: هذه الصيغ هي أدعية عامة ومأثورة في طلب الرحمة والفرج، ويجوز الدعاء بها في كل وقت، ولكن لم يثبت تخصيصها بفضل معين عند هبوب الريح، الأفضل هو البدء بالدعاء النبوي الصحيح المذكور أولاً.

أدعية مأثورة عند هبوب الرياح والعواصف مكتوبة بالتشكيل

من حكم الله في خلق الرياح وفوائدها

خلق الله تعالى الرياح لحِكَمٍ عظيمة وفوائد متعددة، فهي ليست مجرد ظاهرة طبيعية عابرة، بل جند من جنود الله لها أدوار أساسية في توازن الحياة على الأرض، ومن أبرز فوائدها:

  • تلقيح النباتات: تساهم في نقل حبوب اللقاح، وهو أمر حيوي لتكاثر النباتات والمحاصيل الزراعية.
  • تكوين السحب ونزول المطر: تلعب دورًا رئيسيًا في تحريك السحب وتوزيع الأمطار على مناطق مختلفة، تحقيقًا لقوله تعالى في سورة الأعراف.
  • توليد الطاقة: تُستخدم كمصدر نظيف ومتجدد لتوليد الطاقة الكهربائية، مما يقلل من التلوث البيئي.
  • تلطيف الأجواء: تعمل على خفض درجات الحرارة المرتفعة وتجديد الهواء، مما يجعل المناخ أكثر اعتدالًا.
  • دفع السفن الشراعية: كانت ولا تزال تُستخدم لدفع السفن عبر البحار والمحيطات.

فالرياح آية من آيات الله الدالة على عظيم قدرته وبديع صنعه، يتجلى فيها جانب الرحمة والنعمة، وقد تكون في أحيان أخرى نذيرًا وعذابًا، كما حدث مع قوم عاد حين قالوا:

“فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا ۚ بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ ۖ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ” [الأحقاف: 24]

.

المصادر والمراجع

  • سورة الأحقاف، الآية 24.
  • صحيح مسلم، كتاب صلاة الاستسقاء، باب ما يقول إذا هاجت الريح، حديث رقم 899، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
  • صحيح البخاري، كتاب الاستسقاء، باب ما قيل في الزلازل والآيات، حديث رقم 1032، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
  • كتاب “صحيح الأدب المفرد” للإمام البخاري، تحقيق الشيخ الألباني.
  • سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها، للشيخ الألباني.

أسئلة شائعة حول دعاء الريح

ما هو الدعاء الصحيح عند هبوب الريح؟

الدعاء الصحيح الثابت عن النبي ﷺ هو: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا، وَخَيْرَ مَا فِيهَا، وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ مَا فِيهَا، وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ”، (رواه مسلم).

هل يجوز سب الريح أو لعنها؟

لا يجوز سب الريح أو لعنها، فهي من خلق الله ومأمورة بأمره، وقد نهى النبي ﷺ عن ذلك فقال:

«لَا تَسُبُّوا الرِّيحَ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مَا تَكْرَهُونَ فَقُولُوا: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ هَذِهِ الرِّيحِ، وَخَيْرِ مَا فِيهَا، وَخَيْرِ مَا أُمِرَتْ بِهِ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ هَذِهِ الرِّيحِ، وَشَرِّ مَا فِيهَا، وَشَرِّ مَا أُمِرَتْ بِهِ»

(حديث صحيح رواه الترمذي).

ما الفرق بين كلمة “ريح” و”رياح” في القرآن الكريم؟

لاحظ العلماء أن كلمة “رياح” بصيغة الجمع غالبًا ما تأتي في سياق الرحمة والخير، مثل قوله تعالى: “وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ”، بينما تأتي كلمة “ريح” بصيغة المفرد غالبًا في سياق العذاب والهلاك، مثل قوله تعالى عن قوم عاد: “وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ”، وهذا من لطائف البيان في القرآن الكريم.

عن احمد نصر

بقلم: أحمد نصر باحث ومحرر محتوى إسلامي متخصص في قسم الأدعية بموقع [أُوني]، يكرس جهوده لجمع وتدقيق الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتقديمها للمسلمين في إطار موثوق وسهل الفهم، يسعى أحمد لتقديم محتوى ديني يعزز الصلة بالله ويستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة.

0 0 التصويت
Article Rating
الاشتراك في تنبيهات التعليقات
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
الأقدم
الأحدث الأكثر تصويتا
التعليقات المضمنة
عرض جميع التعليقات